صلاح الدين الأيوبي.. الذكرى والمحور!

صلاح الدين الأيوبي.. الذكرى والمحور!

د.مــحــمــد يــونـــس

بعد غد (الاثنين) تمر 831 عاما على رحيل صلاح الدين الأيوبي، ولا يزال أثره ماثلا  في الأذهان ليس فقط لأنه حرر القدس من أيدي الصليبيين بعد عقود من الاحتلال الاستيطاني، استنادا على حجج دينية مزعومة تشابه تماما تلك التي يدعيها الاحتلال الإسرئيلي لفلسطين، وإنما أيضا لأنه اسمه يزين محور مهم على الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة والذي طفا على سطح الإحداث أخيرا . الأهم  من كل ذلك، أن صلاح الدين ليس مجرد اسما لمحور مهما في تضاريس الجغرافيا وإنما أيضا عنوانا لدرس  أساسي في التاريخ .. تاريخ الصراع  سواء كان حدودا أو وجودا!

هو الملك الناصر يوسف بن أيّوب بن شادي بن مروان بن يعقوب الدُّويني 1138 -1193) م)، ولد في تكريت من أصل كرديُّ ثم تنقل في عدة بلدان الإسلامية حتى صار أحد أشهر القادة المسلمين.

أثرت نشأته القياديّة، في شخصيّته وصقلَتها، وتميز بالشجاعة والإقدام والهمّة العالية، وعرف عنه الكرم، والإحسان، والبساطة في مأكله، وملبسه، ومركبه، وهو صاحب دين، وعقيدة ،حرص على طلب العِلم، فقد كان فقيهاً وراوياً للحديث كما اهتم بالشعر. وعندما شب عن الطوق اصبح مجاهداً مثابراً  شارك في العديد من المعارك وحقق فيها انتصارات أهلته للقيادة والإمارة، فقد قاد عدة حملات عسكريّة؛ ضد الصليبيين، وشكلت هذه الحملات بداية صلاح الدين العسكريّة والقيادية فعيَّن وزيراً في مصر للخليفة الفاطميّ، في عام 1169م، عندما كان عمره 31 عاماً.

اتسم صلاح الدين بالعدل والإنصاف؛ فقد كان يجلس يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوع، في مجلس عام؛ ليقيمَ العدل. وعرف بحسن معاملته الإنسانية لأعدائه، لذا فهو من أكثر الأشخاص تقديرًا واحترامًا في العالمين الشرقي الإسلامي والأوروبي المسيحي. في العصر الذي ظهر فيه صلاح الدين كانت الدولة العباسية قد تجزأت إلى عدّة دويلات ، في أواسط القرن الثاني عشر، فكان الفاطميون يحكمون مصر ولا يعترفون بخلافة بغداد، وكانت معظم بلدان الأمة في ذلك الحين مشتتة ومنقسمة.. وفي ظل هذه التشرذم، احتل الصليبيون الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط من أنطاكية والرُّها شمالا مرورا باللاذقية وطرطوس وطرابلس وبيروت وصيدا ، ثم صفد وعكا وصور، وحتى بيت المقدس وعسقلان وغزة.. وارتكب الصليبيون جرائم بحق المسلمين مشابهة لما يحدث في غزة اليوم، وقد كانت هذه الاوضاع وبخاصة احتلال القدس في بؤرة اهتمام صلاح الدين وهمه فهو القائل: "كيف يطيبُ لي الفرح والطعام ولذّة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيّين"

 ورأى صلاح الدين ان تبدأ خطته لتحرير القدس وغيرها من البلدان الإسلامية، بوحدة الصف وتوحيد كلمة المسلمين ومواجهة الفتن والخلافات، فقبل ان يبدأ مسيرته للتحرير، أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن تحت الراية العباسية. وقاد صلاح الدين حروب عديدة ضد  الصليبيين الأوروبيين لاستعادة بيت المقدس التي كان الفرنجة قد استولوا عليها ،الى جانب عدة بلدان إسلامية في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي. كانت أبرز هذه الحروب معركة حطّين في شمال فلسطين (4 يوليو 1187م/ 14 ربيع الآخر 583هـ) حيث هزمَت جيوش صلاح الدين ملك القدس الصليبي، ثم انتصر على الصليبيّين في عكّا،  وانتزعها منهم، وواصل انتصاراته حيث سيطر على صيدا و بيروت. الى ان وصل إلى عسقلان، وأماكن الأخرى حول مدينة القدس؛ استعداداً للقتال، وحاصر المدينة 12 يوما الى أن بادر دانيال قائد الحامية الصليبية في القدس بطلب الصلح فوافق صلاح الدين وفتح القدس في يوم مقدس هو الجمعة 27 رجب  583 هـ  الموافق الثاني من أكتوبر 1187م ، بعد 91 عاما من الاحتلال.

منذ ذلك العصر صار أكتوبر شهرا الانتصارات وسيذكر التاريخ في اروع صفحاته بجانب ذلك اليوم (الثاني من اكتوبر)، يوم السادس من اكتوبر 1973 والسابع من اكتوبر2023 .ولا شك ان هناك أيام أخرى للنصر ينتظرها العرب والمسلمون إذا تعلموا من دروس التاريخ وحقائق الجغرافيا.

توفي صلاح الدين فى دمشق يوم 4 مارس سنه 1193، وعندما فُتحت خزانته الشخصية لم يكن فيها ما يكفي من المال لجنازته.هذا ما كان من أمر ذكرى الملك الناصر، ولنا حديث آخر عن صلاح الدين المحور!

التعليقات