إذا كنا تناولنا في المقال السابقة حكاية "دولة مجهولة تفتح أرضها للشتات الأفريقي"، فإننا الآن أمام معضلة يكشف عنها هذا المقال: فالأرض نفسها التي جعلتها بيرلاند لها، على الخريطة، وفي فضاء الإنترنت، تأتي (مملكة الجبل الأصفر) لتقول الأمر نفسه. 

ولكن إذا كان د. أمير حياوي، ملك بيرلاند، قد استأجر هواة لينفذوا له عمله الدعائي، جاءت النتيجة كما لو كانت رسوما لسنة أولى فوتوشوب، مقارنة بالكتيبة المحترفة التي تدير فنيا وإداريا مواقع (مملكة الجبل الأصفر) على شبكات اتواصل الاجتماعي. 

لكننا لسنا نتحدث عن ملك وأمير، وإنما نتحدث عن سيدة أعلنت قيام المملكة، وجعلت من نفسها رئيس مجلس وزراء مملكة الجبل الأصفر، هي د. نادرة وليد ناصيف، التي تلقت فور الإعلان (سبتمبر 2019) برقيات ورسائل التهنئة من زعماء ورؤساء وملوك ومسؤولين بالدول الصديقة والشقيقة بمناسبة إعلان قيام مملكة الجبل الأصفر). 

سنكتشف أن هناك تطابقا بين مملكة أمير حياوي، ومملكة نادرة وليد ناصيف، حتى في المساحة 2060 كيلومتر مربع. ورغم التشابه في مفردة الشجرة التي تتوسط علم بيرلاند، إلا أنها تصبح نخلة في علم مملكة الجبل الأصفر، المستلهم من الجزيرة العربية، ويصبح جبل بير طويل، ذهبيا له خمسة قمم تشير - كما أعلنت المملكة -  إشارة إلى الصلوات الخمس.

هناك صبغة دينية في لغة الخطاب، في الرسائل، والإعلانات، والبيانات، وقد حددت هويتها بأنها تستقبل كل زوار العالم، بعد أن بدأت منح تأشيرات الزيارة، إلا من مكانين، إيران، ودولة الاحتلال الإسرائيلي!

وإذا كانت د. نادرة قد أعلنت نيابة عن ملك مملكة الجبل الأصفر الملك عبد الإله بن عبدالله آل وهيب،  قيام المملكة رسميا، من مدينة أوديسا في أوكرانيا، باعتبارها رئيس مجلس وزراء مملكة الجبل الأصفر، كما أسمت نفسها ملكة (بعد عام)، سنجد أن وزارة خارجية المملكة أعلنت عن شروط الهجرة والعمل (بأراضيها)‬، بألا يكون لدى مقدم طلب المواطنة الجبلية بلد‏ (أي من فئة البدون)، أو أن يكون مهجرا عن بلدك، أو يعيش في بلد مليئ بالحروب أو الطائفية، أو مجهول الوالدين ‏أو يعاني الأكتئاب من بلده الأصلي، على أن تقدم  الطلبات،  ومعها  ‏4 صور شخصية، و‏كتاب موقع من رئيس وزراء مملكة الجبل الأصفر ب‏لا مانع من الانضمام للمملكة!

ويبدو أن الطلبات انهالت على موقع وزارة الخارجية، حتى أن الموقع كتب: "نظراً لتعطل الموقع الرسمي لوزارة الخارجية بسبب عمليات الدخول، يعمل حالياً فريق الصيانة المخصص على معالجة العطل حيث سيعمل خلال الساعات القادمة - بمشيئة اللّٰه تعالى، يمكن التقديم على طلب المواطنه عبر تعبئة نموذج مرفق نشروه آنذاك، وأتبعوه بفيديو قصير علمنا منه أن هناك مئات الآلاف من البلدان المجاورة تقدموا بطلب الجنسية، وقد بلغوا من المملكة العربية السعودية وحدها أكثر من أربعة ملايين!

في حوار مع وزير خارجية الجبل الأصفر إلى صحيفة (الجريدة) الكويتية قال إن "دولتنا هي الحل لأزمة عديمي الجنسية واللاجئين .. وأن نهاية عام 2020 هو آخر موعد للانضمام إلى المملكة والإقامة فيها...

وهكذا بين خطة حياوي في بيرلاند لتوطين أبناء الشتات  الأفريقي، وخطة وزير الخارجية الجبلي الأصفر لتكون دولته ملاذا لمن لا أرض له، يبدو أن الصراع على أشده في الإنترنت، والسؤال الأهم: من يكسب أرض الواقع؟

كان  د. أمير حياوي ينطلق في فضاء الثقافة، يدعو لمهرجان وأنطولوجيا شعرية، ولمهرجان أدبي، إلا أن مملكة الجبل الأصفر، التي لم تغفل الثقافة، وأقامت لها هيئة خاصة، قد انشغلت بالشأن الاقتصادي، ووعدت بالرخاء لمواطني المستقبل، بل وعقدت مؤتمرا اقتصاديا. بل وأصدرت جوازات سفر مدعومة بست لغات، به 142 علامة أمنية، وهو أول جواز عربي إسلامي يحمل في طياته دعاء السفر، وعدد صفحاته 56 إجمالا. 

في مثل هذا اليوم من ديسمبر 2022 كان آخر منشورات د. أمير حياوي، ملك بيرلاند، ولم تعد تظهر سوى منشورات مملكة الجبل الأصفر، وملكتها د. نادرة نصيف التي غردت هذا الأسبوع: " الاسرائيليون أضاعوا البوصلة لاكثر من 75 سنة، العرب لم يرتكبوا مجزرة الهولوكوست، كفاكم غباء واجراما، أنتم أداة في ايدي المجرمين الحقيقيين. ‏أوقفوا قتل الابرياء وتذكروا أن العرب ‏والمسلمين هم من فتح لكم ديارهم بعد الهولوكوست، ولذا انتم سكنتم احياءهم وما زلتم ...فلسطين ليست قطعة حلوى تتلذذون بها كهدية في اعيادكم، وتبيدون أهلها لو أسكركم سكرها ...فلسطين باقية بأهلها المدنيين العزل أصحاب شجر الزيتون والتراب الذي جبل بدمائهم ...نحن جميعنا فلسطين لأننا جميعنا انسان له حق الحياة على أرضه وحق حماية عرضه".