التحرش الجنسي والبُعد الجغرافي وراء انخفاض مشاركة السيدات في سوق العمل العربي

تعليم الإناث وتثقيفهن أصبح أمرًا حتميًا لحصولهن على عمل أفضل داخل المجتمع، إلا أنه مع زيادة الاهتمام بالتعليم والتثقيف للمرأة، ما زالت مشاركتهن في سوق العمل منخفضة بشكل كبير على مستوى العالم العربي.

وظهر مؤخرا زيادة في معدلات التعليم للسيدات في العالم العربي، وبالمقابل حدث تراجع في إقبالهن على العمل، وهذا ما أكدته دورة تنفيذية تناولت تقييم برامج سوق العمل نظمتها منظَّمة العمل الدوليَّة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وتخصصت الدورة في رصد النوع الاجتماعي وتقييمه.

يقول راجي أسعد الأستاذ بكلية هامفري للشئون العامة بجامعة مينيسوتا، إن نسبة السيدات المتعلمات في الريف ونسبة الكارهات للعمل في الزراعة التقليدية ترتفع بشكل ملحوظ، ونظراً لمحدودية قدرة النساء على التنقل وقلة فرص العمل الحديثة في أسواق عملهن المحلية، فإن نسبة العاطلات عن العمل أو المنسحبات من القوى العاملة منهن آخذة بالارتفاع.

وأوضح الدكتور أسعد أن المتعلمات في العالم العربي تسعى إلى العمل إذا كان يلبي ظروف معينة تختلف من دولة لأخرى ففي بلدان كالأردن ومصر وتونس، لابد وأن تتوافر شروط معينة في مكان العمل مثل الحفاظ على سمعة المرأة ومنع التحرش الجنسي، وتفادي الاحتكاك بالعملاء أو المدراء من الذكور في الأماكن غير العامة، وأن يكون مكان العمل قريباً جغرافياً دون الحاجة إلى مواصلات كثيرة، وأن يتواجد ضمن منشأة ثابتة، ويكون محمياً من عابري السبيل.

واستشهد الدكتور أسعد خلال عرضًا قدمه في أحد منتديات السياسات حول النوع الاجتماعي وأسواق العمل في العالم العربي بالأردن، ببيانات أولية تم جمعها من عينة تكونت من ألف شخص تمت مقابلتهم في إطار دراسة أجرتها مؤخراً منظمة العمل الدولية حول التحديات التي يواجهها سوق العمل في الأردن، واقتبست الدراسة من أحد عمال الصناعة الأردنيين قوله أنه لن يسمح لأخته بالعمل في المصانع طوال عمره لأن أصحاب العمل قساةٌ جدًا وهو لا يثق في أن أصحاب العمل سيعاملون أخته معاملة طيبة، حيث أوضح الدكتور أسعد إنه عندما لا تلبى تلك الشروط حاجة السيدات يبقى كثير منهن في المنزل.

ولفت الدكتور أسعد إلى أن الدراسة التي أجرتها منظمة العمل الدولية شكلت فيها السلامة والتحرش مخاوف مشتركة بين النساء، كما وجدت الدراسة أيضا أن بُعد أماكن العمل يمثل أحد المشاكل، مشيرًا إلى الدورة التدريبية التي استمرت خمسة أيام شارك بها أكثر من60 مشاركاً من تسع دول من منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا هي الجزائر ومصر ولبنان والعراق والأردن وفلسطين وتونس وتركيا واليمن، تناولت مخاوف النساء من العمل.

وأشار أيضا إلى أن التغيير من هذه المخاوف ممكن حيث ظهر ذلك خلال تنفيذ مشروع بدعم من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية في إطار مشروع إدارة الموارد الزراعية الثاني في الأردن في استفادته من القاعدة المعرفية التقليدية للمنطقة وإطلاقه لـ 400 مشروع صغير للمرأة في الجزء الجنوبي من المملكة، وتتمحور هذه المشاريع التي تعول على الاستخدام المستدام للموارد المحلية حول الصناعات الغذائية، وإنتاج الألبان والمخللات، وجني الفطر.

وقد أظهرت مقابلات أجريت مع نساء معنيات إنهن أصبحن يشعرن بأنهن مؤهلات من خلال إدارتهن مشاريع صغيرة تدر دخلاً، كما بينت المقابلات ارتفاع الاستقلالية وتحسن الوضع إضافةً إلى ازدياد المشاركة الفعالة في صنع القرار على صعيد المجتمع وداخل الأسرة.

ومن جانبها أكدت ربا جرادات المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية ضرورة أن يحصل الرجل والمرأة على فرص متكافئة في عالم العمل، ولا سيَّما في القطاع الزراعي الذي يمثل أهم مصدر لفرص عمل المرأة.

وأشارت إلى أنه لا يمكن تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين في إطار أجندة عام 2030 إلا بتضافر الجهود وعقد شراكة فريدة من نوعها كتلك التي تجمع منظمة العمل الدولية بالصندوق الدولي للتنمية الزراعية في منطقة الشرق، وشمال أفريقيا.

وذكر تحليل أجراه اقتصاديو منظمة العمل الدولية شمل 142 بلدًا وإقليما، إلى أن وجود زوج أو شريك يقلل من احتمال مشاركة المرأة في سوق العمل في البلدان الناشئة والمتقدمة والدول العربية وبلدان شمال أفريقيا، ولكن الأثر معكوس في البلدان النامية فالشراكة أو الزواج يترك أثراً إيجابياً على مشاركة النساء بنسبة 3.3 %، وتسلط النتيجة الأخيرة الضوء على الضرورة الاقتصادية للعمل في البلدان النامية، على الرغم من وضعية الشراكة.

كما أثبت التحليل أن احتمال مشاركة النساء في العمل، اللاتي يعانين من فقر شديد، أعلى بصرف النظر عن معايير النوع الاجتماعي، وفي البلدان النامية، تزيد احتمالات مشاركتهن في قوة العمل بنسبة 7.8 %؛ وفي البلدان الناشئة، بنسبة 6.4 %؛ أما في الدول العربية وبلدان شمال أفريقيا حيث الفجوة في معدلات المشاركة هي الأعلى فإن الاحتمال يزداد أكثر ليصل إلى 12.9 %.

وعلى الصعيد العالمي، يؤثر عدم توفر رعاية ميسورة التكلفة للأطفال أو أفراد الأسرة تأثيراً سلبياً على مشاركة النساء، وفي الدول العربية وبلدان شمال أفريقيا، يقلل ذلك من احتمال المشاركة بمقدار 6.2 %؛ وفي البلدان النامية بمقدار 4.8 %؛ وفي البلدان المتقدمة بمقدار 4.0 % وبالمقابل يترك وجود أطفال أثراً سلبياً ضئيلاً على المشاركة لكنه ليس كبيرا؛ وفي الواقع، يكون له أثر إيجابي بسيط في البلدان النامية بنسبة 0.7 %.

وتشكل محدودية الوصول إلى وسائل نقل مأمونة أكبر تحد يواجه مشاركة النساء في البلدان النامية، مما يقلل من احتمال مشاركتهن بمقدار 15.5 %، وتمثل الأديان نظاماً معقداً من القيم يمتد تأثيره إلى أدوار الجنسين، ففي البلدان النامية، يؤثر الدين تأثيراً كبيراً باستمرار على احتمال المشاركة، وهو مؤشر بديل على زيادة تقييد المواءمة بين أدوار الجنسين، أما في البلدان المتقدمة والناشئة، فإن النتائج مختلطة ففي بعض الحالات يكون التأثير إيجابياً، وفي بعضها الآخر سلبياً.

التعليقات