مرت أكثر من 70 سنة بين أول مشروع تعاون عربي والذي تم بتوقيع معاهدة الأخوة والتعاون بين الأردن والعراق عام 1947، ومشروع (المشرق الجديد) الذي أعلنه زعماء مصر والأردن والعراق أخيرا، وتخلل هذه العقود السبعة، العديد من مشاريع التعاون والوحدة العربية ولكن معظمها لم يصمد طويلا، فهل يتلافى المشروع الأخير هذا المصير؟
معظم المحللين السياسيين ينظرون لمشروع المشرق الجديد بنوع من التفاؤل، بينما لا يشاطرهم آخرون هذه النظرة منطلقين من تاريخ طويل من فشل مشروعات الوحدة والتعاون العربي باستثناء مجلس التعاون الخليجي، ومنها مشروع ناظم القدسي رئيس وزراء سوريا لاتحاد الدول العربية عام 1951، واتفاقية التضامن العربي بين الأردن والسعودية والعراق عام 1957.
وقيام الوحدة بين مصر وسوريا (1958) واتفاقية التنسيق السياسي بين العراق مصر ( 1964) وبيان الوحدة بين مصر وليبيا (1972) وإنشاء قيادة سياسية موحدة بين مصر وسوريا (1976) تبعه في العام انضمام السودان، والوحدة الاندماجية بين سوريا وليبيا(1980).
والبيان الوحدوي بين تونس وليبيا (1974) ثم معاهدة الاتحاد العربي الأفريقي بين المغرب وليبيا، وميثاق الإخاء بين مصر والسودان (1988) ومجلس التعاون العربي بين مصر والأردن والعراق واليمن (1989) تبعه في العام نفسه إنشاء اتحاد المغرب العربي بين المغرب وتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا.
فضلا عن مشاريع التعاون التي اقيمت تحت مظلة جامعة الدول العربية وأبرزها قرار انشاء السوق العربية المشتركة الذي حدد اول عام 1965 تاريخاً لبدء تنفيذ احكامه.
أما المتفائلون بمشروع المشرق الجديد فيرون أن معظم مشاريع والتعاون والوحدة العربية السابقة شابها تعارض المصالح والأهداف والرؤى والتوجهات والاستراتيجيات التي تأخذ اتجاهات متعارضة ومتباينة، وكانت تقودها السياسة وتحركها العواطف، وهو ما حاول ان يتجنبه المشروع الأخير حيث جاء الاقتصاد فيه قبل السياسة فكان أكثر واقعية من سابقيه بتركيزه على الاستثمار بين الدول الثلاثة لذلك فإن هناك أمال كثيرة بأن يحقق أهدافه ويصمد في وجه التحديات المحدقة به وبالمنطقة.
نشأت فكرة إقامة تعاون ثلاثي بين العراق ومصر والأردن خلال القمة التي جمعت الرئيس السيسي، والملك عبدالله الثاني، ورئيس الحكومة العراقية السابق، عادل عبدالمهدي وعُقدت بالقاهرة في 25 مارس 2019، ثم تلاها عدة لقاءات قادة الدول الثلاثة أحدثها القمة التي عقدت في بغداد يوم 27 يونيو الماضي والتي صرح خلالها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بإطلاق مشروع (المشرق الجديد).
وبالفعل بحثت القمة سُبل بلورة وتجسيد المشروع على أرض الواقع بخاصة عبر ملفات الطاقة والاستثمار، وركزت على الاستفادة من التواصل الجغرافي بين الدول الثلاث والسعي لتحقيق تكاملات اقتصادية فيما بينها، والتأكيد على أهمية استمرار التواصل وعقد الاجتماعات الدورية لتنسيق المواقف وتوثيق التعاون الثلاثي.
ويرتكز هذا المشروع في الأساس على ربط العراق بثرواته وموارده النفطية الكبيرة، مع مصر بثقلها السكاني وخبراتها في العديد من المجالات وموقعها على البحرين المتوسط والأحمر، ومع الأردن بما تمتلكه من مزايا للنقل والموقع الجغرافي وما تمثله من حلقة ربط بين العراق ومصر.
وفي هذا الإطار، اتفقت الدول الثلاث، بحسب البيان الختامي لقمة بغداد الأخيرة، على عدة مجالات، منها ضرورة تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث، وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن، وإنشاء خط البصرة - العقبة الخاص بنقل النفط الخام، والتعاون في مجال الطاقة المتجددة والبتروكيمياويات وبناء القدرات والخبرات، وفي المجالات الصناعية والزراعية والنقل العام، وتوأمة الأكاديميات البحرية، وحصول الأردن على النفط بأسعار تفضيلية يقدمها العراق.
لم يغفل المشروع الأبعاد السياسية، إذ إن توجه العراق لإيجاد صيغة تعاون مع الدول العربية مثل مصر والأردن ودول الخليج يُشكل بحد ذاته خطوة نحو العودة إلى القاطرة العربية بعد أن كانت العلاقات العراقية - الإيرانية قد رجحت كفتها على حساب العلاقات العربية.
كما تم الاتفاق على التعاون والتنسيق بشأن مستجدات وتطورات الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية وجهود مكافحة الإرهاب.
نتمنى أن يقدم هذا المشروع أنموذجا جديدا للعمل العربي المشترك يقوم على مؤسسات ثابتة للتعاون لا تتغير بتغير الظروف السياسية، ومن ثم يمكن أن تحذو حذوه بقية الدول العربية.
التعليقات