الانتصار فى العالم الافتراضى خلال المعركة الإلكترونية الموازية للعدوان الإسرائيلى على غزة الذى استمر 11 يوما، غير مسار الأحداث فى المنطقة فيما يخص القضية الفلسطينية، وحقق نتائج غير مسبوقة فى العالم الحقيقى، على مستويات عديدة تستوجب تحليلها بما يمكننا من الاستفادة منها والبناء عليها فى المعركة الحقيقية وهى تحقيق السلام العادل بالمنطقة واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
فقد أدت الإدارة الجيدة لهذه المعركة الإلكترونية الى تزايد التوعية بعدالة القضية الفلسطينية وبشاعة الاحتلال الإسرائيلى لدى الرأى العام العالمى، وعلى الرغم من أن حصيلة العدوان الأخير بلغت 243 شهيدا و1910 إصابات، فضلا عن الاضرار التى لحقت بنحو 16800 وحدة سكنية، فإن كل ذلك لم يكن كافيا لتحريك الرأى العام العالمى لولا دور الإعلام البديل والمعركة الإلكترونية، التى أوضحنا أبعادها فى المقال الماضى، مما أجبر وسائل الإعلام الدولية التى دأبت على تبنى وجهة النظر الإسرائيلية، على تغير سياستها تجاه الحدث.
فعلى سبيل المثال.. نبه الكاتب جوناثان فريدلاند إلى تغير الرأى العام العالمى تجاه القضية الفلسطينية وذكر فى مقاله بصحيفة الجارديان بعنوان: على إسرائيل أن تأخذ فى الاعتبار: أن ثقل الرأى العام ينقلب ضدها. إنه يمكن لوسم فلسطين حرة أن يكون فى طريقه للانضمام إلى وسم حياة السود مهمة كمسألة يعتبرها جيل عالمى ذات أهمية قصوى.
هذا الموقف تبنته أكثر من صحيفة مؤثرة عالميا، فقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية يوم 28 مايو الماضى على صدر صفحتها الأولى، أسماء وصور وتفاصيل حياة الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا خلال حرب الـ11 يومًا فى غزة والذين بلغ عددهم 66 طفلاً ، فى محاولة لرسم صورة قريبة للمجزرة الوحشية التى تعرض لها الأطفال على يد الاحتلال الإسرائيلي.
وبيّنت نيويورك تايمز أنها استقت هويات الأطفال الشهداء وصورهم وظروف استشهادهم من أقاربهم والمسئولين الفلسطينيين ووسائل التواصل الاجتماعى والمؤسسات الإخبارية.
وهكذا أدت الصور والفيديوهات التى تم تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعى الى حشد الكثيرين من المؤيدين للقضية الفلسطينية مما شكل ضغطا على صانعى القرار فى الدول القوية والمنظمات الدولية لاتخاذ خطوات علمية، فعلى سبيل المثال تزايد تأييد أعضاء من الكونجرس الأمريكى لحق الفلسطينيين، حيث أعلن عضو مجلس الشيوخ الأمريكى بيرنى ساندرز التقدم بمشروع قرار أمام الكونجرس، لوقف إطلاق نار فورى فى غزة.
وقالت عضو مجلس النواب الأمريكية الديمقراطية رشيدة طليب، أن منظمة هيومان رايتس ووتش تصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصرى وهو ما يقولوه الفلسطينيون منذ عقود، مشددةً على ألا عدالة للفلسطينيين تحت الحكومة الإسرائيلية.
وتناقل الكثيرون بالمنطقة العربية خطبة الجمعة التى ألقاها فى الجامع الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر والتى طالب فيها بتشكيل قوة ردع إسلامية.
وخرجت مُظاهرات ضد العُدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين، فى 150 مدينة حول العالم.ولاقى نجاح المبادرة المصرية فى التوصل الى تهدئة ووقف العدوان ترحيبا وتقديرا من المجتمع الدولى، كما ان تبرع مصر بـ 500 مليون دولار لإعمار غزة، لتؤكد مواقف مصر التاريخية تجاه القضية الفلسطينية ودعمها اللامحدود للشعب الفلسطينى .
واعتبر الكثيرون من المحللين السياسيين أن المظاهرات القوية التى خرجت فى مدن مغربية بمثابة استفتاء على التطبيع، ثم جاءت موافقة مجلس الأمة الكويتى، يوم،27 مايوعلى تعديلات تشريعية لتوسيع دائرة حظر التعامل أو التطبيع مع إسرائيل لتبدد الأوهام حول قطار التطبيع المزعوم وما يمثله من سلام، ثبت انه لم يتحقق.
وفى مساء اليوم ذاته قرر مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، فى واقعة غير مسبوقة، تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة بشأن العدوان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية، بما فى ذلك القدس الشرقية وداخل أراضى الـ48، ليتوج كل هذه الجهود والتفاعلات الجماهيرية ضد العدوان.
لذلك كله لم يكن أمام نيتانياهو إلا الاعتراف بالهزيمة قبل 24 ساعة من اتفاق التهدئة، والادعاء بأن انتصار المقاومة بمثابة هزيمة للدول العربية، لأن فيديوهات السوشيال ميديا فضحته على الملأ ولم تعط له أى مساحة لاختلاق انتصار وهمى ، ثم تمت هزيمته شخصيا بخروجه من رئاسة الحكومة بعد12 عاما فى سدة الحكم.
التعليقات