مصر وجيبوتي.. التحرك المطلوب

مصر وجيبوتي.. التحرك المطلوب

د. جيهان مديح

‎كُتِب على مصر الجديدة، التي بدأ بزوغ فجرها عقب ثورة 30يونيو 2013، أن تسير في كل الاتجاهات داخليًا وخارجيًا، في آن واحد، لتصحيح أخطاء الماضي، وهي مهمة ثقيلة لا يستطيع القيام بها إلا قيادة سياسية حكيمة ورشيدة، تقف أمام العالم بقوة مُستمَدة من دعم ملايين المصريين الذين يشاركون في بناء دولتهم الحديثة.

ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي زمام الأمور، بإرادة شعبية جارفة، وهو يسابق الزمن على مختلف الأصعدة، ويسعى لأن تكون مصر سباقة رائدة، ومتواجدة في محيطها الإقليمي، ولم يكن غريبًا أن يصبح أول رئيس مصري يزور جيبوتي، في مرحلة تشهد عودة الدور المصري عربيًا وإفريقيًا وعالميًا.

تولى الرئيس حكم مصر وهي محملة بأعباء ومسئوليات تجاه كثيرين. وفي زمن عّز فيه الشرف، أصر على أن يعمل بشرف وأن يتحرك هنا وهناك، لحماية مصالحها، والحفاظ على أمنها القومي، ودعم الدول التي كانت فريسة لمخططات تدمير وتقسيم لم تدركها شعوبها التي لم تستوعب دروس الماضي حتى وصلت للحاضر الذي نراه الآن.

‎زيارة الرئيس لجيبوتي تُعد حلقة مهمة في سلسلة دور مصر الإفريقي، والمسار الذي وضعته مصر لنفسها منذ سنوات بحتمية العودة بقوة لإفريقيا. ومع أن مصر حوصرت، عقب ثورة 30 يونيو، وجرت محاولات عديدة لإبعادها عن إفريقيا إلا أنها تمكنت من أن تترأس الاتحاد الإفريقي عام 2019، وأثبتت للقارة الإفريقية، وللعالم أجمع، أن قوتها كدولة تأتي من تاريخها الممتد، وقوة شعبها، ووحدته خلف قيادته السياسية نحو البناء والعودة لأحضان الأشقاء.

‎تمثل جيبوتي أهمية كبيرة للدولة المصرية، والمصالح المشتركة، فهي أحد أجنحة مضيق باب المندب، والمدخل الرئيسي للبحر الأحمر وقناة السويس، شريان حياة العالم. وبالتالي لم تكن زيارة الرئيس لجيبوتي، وتوطيد العلاقات بها وتعزيز التعاون مهما في مختلف المجالات، تهدف إلى تحقيق السبق لشخصه، كأول رئيس مصري يقوم بتلك الزيارة، بقدر ما الهدف هو اتخاذ خطوة تأخرت كثيرًا تجاه أشقاء تحقيقًا للمصالح المشتركة.

بالنظر لخريطة إفريقيا والمنطقة، يستطيع ‎القارئ الجيد للمشهد إدراك أهمية التحركات المصرية الأخيرة. أما التحرك نحو جيبوتي، المتنفس الرئيسي لإثيوبيا على مياه المحيط الهندي، فيكتسب أهمية مضاعفة مع تصاعد وتيرة الخلافات بينها وبين مصر والسودان، وبسبب سد النهضة والمواقف الإثيوبية المرتبكة بين الحين والآخر، والتي يجب مقاومتها ومحاصرتها بكل الطرق، سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا، حتى نصل إلى حلول مرضية يتوافق عليها الجميع، بعيدًا عن المصالح الضيقة التي لن تخدم في النهاية إلا أجندات مشبوهة.

‎تحرك مصر نحو إفريقيا، ودول الجوار الإثيوبي لم يكن وليد اللحظة، لكنه يحمل الكثير من الرسائل، أولها توضيح الموقف المصري الذي لا يسعى للصدام، طالما وُجِدت الحلول، كما أن إرسال مصر لمساعدات طبية عبر الطائرات العسكرية يؤكد دعم مصر لجيبوتي، ووقوفها إلى جوارها، إيمانًا بدورها الإنساني والسياسي والريادي تجاه القارة التي تنتمي إليها.

و‎يمكن لمصر وجيبوتي توسيع أطر التعاون بين البلدين عبر استغلال الخبرات المصرية والسوق المصري المفتوح، والإمكانيات الجيبوتية في الثروة الزراعية والحيوانية والتعدينية، وتطوير مجال الأسماك، والاستفادة بالثروات البترولية في جيبوتي، وزيادة الاستثمارات في قطاعات كثيرة.

وقد أثلج صدري توجيهات الرئيس السيسي بزيادة الصادرات والاستثمارات المصرية في جيبوتي، والإسراع في إنشاء المنطقة اللوجستية بها، وربط الموانئ بشكل أفضل.

‎جيبوتي بالنسبة لمصر نقطة ارتكاز في غاية الأهمية، خاصة مع تطورات المشهد الحالي ومع وجود قواعد عسكرية بها لبعض الدول.

ومن ثم، كان لزامًا على مصر أن تتخذ تلك الخطوة حفاظًا على المصالح المشتركة، ودعمًا للتنمية في البلدين، وصيانة لأمنهما القومي.

التعليقات