مصير "اتفاقية السراج وأردوغان" بحال سيطر حفتر على طرابلس

مصير "اتفاقية السراج وأردوغان" بحال سيطر حفتر على طرابلس

د.سميه عسله

مع تواصل التقدم والنجاحات التي يحققها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في الأيام الأخيرة، بدأ الرأي العام التركي يتساءل عن مصير الاتفاقيات الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية في حالة سيطرة قوات حفتر على طرابلس.

في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقَّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية المسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وبموجب هذا الاتفاق تقاسمت ليبيا وتركيا بعض المناطق التي تدافع اليونان عن أحقيتها في منطقة شرق البحر المتوسط.

الاتفاق التركي الليبي لا يقتصر على تقييد المناطق الخاصة بالجارة اليونانية في شرق المتوسط فقط، وإنما يغلق الطريق أمام خط الأنابيب الذي سينقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى أوروبا، بموجب اتفاقية وقع عليها كل من إسرائيل وقبرص واليونان.

بالنسبة للمشهد الداخلي في تركيا، فإن جميع الأحزاب السياسية تدعم الاتفاق البحري مع ليبيا، باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (HDP)، أما اتفاق "التعاون الأمني والعسكري"، الذي يهدف إلى إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا فلا يحظى بأي دعم داخلي من باقي الأحزاب السياسية، باستثناء حزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP)، ومعه حليفه الصغير حزب الحركة القومية (MHP).

في الوقت الذي أعلنت تركيا فيه إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، في محاولة لإحداث تطورات قد تغير التوازن بالمنطقة في أي لحظة، بدأ يتبادر إلى الأذهان تساؤلات حول مصير الاتفاق الموقع بين البلدين في الفترة المقبلة.

حسب الخبراء والأكاديميين الأتراك، فإن الاتفاق الموقع بين البلدين متوافق مع القوانين والاتفاقيات الدولية. فقد أكد الفريق البحري المتقاعد، علي دنيز كوتلوك، في حواره مع إذاعة صوت أمريكا (VOA)، أنه يرى أن مساعي الدولة التركية لحماية مناطقها الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط بقوة القوات المسلحة التركية خطوة صحيحة. وأوضح كوتلوك أن الاتفاق الموقع بين تركيا وليبيا "قانوني" وفقًا للقانون الدولي للبحار، مضيفًا: "هذا الاتفاق سليم تمامًا، بشكل لا يسمح لأي آراء مخالفة".

عضو هيئة التدريس بكلية القانون في جامعة إسطنبول، دنيز باران، علق على الاتفاق بين البلدين، في حوار مع صحيفة "يني شفق" الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية، موضحًا أن الاتفاق سيظل ساريًا طالما بقيت حكومة الوفاق الوطني الليبية على رأس الحكم.

باران أوضح أيضًا أن الاتفاقية تم إيداعها في الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، قائلًا: "لقد تم تسجيل الاتفاق لدى الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، بموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، بصفتها اتفاقية دولية ملزمة لأطرافها. أما زعْم رئيس برلمان "طبرق" عقيلة صالح عيسى بأن الاتفاق مخالف للقوانين فهو غير صحيح من حيث القوانين الدولية".

ومع أن الجانب التركي ينطلق من أن هذا الاتفاق يقع ضمن اتفاقيات دولية، ولا يمكن أن يسقط أو يفقد صلاحيته بإسقاط الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والموقعة على الاتفاق؛ إلا أن عدم حصول حكومة طرابلس على دعم أو تأييد من أي دولة من الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة يشير إلى احتمالية تعليق هذا الاتفاق ووضعه على الأرفف خلال فترة قصيرة.

على الجانب الآخر، فإن حكومة الوفاق الوطني الليبية في طرابلس، والتي تحصل على دعم صريح من تركيا وقطر، لا تواجه أي اعتراضات من إيطاليا وإنجلترا في مجلس الأمن حتى الآن؛ إلا أن الجميع متفقون على أن تغير الوضع على الساحة في ليبيا سيؤدي إلى سحب تلك الدول لدعمها الذي تقدمه لتركيا وحكومة طرابلس.

فور التوقيع على الاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية، صدرت ردود فعل غاضبة تجاه تركيا، من كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وإن بدا هذا الاتفاق شرعيًا إلا أن الدول التي تقوم باستخراج الغاز الطبيعي في شرق المتوسط تعترض عليه، وسيكون عمره مرتبطا ببقاء حكومة طرابلس في الحكم؛ وذلك لأن الحكومة الجديدة التي ستحل محل حكومة الوفاق، لديها الحق والصلاحية في إلغاء الاتفاقيات الموقعة مع الدول الأخرى.

ولكي تتمكن تركيا من حماية المناطق الاقتصادية الخالصة التي أعلنت تخصيصها لنفسها سيتوجب عليها التغلب على العقوبات التي ستوقعها عليها الدولة الأخرى، بل سينبغي عليها أن تكون جاهزة لمواجهة خطر الدخول في حرب.

لذلك، بدأت تركيا إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، بناءً على التفويض الذي منحه البرلمان التركي للحكومة في جلسته الطارئة في 2 يناير/ كانون الثاني الجاري، في محاولة للحيلولة دون سقوط حكومة السراج. وأعلن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن 35 عسكريًا أرسلوا إلى ليبيا في الوقت الحالي. بيد أن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، كان قد نشر صورًا ومقاطع فيديو قبل أشهر تشير إلى تواجد عدد كبير من العسكريين الأتراك رفيعي المستوى داخل ليبيا.

تتمثل خطة تركيا في ليبيا في تولي الضباط العسكريين الأنشطة الاستخباراتية ووالدعم اللوجستي، والاستفادة على الساحة عن المقاتلين السوريين الذين تم نقلهم إلى ليبيا في وقت سابق.

لكن قوات حفتر فاجأت الجميع بالسيطرة على مدينة سيرت ودخولها عددا من الأحياء الواقعة على أطراف طرابلس يوم الاثنين الماضي، الأمر الذي فسره البعض على أن تركيا لن تستطيع إنقاذ حكومة السراج من حبل المشنقة.

ولا بد أن نأخذ في الاعتبار أن تركيا كانت قدمت دعمًا مشابهًا للميليشيات في سوريا أيضًا، إلا أن هذا الدعم لم يتمكن أيضًا من الوقوف في وجه قوات النظام السوري المدعومة من روسيا.

التعليقات