"الحكاواتى..! المخرج و.. الإدارى!" (1)

"الحكاواتى..! المخرج و.. الإدارى!" (1)

عادل أديب

منذ أن كنت طفلا صغيرا في منزل والدى العظيم "شيخ كتاب السيناريو"  "عبد الحي أديب"..  

وأنا أرى كما هائلا من الرجال -ذوى شخصيات وقورة وحاسمه صاحبة قرار - يجلسون في مقابل والدي على مكتبه بالساعات الطويلة.. يتحدثون بل ويتجادلون معه ويمطرونه بأسئلة كثيرا!

حتى ظننت أنهم ربما كانوا محققين وأحيانا -زوار الفجر عندما يأتون في ساعات متأخره من الليل!

يحاولون استجواب والدي واستدراجه عن كل تفاصيل كتاباته

التي يظل منكبا عليها على مكتبه لساعات وشهور بل وسنين حتى ظننت أن أبي مجرد قطعة من أثاث هذا المكتب!

عرفت بعد ذلك أن تلك الشخصيات ماهي إلا مجرد.. 

مخرجين سنيمائيين..

"يوسف شاهين..عز الدين ذو الفقار.. نيازي مصطفى.. كمال الشيخ.. عاطف سالم.. عاطف الطيب"...  

وغيرهم الكثيريين من عظماء السينما المصرية.

ومنذ تلك اللحظة وأنا اسمع في كل برامج التليفزيون وأقراء في كل الجرائد والمجلات الفنية.. بل حتى مع جيراننا وأصدقائنا في العمارة أو محلات الفول أو البقالة أو حتى سوق التوفيقية..

أن المخرج هو قائد العمل.. رب العمل.. الدرجة الأعلى إداريا

وإنه دائما غاضب! صارخ في الجميع!

عصبي المزاج !

لا راد لقراره

وفي بعض الأحيان الأخرى

هو عجينة طرية سهلة في يد النجمة اللامعة!

كنت اسمع ذلك لجهل الجميع من حولي حتى في المدرسة لصعوبة اسم  مهنة والدي "السيناريست"

حيث ظن الجميع أن والدي مخرجا.. ربما كان هذا أسهل بكثير لمستوى معرفتهم.. لذلك وبصراحة شديده فضلت أن يظل والدي مخرجا في نظرهم...

عن معاناتي لمجهود شرحي لمعنى "السيناريست.. لهم"!

وطبعا كان السؤال الأهم والأكثر شيوعا

والذي كنت أتوقع قدومه كلما تودد إلي أحدهم وانتظر هو فرصة سريعة تجمعنا سويا دونما وجود أي شخص آخر.. وبعد تلفته يمينا ويسارا بتلصص.. ليسألني بلهفه وبصوت منخفض متوتر..

"ياترى البوسة في الفيلم.. بجد ولا تمثيل؟!"

ورغم صغر سني إلا أنني اخترعت ردا مانعا ومحبطا لكل أحلامهم!

"لا دي خدعة سينمائية.. بيبقى فيه  لوح أزاز شفاف بينهم!!"

وكنت اتمتع بتحول نظرة لمعان أعينهم  المدهشة إلى حالة من النفور والإحباط!!

واكتشفت بعد ذلك بسنوات عديده تحليلا لردي هذا 

النابع من إيماني الفطري كطفل

الفن

ليس متعة للحواس الرخيصة.. 

جوهر الفن أعمق وأكثر نفعا للسلوك الإنساني ورقي للروح وللعقل.

أدركت ذلك منذ صغري... وايقنته يوما بعد يوم في كبري

وكان السبب الأساسي 

رؤييتى لصراعات والدي النفسية دفاعا عن ذلك... يوما بعد يوم

لحظة بعد لحظة.. 

والتي لم يتراجع عنها أبدا طول حياته..

خاصة كلما تقدم به العمر.. واختلفت تفاسير وأمور الحياة من حوله

واختفى من حياتة زملاء الزمن.. الجميل!

وعند الرجوع إلى المعجم باللغتين الإنجليزية والعربية

نكتشف بوضوح مشكله ترجمة  

“DIRECTOR”

إلى اللغة العربية والتي تعني في الأساس بالإنجليزية أعلى الدرجات في العمل الإداري بالشركات.

ومن ثم اتصل هذا المعنى بشكل مخرج العمل الدرامي

والذي كان يجب عند التعريف بمعناه تحديد نوع عمله  بمعنى"مخرج سينمائي أو مسرحي أو إذاعي"

“FILM DIRECTOR...ETC”

وليس البحث فقط عن كلمة "مخرج" بشكل مطلق.

وبعد عمر طويل في المهنة توصلت إلى معنى آخر لكلمة المخرج الدرامي

سينمائي كان أو مسرحي أو إذاعي..

"الحكواتي"!

نعم أنا "حكواتي" بل وافخر بهذه التسمية..

والتي لم تأتي من فراغ.. 

بل أتت عن علم وقراءات وأبحاث كثيرة

وكان المفجر لها عندما سؤل أحد الكتاب المشهورين الروس لنا "الطلبة" 

في أحد الندوات بأكاديمية الفنون – التي افخر طوال حياتي بأننى أحد تلاميذها-  "من الذي يحكي قصة الفيلم؟"

وأجاب الجميع دون تردد "السيناريست"

وكان الرد صادما 

" لا.. ليس وحده.. 

هناك ثلاثة أضلاع لحكي قصة أي فيلم

السيناريست.. المخرج والمونتير!"

وعاد وسأل من جديد  "من صاحب الحكي الأوحد للفيلم السينمائي؟"

وعدنا كلنا في تردد

"السيناريست !"

وكانت الصدمة الأكبر عندما قال "المخرج"!!

كيف يجروء هذا السيناريست المعروف 

بالاعتراف علنا بأن الحاكي الأوحد للفيلم هو المخرج ؟!

هل يتلاعب بنا ؟

ضجت القاعة بالنقاش والاندهاش بل والرفض أيضا!

ولكن السيناريست الروسي كان ثابتا وعلت على وجهه ابتسامة من الثقة الشديدة والواضحة..

“THE DIRECTORS IDEA”

 THE PATH TO BE A GREAT DIRECTOR.

"فكرة الإخراج السينمائي" -كيف تكون مخرجا عظيما- أو

-أو كما أفضل ترجمتها 

"رؤية المخرج"

الطريق لتكون مخرجا عظيما 

للكاتب "كين دانسايجر"

كان هذا الكتاب ودراسات أخرى في نفس السياق

بعد سنوات عديدة من لقاء هذا الكاتب الروسي

بمثابة لحظة التنوير لفترة طويلة عشت فيها في الظلام!

حيث أدركت لحظه قرأتي وفهمي لهذا الكتاب معنى ضحكة هذا الكاتب الواثقة..

والتي كانت تعني

"سيأتى يوما و تعلمون الحقيقة.. وتدركون ما أدركت.. لقد كنت مثلكم.. في مثل سنكم هذا"

وغضبت من نفسي لحظة إدراكي لهذا.. ولومت نفسي.. 

وعاتبت سني.. الصغير هذا لإنه لم يدرك هذه الخبرة..الكبيرة؟! 

ساعتها..

ولكني أدركت الإجابة لهذا السؤال بمجرد لفظي للسؤال!

فالإجابة ببساطة كانت في كلمات سؤالي نفسها..  ذاتها..

فضحكت.. وابتسمت بنفس ابتسامة هذا الكاتب الروسي ال.. الخبير !

وفي لقائي القادم أفسر لكم المعنى المقصود ب.. "الحكواتي".

وربما أخبركم.. كيف تكون مخرجا عظيما؟!  

التعليقات