في جينات الجسد.. المصرى! (3)

في جينات الجسد.. المصرى! (3)

عادل أديب

"أمنت دوما.. أنك تتحكم في الآله الأقوى في العالم  للخير أو الشر.. تذكر أنك -دائما- خادما للناس 

ولا تجعل الرغبة في المال أو القوة تمنعك من إعطاء الناس أفضل خدمة تستطيع أن تقدمها لهم

الفارق أو المهم  ليس مدى مستوى غناك أو ثروتك 

وأنما

مدى جودة  نتاج السعادة التي أنت قادر على تقديمها".

توماس أديسون.

اختلف المؤرخون في تحديد بداية السينما في مصر فهناك من يقول أن البداية في عام 1896 مع عرض أول فيلم سينمائي في مصر، على مقهى "زوراني بالإسكندرية"

في حين رأى البعض الآخر أن بداية السينما في 20 يونيو 1907 مع تصوير فيلم تسجيلي صامت قصير عن زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني 

إلى معهد المرسي أبو العباس

واستكمالا لبحثنا عن جينات السينما في الجسد المصري.. نعود بالتاريخ لأول القصة وأساسها.. نعود للعرض الأول العالمي في باريس عدة شهور قليلة قبل عرض الإسكندرية

22 مارس 1986 - باريس

مبنى المجتمع للتنمية والصناعة العام، وأمام 200 شخصية فرنسية هامة

منهم "ليون جومون" رئيس شركة جومون الفرنسية المشهورة (والتي أصبحت حتى الآن من أكبر شركات الإنتاج والتوزيع ودور العرض في أوروبا كلها)

حيث كان الأخوان لوميير (أوجوست ولوى) يعرضان منتجات مصنع أبيهما من خام الفوتوغرافيا المطورة والملونة (البولي كرومي) والذي لم يلق ترحيبا كبيرا لدى رجال الأعمال حينها.. ثم عرضا فيلما مدته 45

ثانية عن خروج العمال من مصنعهم.. والذي استحسن الجميع صورته الأبيض والأسود المتحركة عن خامهم الملون الجديد للفوتوغرافيا!

وكان ذلك موضع اندهاش الأخوان لوميير!

وكان ذلك بالفعل هو أول عرض حقيقي لـ 200 فرد لأول فيلم متحرك في العالم.

ولكن لم يأت ذلك العرض من فراغ !

فلهذا العرض قصة كفاح أكبر تمتد إلى والد كل من أوجست ولوى نفسهما!

فلولا" الفنان التشكيلى" والد الاخوان لوميير الذى تحول الى اشهر مصور فوتوغرافى في ليون والذى انشاء مصنعا كبيرا لخام الفوتوغرافيا واستثمر فيه كل أمواله.. والذي فشل فشلا ذريعا!

إلى أن جاء أبناءه بعد عامين من هذا الفشل ليحولوه إلى نجاح..على رغم صغر سنهما في ذلك الوقت!

ولولا تنبيه الأب  لولديه لمكنه عرض "أديسون" الجديدة (40 كادر في الثانية) التي أثارت غيرتهما وفضولهما العلمي: "نحن نستطيع ان نصنع افضل منها يا والدي" 

ما كان فكر الأخوان في صناعة مكنة التصوير أو العرض من أساسه !

ونجح الأخوان "لوميير" لتكون 12 كادر في الثانية الواحده !

وقبل فبراير 1895 تمكن الأخوان لوميير من تسجيل براءة اختراع جهاز يقوم بتصوير الأفلام وعرضها على السواء.

وفي مارس سجلا تطويراً إضافياً على الجهاز الذي عرف باسم السينماغراف الذي كان عبارة عن ماكينة دقيقة الصنع من الماهوجني والنحاس، لاتزال إلى الآن معجزة في الاتقان والجمال. 

وفي أكتوبر قرر الأخوان أنه قد آن الآوان لاستثمار اكتشافهما العلمي كعرض شعبي، وأجريا مفاوضات مع متحف "جريفان" و"مسرح الفولي برجير" غير أنها لم تصل إلى شيء!

كما تقدما بعرض لاستئجار غرفة فوق مسرح "روبرت هاودن" ـ الذي سرعان ما سيلعب دوراً بارزاً في تطور السينما ـ ولم يثمر هو الآخر! 

الحدث، من الناحية العملية، قد مر دون أن يلاحظ، فالصحفيون الذين تمت دعوتهم إلى العرض كان لديهم جميعاً أشياء أفضل يفعلونها ليلة السبت تلك، وهكذا لم ترد إشارة بجراند باريس الصباح التالي لهذا العرض 

وفي غضون أسابيع من عرض الأخوين لوميير، نجح المخترعان الانجليزيان بيرت اكرز (1854 ـ 1918) وروبرت وليم بول (1870 ـ 1943) في تقديم عروض سينمائية.

وتوالت الأسماء والاختراعات والتي حتى سبقت تجارب الأخوان لوميير وعرضه العالمي الأول !

وكان لاديسون الأثر الأكبر فيها.

في أوروبا وأمريكا.. على يد مخترعين و ووكلاء عديدين لهم .وكان لدور العرض الدور الأكبر في انتشار العروض السينمائية.

ونعود من جديد..

بالتحديد في 28 ديسمبر 1896.. قبو الصالون الهندي بالمقهى الكبير "جراند كافيه" في شارع كابوسين بمنطقه ميدان الأوبرا الشهيرة بوسط باريس.. 

يشاهد الفرنسيون لأول مره في العالم أول عرض سنيمائي صامت (تجاري) بأجر.. 

على يد الأخوان "لوميير".

وقد تم عرض 10 أفلام قصيره لاتزيد مدة الواحد منها عن 46 ثانية.

10 مارس 1897 قام المصور "بروميو" من شركة لوميير بتصوير اول أفلام سنيمائية تسجيلية يتم تصويرها في مصر والوطن العربي، لأماكن عدة في مصر.. صور بروميو 53 فيلما تسجيليا قصيرا

وكان أول ما صور هو فيلما عن قصر القنصل بالإسكندرية.. ليكون هذا هو أول فيلم مصور في تاريخ السنيما المصرية والعريبة ومن أوائل الأفلام عالميا أيضا!

أما في القاهرة فقد تلا عرض الإسكندرية الأول في مصر والوطن العربي، بشهر واحد في 28 يناير 1896 في سينما "سانتي"

ثم كان العرض السينمائي الثالث بمدينة بورسعيد في عام 1898

مما يفيد بل ويؤكد أن مصر من أوائل البلاد التي عرفت السينما في العالم.

وهذا ما أردت إثباته في المقالات السابقة 

ليعلم المصريين.. قبل العالم أن حضارة مصر 

لم تقف فقط عند الفراعنة العظام

أو تاريخها القبطي المقدس أو الإسلامي الرائع والعظيم

ولكن جينات الفن السابع

الجامع لكل الفنون 

يجري من بحرها المتوسط  متغلغلا في شرايين نيليها العظيم.

ليكون معبرا ومؤرخا لتاريخ الشخصية المصرية وحضارتها في شتى مجالاتها الإنسانية.

وأعود واختتم مره أخرى بكلمات الأستاذ العظيم هاشم النحاس

"نحن في حاجه ماسة إلى دراسة السينما المصرية على هذا النحو الواسع 

من أجل تحقيق هدفين:

أولهما تطوير فن الفيلم المصري ليكون أكثر إبداعا وأكثر قدرة في التعبير عن أنفسنا.

أما الهدف الثاني

فهو محاولة تعميق فهمنا لأنفسنا

فإن لم تكن السينما عاكسة للمجتمع، فهي صورة لواقع مواز للمجتمع.

لكنها نابعة عنه وتظل مرتبطة به ولا تتجاوز ما تسمح به حدوده المادية والروحية.

ومن ثم

فقراءة الأفلام وبخاصة التي تحظى بالاقبال الجماهيري

تكشف لنا عن الكثير من أحوال هذا المجتمع التي قد يصعب التوصل إليها بطريقة أخرى!".

وتلك هي ياسادة أهم ما في علاقة

الفن السينمائي.. والإنسان.. والحضارة.. والتاريخ.

ولنا عودة لأهمية الفيلم لاحقا

ولازال لحديثنا عن تاريخ السينما المصرية.. والكثير لنفخر به.  

التعليقات