بلا شك يقاس تقدم الدول وازدهارها من خلال مستويات النمو الاقتصادي ومستويات التصنيع والتقدم التكنولوجى الذي توصلت إليه هذه الدول، ولكن مع مرور الوقت تبين أن هذا النمو منقوص، حيث توازي مع هذا النمو زيادة الضرر الذي لحق بالنظام البيئي، وما ترتب علي ذلك من استنزاف الموارد الطبيعية، وزيادة مستويات التلوث التي ساهمت في ظاهرة الاحتباس الحراري، بما لها من انعكاسات تتمثل فى إحداث تغيرات سلبية في الظروف المناخية، من حيث الارتفاع في درجات الحرارة عن مستوياتها الطبيعية أو المعتادة، وكذلك زيادة مستويات التصحر والجفاف، بما ينعكس على تراجع معدلات الإنتاج الزراعى ويضرب في الصميم خطط الاكتفاء الذاتى من الغذاء، كما أن تلك التغيرات المناخية تتسبب في اغتيال التنوع الحيوي للكائنات الحية، وبالتالى تؤثر سلباً علي الفئات الفقيرة التي يعتمد دخلها بدرجة كبيرة على رأس المال الطبيعي كالزراعة والصيد وغيرها.
ومع تزايد الضغوط على البيئة جراء النمو الهائل في الأنشطة الصناعية، ولا سيما في الدول الصناعية الكبرى، بدأ يظهر مفهوم الاقتصاد الأخضر، والذى يقصد به تحقيق النمو والتنمية المستدامة دون الإخلال بالنظام البيئي. وقد تعهدت الدول المتقدمة والغنية بتقديم المساعدات والمنح للدول الفقيرة من أجل النهوض بالتعليم والصحة والبنية الأساسية لدعم مقومات وأركان التنمية في هذه الدول.
وقد ظهر مفهوم الاقتصاد الأخضر استجابة لأزمات بيئية متعددة، منها ذوبان الجليد الذى بدأ يحدث في القطب الجنوبى والشمالى وتداعياته على ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، مما سيكون له آثار مدمرة على مساحة كبيرة من الكرة الأرضية وتعرضها للغرق التام لتختفى كلياً من على وجه الأرض، كل هذه الآثار والتداعيات كان لها انعكاساتها على تغير النظرة نحو البيئة، بأنه يجب التوقف عن هذا العبث وإلا سيكون الدمار والهلاك مصيرنا جميعاً، وكانت البداية في قمة الأرض في ريودى جانيرو عام 1992.
ومن هنا بدأت النظرة إلى التنمية الاقتصادية تكتسب بعداً جديداً، ألا وهو البعد البيئى، وذلك من خلال إقامة مشروعات صديقة للبيئة، وأن تشتمل دراسة الجدوى لأى مشروع مزمع تنفيذه على دراسة لتقييم الأثر البيئى لهذا المشروع، وقد تزامن هذا مع اتساع نطاق استخدام تكنولوجيات جديدة في مجال الطاقات المتجددة والنظيفة، وكذلك دعوة الأمم المتحدة لكل الدول إلى خضرنة كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية، بمعنى أن تكون صديقة للبيئة، وكذلك تغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة، مما يولد فرص عمل جديدة تعمل على الحد من الفقر.
وفي هذا الإطار تسعى الدول بوجه عام إلى وضع تصور ورؤية لإطلاق خطط تنمية اقتصادية مبنية على استراتيجية الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. باعتبار أن الاقتصاد الأخضر أحد سبل تحقيق التنمية المستدامة. وتوجد العديد من الأنشطة والإجراءات التى قامت وتقوم بها الدولة المصرية توضح احتضانها لمفهوم الاقتصاد الأخضر ودمجه في رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، من أهمها:
1-قيام وزارة البيئة بجهد كبير لكبس قش الأرز وتحويله إلى بالات يمكن استخدامها في عدة اتجاهات حيوية كعلف للماشية أو في صناعة الورق وغيرها بدلاً من حرقه وتكوينه ما يسمى بالسحابة السوداء التى كانت تؤذى الصغار والكبار.
2- الاتجاه بقوة خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى توليد الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة ونظيفة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التى من المخطط أن تصل لنحو 20% من إجمالى الطاقة الكهربائية المولدة بحلول عام 2022.
3- الاتجاه نحو تسهيل استيراد السيارات الكهربائية، وكذلك التوسع في محطات الغاز الطبيعى لتشجيع تحويل المركبات للعمل بالغاز بدلا من البنزين والسولار للحفاظ على البيئة.
4- إقرار العديد من المبادرات بالتعاون مع عدد من البنوك وشركات الإعلان لاستبدال المركبات القديمة بأخرى جديدة مع توفير تسهيلات في السداد ودعم من شركات الإعلان من خلال استخدام هذه المركبات في حملاتها الإعلانية.
5- اتجاه البعض من القطاع الخاص لبناء مدن خضراء أى أن جميع أنشطتها متوافقة بيئياً تماماً، وهو الأمر الذى يلقى رواج عند كثيرين للسكن في مثل هذه المدن مثلما هو الحال في اتجاه البعض إلى شراء منتجات الزراعات العضوية القائمة على استخدام وسائل المقاومة البيولوجية والعزوف عن المنتجات الزراعية القائمة على استخدام المبيدات والمخصبات الزراعية.
دكتور/ محمـد راشـــــد المدرس بكلية السياسة والاقتصاد – جامعة بنى سويف
التعليقات