قبلة المذهب الشيعي التي أصبحت منارة السنة ومبعث الثورة ضد نابليون.. 1078 عامًا على تأسيس "الأزهر"

تحل اليوم الرابع من شهر أبريل ذكرى بدء إنشاء الجامع الأزهر الذي يعد من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامى، حيث بدأ حاملا راية المذهب الشيعي في العصر الفاطمي ثم تحول في العصر المملوكي إلى منارة لتدريس المذهب السني، فكان جامعة إسلامية منذ أكثر من ألف سنة.

وبدأ إنشاء الجامع الأزهر بوضع جوهر الصقلي حجر الأساس، بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، في 14 من رمضان سنة 359 هـ (971م )، وافتتح للصلاة لأول مرة في 7 من رمضان سنة 361 هـ  ليكون أول جامع أنشىء في مدينة القاهرة التي اكتسبت لقب مدينة الألف مئذنة.

سمي بالجامع الأزهر نسبة إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها والتي نسب الفاطميون أنفسهم ومسمى دولتهم إليها. وقد كان الغرض من إنشائه في بداية الأمر الدعوة إلى المذهب الشيعي، ثم لم يلبث أن أصبح جامعة يتلقي فيها طلاب العلم مختلف العلوم الدينية والعقلية. ويرجع الفضل في إسباغ الصفة التعليمية علي الأزهر إلي الوزير يعقوب بن كلس، حيث أشار على الخليفة العزيز سنة 378 هـ بتحويله إلي معهد للدراسة، بعد أن كان مقصورا علي العبادات الدينية، ونشر الدعوة الشيعية.

يتكون الجامع الأزهر، من صحن مكشوف تطل عليه 3 أروقة، أكبرها رواق القبلة، وكانت مساحته وقت الإنشاء نصف مساحته الحالية، وعلى مر السنين أضيف له مجموعة من الأروقة ومدارس ومحاريب ومآذن غيرت معالمه وشكله الأصلي.

وقد أقيمت الدراسة فعليا بالجامع الأزهر في أواخر عهد المعز لدين الله الفاطمي، عندما جلس قاضي القضاة أبو الحسن بن النعمان المغربي سنة 365 هـ (أكتوبر 975م), في أول حلقة علمية تعليمية، ثم توالت حلقات العلم بعد ذلك. 

كانت حلقات التدريس هي طريقة وأساس الدراسة بالأزهر، حيث يجلس الأستاذ ليقرأ درسه أمام تلاميذه والمستمعين إليه الذين يتحلقون حوله، كذلك يجلس الفقهاء في المكان المخصص لهم من أروقة الجامع، ولا يتم الاعتراف بالأستاذ ليتولي التدريس إلا بعد أن يجيزه أساتذته ويستأذن من الخليفة، وقد تنوعت حلقات الدراسة بين الفقه، والحديث، والتفسير، واللغة، وغيرها من العلوم الشرعية.

ويعتبر الجامع الأزهر ثاني أقدم جامعة قائمة بشكل مستمر في العالم الإسلامي بعد جامعة القرويين بتونس، وفي العصر الحديث تعد جامعة الأزهر أول جامعة قائمة في العالم الإسلامي لتدريس المذهب السني والشريعة الإسلامية والفقه والسيرة النبوية.

في العصر الأيوبي مر الجامع بمرحلة طويلة من الإهمال، حيث اعتبره صلاح الدين الأيوبي والسلاطين الأيوبيون السنيين الذي أتو من بعده مؤسسة لنشر المذهب الشيعي الإسماعيلي، فتجنبوا الاهتمام بالأزهر والصلاة به على مدى تاريخ حكمهم ، وقد تم إزالة مكانته باعتباره مسجد شيعي وحرمان رواتب للطلبة والمدرسين في مدرسة الجامع.

وفي عصر سلاطين المماليك، بلغ الاهتمام بالجامع الأزهر ذروته، فتم تحويله إلى مدرسة للمذهب السني وصارت تلقى به الدروس، وعكست عمارة الجامع مدى اهتمام سلاطين المماليك به، وكان ذلك بمنزلة العصر الذهبي للأزهر. إذ قام العديد من السلاطين بأعمال توسعات وتجديدات للجامع.

وفي العصر المملوكي تم بناء قبة ومئذنة لتغطية المدرسة الأقبغاوية، التي تحتوي على قبر أمير أقبغا عبد الواحد. وتعود تسمية المدرسة الأقبغاوية لمؤسسها، أقبغا عبد الواحد، لتكون مسجدا قائمة بذاته ومدرسة، وقد أصبحت المدرسة متكاملة مع بقية المسجد،. وقد تم تجديد مدخل المدرسة وجدار القبلة والفسيفساء والمحراب في الفترة العثمانية.

بنيت المدرسة الجوهرية في العصر المملوكي والتي تحتوي على قبر الأمير جوهر القنقبائي، الذي كان يشغل منصب الخازندار (المشرف على خزائن الأموال السلطانية) أثناء حكم السلطان المملوكي الأشرف سيف الدين برسباي، وكانت أرضية المدرسة من الرخام، والجدران تصطف مع الخزائن، وتم تزيين المطعمة مع خشب الأبنوس والعاج والصدف، وتم تغطية حجرة قبر بواسطة قبة صغيرة مزخرفة.

كما شهد الجامع الأزهر إضافة جديدة في العصر المملوكي ، حيث تم بناء المدرسة الطيبرسية، التي تحتوي على قبر الأمير علاء الدين طيبرس، وقد بنيت أصلا لتعمل كمسجد مكمل للأزهر، ومنذ ذلك الحين تم دمجها مع بقية المسجد لتدريس المذاهب المالكية والشافعية في هذه المدرسة، وتستخدم المدرسة الآن للاحتفاظ بالمخطوطات التراثية الخاصة بمكتبة جامعة الأزهر الشريف.

وقد أعيد بناء المدرسة بالكامل في عهد عبد الرحمن كتخدا، ولم يتبقى سوى الجدار الجنوبي الشرقي والمحراب القطع الوحيدة الأصلية الباقية من عهد الأمير علاء الدين طيبرس، ومن أبرز الإضافات خلال العصر العثماني مئذنة كتخدا التي بنيت أعلى المدرسة الأقبغاوية.

بدأت ثورة ضد القوات الفرنسية من الأزهر في 21 أكتوبر 1798، وقام المصريون المسلحين بالحجارة والرماح فقط، بأعمال بطولية ضد جيش نابليون الجرار، بعدما باءت جهود نابليون الفاشلة للتغلب على المصريين والعثمانيين.

وأمر نابليون بإطلاق النار على المدينة من قلعة القاهرة، واستهدف مباشرة إلى الأزهر، وخلال التمرد قتل ستة من علماء الأزهر، ودنست القوات الفرنسية المسجد عمدا، ومشوا فيه بأحذيتهم والبنادق المعروضة، وقامت القوات بربط خيولهم في المحراب ونهب أرباع الطلاب والمكتبات، ورموا نسخ من القرآن على الأرض، ثم حاول قادة الثورة للتفاوض على التسوية مع نابليون، وتم رفض طلبهم.

أمر نابليون بغلق المسجد، وظلت أبوابه مغلقة حتى وصول المساعدات العثمانية والبريطانية في أغسطس 1801، بعد اغتيال الجنرال الفرنسي "كليبر" بواسطة الطالب الأزهري سليمان الحلبي، وفقد المسجد الكثير من محتوياته بغزو نابليون.

بعد انسحاب الفرنسيين، تم تنصيب محمد علي واليا على مصر، وسعى لتأسيس مصر الحديثة ولتحقيق هذه الغاية فقد اتخذ عددا من الخطوات للحد، من قدرة علماء الأزهر للتأثير على الشعب والدولة، وسعى محمد علي أيضا إلى الحد من نفوذ شيوخ الأزهر بتوزيع المناصب داخل الحكومة لأولئك الذين تلقوا تعليمهم خارج الأزهر. وبعث الطلاب إلى فرنسا تحديدا، ليكونوا تحت نظام تعليمي غربي، وقام بإنشاء نظام تعليمي يستند إلى هذا النموذج وموازيا له، وهكذا تجاوز نظام الأزهر وساهم في ازدواجية التعليم في مصر حتى الآن.

شهد عهد إسماعيل باشا عودة الرعاية الملكية السامية إلى الأزهر ونجح ابن توفيق، عباس الثاني خديوي مصر والسودان في عام 1892، بإعادة هيكلة الواجهة الرئيسية للمسجد وبنى الرواق الجديد واستمرت التجديدات التي كتبها جده إسماعيل. وتحت حكمه، تم إستعادة لجنة حفظ الآثار الفنية العربية (شكلت في البداية تحت الاحتلال الفرنسي)، وأيضا استعاد الصحن الفاطمي الأصلي، وكانت هذه التجديدات اللازمة على حد سواء بمساعد تحديث الأزهر.   كانت بداية معارك الأزهر مع رواد الفكر والثقافة مع الأديب الراحل طه حسين بعد نشر كتابه المثير للجدل "فى الشعر الجاهلى" عام 1926، والذى حاول فيه إثبات نظريته بأن الشعر الجاهلى كان قد كتب بعد ظهور الإسلام، مما أثار حفيظة عدد من علماء الفلسفة واللغة، إلى جانب  علماء الأزهر، مما دفعهم لتحرير دعوى قضائية ضده، وجعلهم  يتهمونه بالكفر والإلحاد

ولكن على الرغم من كل هذا، فإن المحكمة برأت طه حسين لعدم ثبوت دعوى علماء الأزهر بأنه تعمد الإساءة للدين أو القرآن، وبعد ذلك تم تعديل الكتاب وحذفت الأجزاء التى أُخذت عليه.

وكما كان للأزهر معركة مع نجيب محفوظ مع نشره لحلقات مسلسلة لرواية "أولاد حارتنا" على صفحات جريدة الأهرام خلال فترة الخمسينيات، والتى كانت كفيلة بفتح النار على محفوظ من قبل عدد من شيوخ الأزهر الذين طالبوا بوقف نشر تلك الحلقات، وتم تكفير محفوظ واتهامه بالإلحاد والزندقة، وطالبوا بحظر نشر الرواية.

وعرض على نجيب محفوظ حينها أن يلتقى فى مكتبه بشيوخ الأزهر الغاضبين، فى محاولة لتسوية الخلاف بينهم، فوافق محفوظ على الفور قائلاً إنه لا يحب أن يغضب الأزهر، وذهب بالفعل فى الموعد المحدد إلى مكتب الخولى، لكن شيوخ الأزهر الذين كانوا قد حددوا الموعد لم يحضر منهم أحد، فى إشارة واضحة لاستمرار موقف الأزهر المعادى لمحفوظ وروايته، بحجة أنها تسىء للذات الإلهية، مما دفع البعض لتبنى فكرة محفوظ، والرد على هؤلاء الشيوخ مهاجمًا إياهم على أساس أنهم تعاملوا مع العمل الأدبى من منظور دينى.

يذكر أنه تم إفتتاح أعمال الترميم بالجامع الأزهر من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، والأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى، والدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر فى الشهر الماضى، واستغرقت أعمال الترميم أكثر من 3 سنوات وتعد أكبر عمليات ترميم وتطوير شهدها الجامع على مر تاريخه.

وشملت عملية الترميم تغيير وتحديث البنية التحتية للجامع الأزهر بشكل كامل، بما في ذلك الأرضيات والفرش وشبكات الإضاءة والمياه والصرف والإطفاء والتهوية والصوت، وفقًا لأحدث المعايير العالمية، وبخامات تماثل المستخدمة في الحرم المكي.

وتميزت عملية الترميم الجديدة، بمراعاة الطبيعة الأثرية للجامع حيث تمت جميع الخطوات تحت الإشراف الكامل لوزارة الآثار كما جرى توثيق جميع مراحل الترميم، بحيث أصبح هناك ملف شامل لكل حجر وركن وزاوية داخل المسجد، يتضمن وضعها قبل وخلال وبعد عملية الترميم.

التعليقات