"سلسال الدم" بدأ منذ ٦٦ عامًا.. اغتيالات الرؤساء العرب من عبدالله الأول إلى عبدالله الأخير

الحديث عن سلسلة الاغتيالات التي تعرض لها بعض قادة العرب، هو بالكاد سرد لتاريخ ملييء بالصراعات، يحمل في باطنه حقائق وأسرار وقصص شعوب أنهكتها موبقات التطلع إلى السلطة والوصول إلى سدة الحكم، وإن كان تمسك بعض الحكام بمباديء معينة قد أسرع بوتيرة القضاء عليهم.

ولم يكن الرؤساء أو الملوك وحدهم في مرمى نيران الاغتيال فهناك العشرات من السياسيين الذين لاقوا المصير ذاته، وهو ما جعل من المنطقة العربية مكانًا مثخنًا بجروح الاغتيالات، لاسيما في الوقت الذي يروج البعض فيه لمشروعية الاغتيال السياسي واستخدام العنف كضرورة ملحة للتغيير، خاصة مع انسداد الأفق السياسي عن طريق صناديق الانتخابات. وقد جاء مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح حلقة جديدة في مسلسل اغتيال الحكام العرب الذي بدأ سنة ١٩٥١ باستهداف العاهل الأردني عبدالله الأول، لكن اغتيال عبدالله صالح -الأخير- هو أول اغتيال لرئيس سابق، غير أنه لم يكن سابقًا تمامًا إذ أنه غادر كرسي الرئاسة لكنه لم يترك السياسة، وفقد السلطة لكنه احتفظ بالنفوذ، وظل رقمًا مهمًا بين اللاعبين السياسيين في اليمن "غير السعيد".  

ولن يكون حادث اغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، نهاية لهذا المسلسل الدموي، فمسلسل الاغتيالات السياسية طويل ويمتد لعشرات القرون، وسيظل واقعًا سنشهده مقبل السنوات، طالما ظل الصراع على السلطة مطلًا برأسه في ساحات السياسة وقصور الحكم.

وفي هذا التقرير سرد لأبرز وأهم حوادث الاغتيال التي تعرض لها الرؤساء والملوك العرب في العصر الحديث منذ ما يزيد عن ستة عقود، في الوقت الذي شهدت فيه تلك العقود انقلابات عسكرية متعددة وحروب أهلية طاحنة وغطرسة متوحشة لبعض المتربعين على سدة الحكم في بلدانهم.      اغتيال مؤسس الأردن فيما وصفت بالجريمة الأكثر دناءة في تاريخ الأردن، بدت سلسة الاغتيالات من قلب عاصمة العراك "القدس"، ضمن مخاوف التنامي الإسرائيلي على أرض فلسطين أو هكذا برر القاتل فعلته، والثمن هو روح الملك عبد الله الأول بن الحسين، مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية، لاسيما أنه الأول بين أقرانه من الرؤساء والملوك، وقتذاك، الذين رحبوا بفكرة حل الصراع الفلسطيني اليهودي سلميًا والقبول بقرار التقسيم.

 فالرجل الذي سكنت صدره ورأسه ثلاث رصاصات من المقدسي مصطفى شكري، أضحت أطماعه في توحيد بلاد الشام ضمن "سوريا الكبرى" عام 1947 بداية هلاكه، وإن لاقت دعوته استجابة من قبل وفود فلسطينية من الضفة الغربية قبيل اغتياله بعام واحد، وطالبت بالوحدة مع الأردن، ما عزز مخاوف التقسيم، وتوقيع اتفاقية سلام منفصلة مع إسرائيل، دفعت القاتل لارتكاب جريمته بتشجيع من بعض القادة العسكريين في القدس تزامنًا مع زيارته للمسجد الأقصى في 20 يوليو 1951 الذي دفن في أسواره. 

"فيصل الثاني" الملك الشاب يتلقى الرصاص بدم بارد  "14 تموز" تاريخ يحمل في باطنه قواسم مشتركة من حيث الأهمية التاريخية لدولة العراق، فمن ناحية طويت صفحة من الحكم الملكي الهاشمي بالعراق استمرت لنحو 37 عامًا، وبداية عهد جمهوري جديد، ومن ناحية أخرى شهد مقتل آخر ملوك العراق الملك فيصل الثاني، وبداية عهد الانقلابات.

فقد انطلقت حركة "الضباط الأحرار" ونجحت في مسعاها في السيطرة على النقاط الرئيسة في بغداد وإعلان الجمهورية وشق صوت العقيد عبدالسلام عارف المسامع كالرعد إثر إلقاء بيان الحركة، ومطالبة العائلة الملكية بتسليم نفسها.

لاقت المطالب استجابة من قبل العائلة الملكية التي تجمعت في باحة القصر الملكي بعد تطويق الجنود للقصر، لكن مصيرًا فاجعًا بالموت للجميع كان ينتظرهم، بعدما فتح النار عبد الستار سبع العبوسي من دون أوامر، فأصيب الملك برصاصتين في رأسه ورقبته، لتنهي حياته وعدد من أفراد عائلته بدم بارد، ويرحل أصغر الملوك "23 عامًا" وآخرهم بين ملوك العراق في 14 يوليو 1958.

إعدام "عبدالكريم قاسم" الانقلابي الأول يعد عبد الكريم قاسم أحد ضباط حركة 14 تموز، والمؤسس الأول للجمهورية العراقية، بعد الانقلاب على الحكم الملكي، لكنه أيضا، أحد الذين وجهت لهم انتقات لاذعة بعد توليه الحكم، فبالرغم من وصف البعض له بأبو الضعفاء والمخلص والقائد الفعلي للثورة العراقية، إلا أن فرديته في التعامل وتركيز جميع السلطات بيده وإلغاء مجلس قيادة الثورة وتعطيل صلاحيات مجلس السيادة وتحجيم الصحافة، وتهميش رفقاء السلاح وحركة الضباط الأحرار  الذين لم يسلموا من هواجسه وفرديته، كانت كلها بداية النهاية لمأساة تنتظره.  

جاء انقلاب "8 شباط أو ثورة 14 رمضان"، لتكتب نهاية دموية لمسيرة عبد الكريم قاسم، حيث ألقي القبض عليه بعد الانقلاب على حكمه في قاعة الشعب التي التجأ إليها بعد إنتهاء معركة وزارة الدفاع، وبعد محاكمة صورية لم تستمر سوى دقائق أعدم "قاسم" رمياً بالرصاص.

الشيشكلي "رجل الانقلابات" يموت في البرازيل شارك أديب الشيشكلي في انقلابين بسوريا خلال عام واحد، الأول مع حسني الزعيم والثاني بصحبة سامي الحناوي،  لكنهما لم يكونا كفيلان بمسعاه للوصول إلى السلطة، حيث نازع رئيس الدولة هاشم الأتاسي على السلطة في انقلاب ثالث، وتولى الحكم وسط عاصفة من العيون المترقبة، من خلال إجراء استفتاء على تعديل دستوري ينص على تحويل النظام الحكومي من نظام نيابي إلى رئاسي نتج عنه الموافقة على التعديل ونجاحه كمرشح وحيد للرئاسة في الوصول إلى سدة الحكم. لكنه سرعان ما شرب من نفس الكأس، حيث عاد هاشم الأتاسي إلى الحكم، واضطر "الشيشكلي" للاستقالة بعد الانقلاب عليه، عام 1954. وفي العام 1960اغتيل "الشيشكلي" في البرازيل على يد الدرزي نواف غزاله الذي أطلق النار عليه ببلدة سيريس، انتقامًا من ممارسات "الشيشكلي" العسكرية ضد الدروز في منطقة جبل العرب.

الملك فيصل هل قتلته عروبته؟ مثّل رحيل ملك السعودية فيصل بن عبدالعزيز، خسارة كبيرة للقضية العربية عامة والفلسطينية بشكل خاص، وتسببت سياسته بمقاطعة تصدير البترول منذ بداية السبعينيات للدول الداعمة لإسرائيل ودعمه مصر في حربها ضد الكيان الصهيوني في التسريع بوتيرة الرحيل، وكانت مقولته الشهيرة "عشنا وعاش أجدادنا على التمر وسنعود لهما".

كان استخدام البترول سلاح ردع كبير للغطرسة الإسرائيلية في المنطقة، وجاءت كلمات الملك فيصل لوزير الخارجية الأمريكية "أنا رجل طاعن في السن وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت" بمثابة انعكاس لمواقفه الصامدة تجاه السياسات الأمريكية في المنطقة ودعمها الكيان الصهيوني.

نجح "فيصل" في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، كما دفع بتعزيز قطع علاقات أكثر من 42 دولة مع إسرائيل، وصنفته مجلة التايم الأمريكية بـ"رجل العام" لسنة 1974، إلا أنه لقى حتفه في يوم الثلاثاء 25 مارس 1975، بعد قيام فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود بإطلاق النار عليه في أثناء استقباله لوزير البترول الكويتي عبد المطلب الكاظمي وأرداه قتيلًا.  ورغم أن القاتل هو أحد أفراد العائلة الملكية إلا أن الدوافع الحقيقية تبقى محل شك بعد كل هذه السنوات.

"الحمدي".. اغتيال الوحدة في اليمن بدأت سلسلة الاغتيالات الدموية باليمن، بمقتل الرئيس اليمني الشمالي إبراهيم الحمدي، قائد حركة 13 يونيو التصحيحية، التي عرفت بالانقلاب الأبيض، وأنهى بمقتضاها حكم الرئيس القاضي عبد الرحمن الأرياني، الذي لعب الجيش في فترته دورًا بارزًا في الحياة السياسية ومنذ قدومه عمل على تحجيم شيوخ القبائل وعزلهم سياسيًا وأصدر قرارات فيما أطلق عليها "يوم الجيش".

سعى الحمدي نحو الوحدة مع الجنوبيين، وعقدت اتفاقية "قعطبة" في فبراير 1977 حيث تم بمقتضاها تشكيل مجلس من الرئيسين الحمدي وسالم ربيع علي "سالمين"، واتخاذ خطوات نحو الوحدة، إلا أن حلمه لم يتحقق باغتياله في ظروف غامضة ليلة 11 أكتوبر 1977 قبل يومين من زيارته لعدن والتي تعد الأولى من نوعها لرئيس من اليمن الشمالي، وتشير أصابع الاتهام للمشيخات القبلية التي عاداها طيلة فترة حكمه.

"الغشمي" ظروف غامضة جاءت سياسة الرئيس "حمد حسين الغشمي" متباينة مع سلفه "إبراهيم الحمدي" فيما يتعلق بالتقارب مع السعودية، ورغم أن حكمه لم يكمل عامه الأول، إلا أنه لقي حتفه إثر اغتياله في مكتبه في القيادة العامة للجيش في 24 يونيو 1978، على خلفية انفجار حقيبة ملغومة حملها إليه من عدن أحد المبعوثين الرئاسيين من سلطات الحكم في عدن في ظروف غامضة، وقد أدى اغتيال الغشمي لتكاتف خمس عشرة دولة عربية أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة عدن إثر الحادث.

"السادات" بطل الحرب وضحية السلام  في الوقت الذي مثلت قرارات الرئيس المصري محمد أنور السادات، عقب وصوله للحكم بالقضاء على مراكز القوى والتخلص من الدولة البوليسية فيما سمي بثورة التصحيح، في ١٥ مايو ١٩٧٠، إضافة لانتصار السادس من أكتوبر لعام 1973، علامة مضيئة في حياة الرئيس الراحل، إلا أن الاتهامات انهالت عليه بتقويض المشروع العروبي القومي، وخيانة القضية الفلسطينية عقب زيارته الشهيرة للقدس المحتلة سنة ١٩٧٧.

وتسببت سياسة السادات التفاوضية في مسعاه لاسترجاع الأراضي المصرية من الكيان الإسرائيلي، في موجة كبيرة من الغضب محليًا وإقليميًا، وإن لاقت ترحيبًا دوليًا واسع المدى، لاسيما بعد توقيع اتفاقية السلام في كامب ديفيد برعاية أمريكية.

أطلق السادات العنان للتيارات الإسلامية لمواجهة نشطاء اليسار والناصريين، لكن ذلك لم يكن كافيًا ليعصم دمه من الجماعات الدينية نفسها التي اغتالته، واعتبرته فرعونا كما أقر قاتلوه خلال محاكمتهم.

شهدت نهاية عهد السادات قطيعة عربية لمصر وعُلقت على إثره عضويتها في الجامعة العربية، بعد اتفاقه على الصلح مع اسرائيل وعندما زادت الاعتراضات الداخلية على سياسات السادات الاقتصادية، وعلى معاهدة السلام واجهتها الحكومة بحملة اعتقالات واسعة شملت كل التيارات السياسية المتباينة في البلاد، وبعد نحو شهر من هذه الإجراءات التعسفية أغتيل الرئيس السادات في أثناء عرض عسكري كان يقام سنويا احتفالا بانتصارات العبور، وذلك في 6 أكتوبر عام 1981 على يد عدد من أعضاء الجماعة الإسلامية في الجيش المصري.  ورغم نهاية السادات الدرامية وسط احتفاله بين جنوده بالنصر، إلا أن كثيرا من المصريين ينظرون إليه باعتباره بطلا للحرب والسلام.

"الجميل" ولعنة التقارب مع إسرائيل كانت الحرب الأهلية في لبنان في أوجها، ودفعت اتفاقات الرئيس اللبناني بشير الجميل، المستمرة مع الإسرائيليين للقضاء على القوات السورية من جانب، وانتزاع منظمة التحرير الفلسطينية من الأراضي اللبنانية من جانب آخر، إلى اتهامه بالخيانة، حتى أن قاتله حبيب الشرتوني تحول إلى بطل شعبي بعدما قال في اعترافاته أنه قتله لأنه باع لبنان للإسرائيليين، واغتيل "الجميل" في 14 سبتمبر 1982 في أعقاب انفجار قنبلة وقتما كان يخطب في زملائه من أعضاء حزب الكتائب، ما أدى إلى مقتله و26 سياسيًا آخر من الحزب.

"رينيه معوض" حياة مقرونة بنهاية الحرب الأهلية لم يستطع الرئيس اللبناني رينيه معوض أن يجلس على عرش قصر بعبدا سوى 17 يومًا هي مدة رئاسته، ليلقى مصيره المحتوم بالاغتيال في 22 نوفمبر 1989،بعد تعرض موكبه لانفجار بعد خروجه من القصر الرئاسي المؤقت يوم عيد الاستقلال ويعد "معوض" اول رئيس للبنان بعد اتفاق الطائف الذي تم بمقتضاه وضع حد للحرب الأهلية التي استمرت لنحو 15 عامًا.

"بوضياف" ضحية العودة يعد الرئيس الجزائري محمد بو ضياف أحد القادة التاريخيين للثورة الجزائرية التي اندلعت سنة ١٩٥٤. لكنه بعد ابتعاد اختياري عن العمل السياسي في بلد المليون شهيد استمر عدة عقود، عاد ليتولى زمام بلاده باعتباره شرعية تاريخية، عقب استقالة مفاجئة للرئيس الشاذلي بن جديد إثر فوز التيار الإسلامي بالانتخابات العامة في الجزائر.

 وقد بدأ بوضياف عمله السياسي مبكرًا ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، لكنه بعد الاستقلال تعرض لعملية اختطاف هو وعدد من قادة الثورة، في عهد أحمد بن بيلا، واعتقل وحكم عليه بالإعدام ضمن حملات الاغتيالات والاعتقالات عام 1963م بتهمة التآمر على أمن الدولة ولم ينفذ الحكم، وخرج من السجن ليغادر الجزائر، وعاش ما يقرب من ثلاثة عقود خارج البلاد بالمغرب.

عاد بوضياف في العام 1992 بعد استدعائه لكي يتم تنصيبه رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس بن جديد وسط أجواء انقسام واستقطاب بين المؤسسة العسكرية والجبهة الإسلامية المسلحة، ولم يلبث "بوضياف" أن جلس على  مقعد الرئيس ما يقارب 5 أشهر فقط حتي اغتيل بعد تعرضه لطلقات نارية أودت بحياته على يد ملازم في القوات الخاصة الجزائرية يدعى مبارك بو معرافي أثناء إلقاء خطاب في أحد المناسبات.

 صدام حسين.. "قتيل الأسر" أم "مجرم حرب"  حكم الرئيس صدام حسين العراق بين عامي 1979 و 2003، وكان إقدامه على غزو الكويت سنة 1990 جريمة مخزية إذ كانت سببًا في دخول قوات غربية للعراق والمنطقة العربية ولم تخرج منها حتى الآن.

بعد أشهر من الغزو الأمريكي للعراق، بذريعة امتلاك الأخيرة أسلحة دمار شامل، ألقي القبض على صدام حسين الذي أصبح مطاردا بعد سقوط حكمه. سيطرت الأغلبية الشيعية على الحكم في العراق، بعد احتلاله وكان لديهم غصة من صدام بسبب ما كان يعتبر على نطاق واسع، إنه سجل سيء في مجال حقوق الإنسان، وإعدامات نفذت خارج إطار القانون، وارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين خلال قمع انتفاضات ضد حكمه.

شكل الشيعة الحكومة العراقية وكانت توجهاتها الطائفية واضحة ما أوقع العراق في قبضة القتل على خلفية الانتماء الطائفي وهو ما عرُف  بـ"القتل على الهوية". في صبيحة يوم السبت 30 ديسمبر لعام 2006 الذي تزامن مع أول أيام عيد الأضحى، فجع العالم العربي والإسلامي بتنفيذ حكم الإعدام بحق الرئيس العراقي صدام حسين بمنطقة الكاظمية، تنفيذا لحكم أصدرته محكمة ثارت شكوك حول نزاهتها بين الحقوقيين على نطاق واسع، ما اعتبره كثيرون اغتيالا في الأسر تحت ستار محاكمة هزلية سُطّر فيها الحكم قبل أن تبدأ.

الرجل الحديدي الذي حكم العراق بالحديد والنار، بعث برسالة لم يدركها من سمعها إلا في أعقاب ثورات الربيع العربي حين وجه حديثه لرؤساء العرب بالقول "أنا ستعدمني أمريكا أما أنتم فستعدمكم شعوبكم"، ويبدو أن النبوءة تحققت تدريجيًا بمرور الوقت في عدة دول عربية. ورغم اختفاء صدام من الساحة العراقية والعربية إلا أن الجدل حول شخصيته ودوره سيستمر  وسيبقى صاحب تأثير كبير -سلبي في معظمه- على مجريات الأمور، في العالم العربي نهايات القرن العشرين، وسيظل في عالمنا العربي من يعتبره "مجرم" جلس على كرسي الرئاسة ليمارس القمع والديكتاتورية، وقائد أحمق تسبب في خراب كبير للعراق بغزوه الكويت، ومن يعتبره بطلًا شجاعًا وجه صواريخه للكيان الصهيوني،  وتقدم لحبل المشنقة بثبات يثير الإعجاب.

"القذافي" الذي قتله شعبه  كان القذافي ضابطا في الجيش الليبي قاد انقلابا في أول سبتمبر ١٩٦٩، ضد الملك إدريس السنوسي، لكنه ألف ما عرف بـ"الكتاب الأخضر" وضع فيه ما قال إنها مبادئ النظرية العالمية الثالثة - بعد الرأسمالية والشيوعية- وبشر بما وصفه بـ"عصر الجماهير"، وأطلق على ليبيا الجماهيرية العربية.

تميز حكم القذافي بالإنغلاق وبالقمع وتركز السلطة، وسرعان ما تخلص من رفاق السلاح ليظهر أبناؤه بمرور السنين لاعبين أساسيين في ساحة حكم ليبيا وأبرزهم سيف الإسلام والساعدي القذافي.  كان القذافي شخصية غرائبية يحرص على اصطحاب خيمته، لينصبها في قصور الرئاسة، وصاحب تعليقات مضحكة يحرص على ارتداء أزياء لافته.

لهيب الثورة التونسية عام ٢٠١١ سرعان ما امتد إلى مصر ومنها إلى ليبيا، لينطفيء بريق مايزيد عن 40 عامًا هي مدة حكم الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي قتل على يد عدد من الثوار الليبيين في سرت "مسقط رأسه" في 20 أكتوبر 2011  وقد بدت علامات التعذيب على وجهه، في فيديوهات مروعة توثق لحظات اغتياله، في مشاهد صادمة وغير مألوفة في العالم العربي. 

"صالح" تناحر على السلطة فنحروه بدا علي عبدالله صالح وكأنه الرئيس الأكثر حظًا من بين أقرانه من الرؤساء الذين انقلبت عليهم شعوبهم في أعقاب الربيع العربي، إلا أن غروره وتشبثه بالسلطة دفعه للاستمرار في التناحر بعد تحالفه مع الانقلابيين الحوثيين. الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، آخر زعماء العرب الذين سُطّرت أسماءهم ضمن قائمة اغتيالات الرؤساء، بات حديث العالم، بعد نشر فيديوهات وصور توثق مقتله بشكل مريع على يد قوات الميليشيات الحوثية، من خلال إعدامه رميًا بالرصاص إثر توقيف موكبه قرب صنعاء بينما كان في طريقه إلى مسقط رأسه في مديرية سنحان جنوب العاصمة.

وكأن إفاقته عجلت بنهايته، حيث دعا صالح قبل يومين من اغتياله إلى تصحيح المسار وضرورة فتح صفحة جديدة مع التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، بما يعني تراجعه عن التحالف مع الحوثيين، رغم أنه حارب وقواته إلى جانبهم لنحو عامين، لكن الاصطفاف مع قوات التحالف لم يلق ترحيبًا من الميليشيات المدعومة من إيران واستفهام فيما يبدو لأقصى درجة فعجلت بوتيرة التخلص منه.

التعليقات