مفاجأة .. الهند سادس أكبر اقتصاديات العالم فى 2016

شكل العام 2016 نقطة تحول جوهرية في الاقتصاد الهندي سواء على صعيد الناتج القومي الإجمالي أو على صعيد المكانة الاقتصادية العالمية.

وبينما تحتفل في السادس والعشرين من يناير الجاري بالذكرى الـ68 لاستقلالها عن بريطانيا .. تتمكن الهند بعد مرور أكثر من 150 عاما على حقبة الاستعمار البريطاني لها من احتلال المركز السادس لأكبر اقتصادات العالم وهو ذات الموقع الذي كانت تشغله بريطانيا لسنوات .

ومثلما تحسن مركزها الاقتصادي عالميا تسجل الهند تفوقا ملحوظا على الصين كأسرع الاقتصادات نموا في العالم .

وفي أكتوبرالماضي توقع صندوق النقد الدولي أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة /7.6/ بالمائة خلال العام 2017.. لكن تقديرات اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة وآسيا والمحيط الهادئ "ESCAP" كانت أكثر تفاؤلا حيث تتوقع أن يصل المعدل إلى /8.2/ في المائة وهي أعلى التقديرات المتاحة من المؤسسات الدولية .

وبعد أن كانت إحتياطياتها النقدية لا تتجاوز المليار دولار أوائل التسعينيات .. فإن الهند بحسب البنك المركزي بلغت إحتياطياتها الأجنبية /355.95/ مليار دولار في 18 مارس الماضي .. واستقرت قيمة إحتياطيات البنك من الذهب عند /19.33/ مليار دولارخلال الفترة ذاتها.

ووفقا لصندوق النقد الدولي ..استفاد الاقتصاد الهندي من تراجع أسعار السلع العالمية إذ حقق مكاسب تجارية ضخمة دفع التضخم إلى التراجع أكثر مما كان متوقعا .

وإلى وقت قريب كانت الزراعة المحرك الرئيسي لاقتصاد الهند ولكن مساهمتها تراجعت إلى /25/ بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لتبرز صناعة البرمجيات في السنوات الأخيرة وتجعل الهند أهم متعامل عالمي في مجالي البرمجيات ومعالجة الأعمال الإدارية بحجم مداخيل /17.2/ بليون دولار /2004-2005/ .. وهو ما يجعل من تكنولوجيا المعلومات واجهة الاقتصاد الهندي الحديث.

كما يحتل الاقتصاد الهندي المركز العاشر عالميا من حيث تبادل العملات والرابع من حيث معدل القوة الشرائية .

ومن أهم صادرات الهند المنتجات الزراعية والمنسوجات والأحجار الكريمة والمجوهرات وخدمات وتقنيات برمجية ومنتجات كيماوية وجلدية فيما تشكل أهم البضائع التي تستوردها: النفط الخام والآلات وأحجار كريمة وأسمدة وكيماويات .

واستندت فلسفة الاقتصاد الهندي عشية الحصول على الاستقلال إلى ركيزتين متكاملتين وهما: التخطيط وتكامل جهود القطاعين العام والخاص في التنمية .. غير أن نقطة الضعف الأساسية في هذا النمط التنموي كما يقول خبراء الاقتصاد تظل في أنه لم يكن مصمما على افتراض ضرورة التصدير للأسواق الخارجية استنادا إلى اتساع السوق الداخلي الهندي والوفاء باحتياجاته من السلع والخدمات .

لكن "التحولات الاقتصادية العالمية فرضت على الهند إعادة النظر في نموذجها التنموي المتبع منذ الاستقلال حيث واجه الاقتصاد الهندي في عام 1991 أزمة غير مسبوقة مع هذا النموذج وعجزه عن الاستجابة السريعة للتطورات الاقتصادية الدولية وبخاصة ذات الصلة منها بتغير طبيعة الرأسمال الأجنبي والشركات متعددة الجنسيات وهو الأمر الذي قاد بدوره إلى ثورة غير متوقعة في التجارة العالمية حيث تضاعفت نسبة الإنتاج العالمي المخصص للتصدير خلال الفترة 1965-1990 .

وفي اطار ذلك أعادت الحكومات الهندية المتعاقبة النظر في النموذج القديم بشكل تدريجي وحذر إذ لم يتم تحرير قطاع التأمين أمام المستثمرين الأجانب إلا في أوائل عام 2000 كما لم يتم التحرير الكامل لسعر صرف الروبية الهندية إلا عام 1993 . كما أعيد هيكلة القطاع العام وأعيد النظر في دوره كقاطرة للاقتصاد . واكتسب برنامج الإصلاح الاقتصادي في الهند قوة دفع ذاتية خاصة به وتم إعطاء المزيد من الحرية والحوافز للاستثمار الأجنبي من قبيل إعطاء حق التملك الكامل للأجانب في مشروعات "الطرق والسياحة والصناعات البترولية وتوليد الطاقة" أو الحق في تملك /49/ بالمائة من قطاع الاتصالات و/51/ بالمائة في الصناعات الدوائية فضلا عن كثير من القطاعات الأخرى التي أصبحت الموافقة عليها بصفة آلية مثل الكيماويات والتعدين والنقل والغزل والنسيج .

وجاءت الدفعة الأهم للخصخصة منذ منتصف التسعينيات حيث قررت الحكومة في الأسبوع الأخير من أكتوبر 1999 إلغاء جميع المعوقات البيرقراطية أمام رأس المال الأجنبي بما يضمن منح الموافقة على الاستثمارات الأجنبية بصورة آلية. وفي عام 2000 قامت الحكومة بفتح قطاعات الطاقة والفحم والاتصالات والخدمات البريدية والنقل -باستثناء السكك الحديدية- أمام الاستثمار المحلي والأجنبي. كما أعلنت في مايو من ذلك العام الخصخصة الجزئية لشركة الطيران الهندية وفيها سمح للأجانب بتملك /26/ بالمائة من إجمالي نسبة الـ /60/ بالمائة التي تم طرحها للشركات الخاصة .

ووفقا لتقرير التنمية في العالم ومن خلال إنجازها للعديد من الخطط الخمسية منذ 1951 وحتى اليوم حقق الاقتصاد الهندي إحتياطا غذائيا في الزراعة وطفرة إنتاجية في الصناعة مع قطاع خدمات واعد لسوق واعدة .

وتعد الزراعة من بين أهم إنجازات الهند في هذا القطاع اذ أنها تجاوزت حد الاكتفاء الذاتي من الغذاء وأوجدت مخزونا احتياطيا من الحبوب وصل عام 1979 إلى /20/ مليون طن وارتفع عام 1995 ليصل إلى /30/ مليون طن وهو الأمر الذي كان من نتائجه زيادة قدرة الدولة على التعامل مع الجفاف مثلما حدث عامي 1979 و1987 ولم تعد هناك مجاعات كتلك التي حدثت في البنغال عام 1943 .

وأتى الاكتفاء الذاتي بفضل النتائج الإيجابية لما عرف بالثورة الخضراء خلال عقدي الخمسينيات والستينيات في مجالي استصلاح الأراضي وزيادة الإنتاجية الزراعية إذ زادت مساحة الأراضي المزروعة من /118.7/ مليون هكتار عام 50/1951 إلى /140.2/ مليون عام 1970 ثم إلى /142.2/ مليون عام 89/1990 . كما زاد إنتاج الهند من الحبوب الغذائية من /50.8/ مليون طن عام 50/1951 إلى /179.1/ مليون عام 93/1994 .

ومع التحول إلى الاقتصاد الحر برزت بعض الصناعات ذات التقنية العالية وأهمها صناعة البرمجيات كما لعب قطاع الخدمات دورا مهما في تعبئة المدخرات والاستثمارات القومية اللازمة لتمويل خطط التنمية خلال العقود الخمسة الماضية .

ويقول البنك المركزى الهندى في نشرته الصادرة في 18 مارس الماضي إن احتياطياته من حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد ارتفعت إلى /1.49/ مليار دولار من /1.48/ مليار دولار موضحا أن مركز شريحة الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي زاد إلى /2.62/ مليار دولار من /2.59/ مليار دولار .

ومن بين مجموعة دول الـ "BRIC" البرازيل وروسيا والهند والصين .. فإن صندوق النقد الدولي يرى أن الهند تمثل حاليا نجم هذه المجموعة فيما يتعلق بالنمو وذلك أخذا في الاعتبار الظروف التي تمر بها الدول الثلاث الأخرى فالنمو في الصين آخذ في التراجع بينما تعاني روسيا والبرازيل ضغوط الكساد في الوقت الحالي فيما كانت الهند هي الدولة الوحيدة التي رفع الصندوق توقعات النمو لها في المجموعة .

وفقا لتقديرات مركز التنمية الدولية في جامعة هارفارد حول آفاق النمو في الهند .. من المتوقع أن تحقق الهند أعلى معدلات النمو للناتج في العالم خلال السنوات الثماني المقبلة بمعدل نمو متوسط /7.9/ في المائة وذلك حتى عام 2023 .

وستدفع مثل هذه التوقعات الاستثنائية بلا شك بالمستثمرين من جميع دول العالم لدخول السوق الهندي للاستفادة من ثمار النمو المرتفع والفرص التي تتيحها عملية تحرير الاقتصاد

التعليقات