تصر إثيوبيا على سياسة اللعب بالنار، وفرض سياسة الأمر الواقع، وعدم الاكتراث بمصالح الدول والشعوب الإفريقية المجاورة، مما جعلها المصدر الرئيسى للاضطراب فى محيطها الإقليمى، وهو ما يهدد بإشعال المنطقة كلها.
لم تحترم إثيوبيا سيادة واستقلال دولة الصومال العربية الشقيقة، وقامت بتوقيع اتفاق باطل مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالى، للاستيلاء على جزء من الأراضى الصومالية، واستخدامه فى تحقيق أغراض إثيوبيا التوسعية والاستعمارية.
ظنت إثيوبيا أن «الاتفاق الباطل» يمكن أن يمر مرور الكرام، ولم تنتبه إلى خطورة ما تفعل، وأن ذلك ربما يفتح باب النيران عليها خاصة فيما يخص شرعية توقيع اتفاقيات مماثلة مع الأقاليم الإثيوبية المناهضة للحكومة الإثيوبية، والتى تخوض حربا معلنة ضدها طالما أعتقدت إثيوبيا أن هذا الاتفاق الباطل يصلح أن يكون إطارا قانونيا لحماقات الحكومة الإثيوبية وتشجيعها للنزاعات الانفصالية «المرفوضة» من المجتمع الدولى داخل الأراضى الصومالية.
قام آبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، بتوقيع مذكرة تفاهم فى أول الشهر الحالى مع إقليم أرض الصومال الانفصالى لمنح إثيوبيا حق استخدام منفذ بحرى بطول 20 كيلو مترا من الأراضى الصومالية لمدة 50 عاما عبر اتفاقية «إيجار»، مما يعد تعديا صارخا على سيادة ووحدة أراضى الدولة الصومالية.
انتفضت الحكومة الصومالية صاحبة السيادة على كافة الأراضى الصومالية فى مواجهة هذا التعدى الصارخ، ورفضته جملة وتفصيلا، واجتمعت الحكومة الصومالية، وأصدرت بيانا اعتبرت فيه أن الاتفاق بلا أساس قانونى، وأنه اعتداء سافر على سيادة جمهورية الصومال، واستدعت سفيرها لدى أديس أبابا للتشاور، ودعت الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامى، والاتحاد الأوروبى، ومنظمة الإيجاد، للاجتماع وتأكيد رفض الاتفاق الباطل.
فى خطوة سريعة ورد فعل مباشر رفض الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، وتركيا، والاتحاد الإفريقى، وبريطانيا تلك الخطوة الإثيوبية، وطالبوا بضرورة احترام وحدة وسيادة أراضى الصومال.
أما الجامعة العربية فقد عقدت اجتماعا طارئا لهذا الغرض عبر تقنية الفيديو كونفرانس فى الأسبوع الماضى، حيث وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الاتفاق بأنه «انقلاب صارخ على الثوابت العربية والإفريقية والدولية المستقرة».خلال الاجتماع فضحت الصومال المخطط الشيطانى الإثيوبى الذى يهدف إلى الإضرار بالأمن القومى العربى والملاحة فى البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، مؤكدة أن العدوان الإثيوبى على سيادة ووحدة أرض الصومال هو مخطط مدروس يفاقم الأوضاع فى باب المندب، وينذر بعواقب وخيمة.
رئيس وزراء الصومال، حمزة عبدى برى، أوضح أن الأطماع الإثيوبية تستهدف الأمن القومى العربى والدول العربية «المتشاطئة» على البحر الأحمر فى مسعى إثيوبى خبيث لخلق واقع ديموجرافى جديد من خلال السيطرة على مداخل البحر الأحمر، والإضرار بحركة التجارة والملاحة العالمية، مؤكدا فى نهاية كلمته موقف دولة الصومال الرافض لتلك الخطوة، ورفض المساس بشبر واحد من الأراضى الصومالية.
أعتقد أن المخطط الشيطانى الإثيوبى ليس وليد الصدفة، لكنه مخطط مدروس بعناية، حيث كشف عنه آبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، فى أكتوبر الماضى، حينما ألقى خطابا أمام البرلمان الإثيوبى تحدث فيه عن أطماع إثيوبيا ورغبتها فى الوصول إلى المياه الدافئة، من خلال ميناء سيادى على البحر الأحمر عبر إريتريا أو الصومال أو جيبوتى، وحينما اصطدمت أطماعه بسيادة الدول ووحدة أراضيها لجأ إلى إقليم انفصالى غير معترف به من أى دولة من دول العالم، معتقدا أنه يمكن أن يفلت بـ«جريمته»، ويحقق أغراضه «الخبيثة».
الاتفاق الباطل والمشبوه أثار موجة غضب عالمية ومحلية، حيث رفضته القوى الفاعلة فى العالم، والمنظمات الأممية الإفريقية والعالمية، إلا أن رد الفعل الصومالى كان الأكثر قوة، حيث خرجت المظاهرات الحاشدة إلى شوارع الصومال مطالبة بإلغاء الاتفاق، وانتشرت الدعوات الصومالية لمقاطعة كل ما هو إثيوبى، ردا على الاعتداء على سيادة ووحدة الأراضى الصومالية.
فى الاتجاه نفسه اصطفت القوى الصومالية الفاعلة والأحزاب السياسية، والشخصيات الصومالية المؤثرة ضد الأطماع الإثيوبية، وأعلن الرئيس الصومالى السابق، وحليف آبى أحمد قبل ذلك «محمد عبدالله فرماجو» رفضه الاتفاق، واتخذ الموقف نفسه رئيس الوزراء الصومالى السابق «محمد حسين روبلى»، كما رفض هذا الاتفاق المشبوه أعضاء مجلسى الشعب والشيوخ فى البرلمان الصومالى.
حتى داخل الإقليم الانفصالى نفسه رفض وزير الدفاع فى الإقليم الانفصالى «عبدالغنى محمود عاتيبى» هذا الاتفاق المشبوه، واستقال من منصبه يوم الأحد الماضى احتجاجا على الاتفاق مع إثيوبيا، مشيرا إلى «أن إثيوبيا لا تريد البحر والميناء فحسب، لكنها تريد الاستيلاء على أرضنا»، بحسب تعبيره، مضيفا أن «موسى بيحيى عبدى»، الرئيس الانفصالى، لم يتشاور مع وزرائه الذين سمعوا بالتوقيع على مذكرة التفاهم عبر وسائل الإعلام، مؤكدا فى الوقت نفسه أن أطماع آبى أحمد لا تنتهى، وأنه يريد امتلاك المنطقة البحرية لا استئجارها، ومحذرا فى الوقت نفسه من أنه لن يتم السماح بالاستيلاء على الأراضى الصومالية مهما كان الثمن والتكلفة.
لم يكن موقف وزير الدفاع فى الحكومة الانفصالية هو الموقف المشرف الوحيد، وإنما جاء هذا الموقف متماشيا مع رفض مواطنى الإقليم الصومالى الانفصالى «أرض الصومال» تلك الاتفاقية الباطلة، حيث خرجت مظاهرات حاشدة رافضة لها فى مدن عدة بإقليم أرض الصومال، ورفع المتظاهرون شعارات مناهضة لتلك الاتفاقية، وأعربوا عن دعمهم الحكومة الصومالية السيادية لحماية وسيادة البلاد ووحدة أراضيها.
على المستوى نفسه جاء الموقف المصرى الرافض لتلك الاتفاقية المشبوهة على لسان وزير الخارجية سامح شكرى، أمام اجتماع الجامعة العربية يوم الأربعاء الماضى، حينما دعا إلى احترام سيادة ووحدة الأراضى الصومالية، محذرا من السياسات الأحادية لإثيوبيا المخالفة لقواعد القانون الدولى، ومبادئ حسن الجوار، مما جعل إثيوبيا مصدرا لبث الاضطراب فى محيطها الإقليمى.
بالفعل لقد باتت إثيوبيا مصدرا للاضطراب فى محيطها الإقليمى، وهى تصر على إلحاق الضرر بالدول المجاورة، وتلجأ إلى «المناورة» والتسويف والمماطلة لتنفيذ مخططاتها الشريرة، كما تفعل حتى الآن فى ملف السد الإثيوبى، الذى تصر على السير فى نهجها الأحادى، والإضرار بمصالح دولتى المصب مصر والسودان.
تتهرب إثيوبيا من التزاماتها تجاه دولتى المصب، وتريد الاستمرار فى المفاوضات إلى ما لا نهاية، لتنفيذ مخططها فى «ملء وتشغيل السد بشكل انفرادى»، دون مراعاة للمصالح التاريخية والحياتية لدولتى المصب، ودون الالتزام بالمعايير الفنية والضوابط الهندسية فى بناء السد وتشغيله، مما يهدد بكارثة خطيرة وغير مسبوقة فى حالة تصدع أو انهيار السد، طبقا لما حذر منه العديد من الخبراء الدوليين والمكاتب الاستشارية الدولية المتخصصة فى هذا الصدد.
رفضت مصر «العبث الإثيوبى»، وأعلنت وقف المفاوضات بعد التزامها بحسن النيات لمدة تزيد على عشر سنوات حتى الآن، والقبول بالمفاوضات المباشرة، أو حتى المظلة الإفريقية، أو تلك التى كانت بالرعاية الأمريكية، إلا أن التعنت الإثيوبى أفسد كل تلك المفاوضات لتصل الأمور إلى «الحائط المسدود» الحالى.
المؤكد أن الخطوة الإثيوبية الأخيرة وتدخلها السافر فى وحدة وسيادة أراضى الصومال، وتشجيعها للحركات الانفصالية، ودفعها إلى تفتيت وحدة الدول أظهر الوجه القبيح لحكومة آبى أحمد، وأنها باتت بالفعل مصدرا للاضطراب فى محيطها الإقليمى، مما يزيد من عزلتها قبل أن تتحول إلى كرة نار تشعل المنطقة بكاملها، وتهدد السلم والأمن الإقليمى والعالمى.
التعليقات