العالم العربي والصين تاريخ من التعاون الممتد

يرتبط العالم العربي بتاريخ طويل من الشراكات والتعاون الذي يجمعه مع الحضارات الممتدة ومن تلك الحضارات  والعلاقات التي ارتبط بها العالم العربي منذ القدم مع الصين ، فيمتلك الجانبان أثنين من أقدم الحضارات التي عرفها العالم ،كما يجمع بين العالم العربي والصين العديد من العوامل المشتركة التي تعزز التعاون الذي يشهد تزيدا ملحوظا في السنوات الأخيرة ، وتتضح خطاه وآثاره الجلية في مبادرة الحزام  والطريق وبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك .

فيؤكد الباحثون والخبراء الارتباط التاريخي الممتد الذي يجمع بين الصين والعالم العربي على مدى عقود عديدة تبلغ نحو ألفي عام من التواصل الفعال والذي تدعمت وتيرته في السنوات الأخيرة بما يجسد قيم الصداقة والتكاتف من أجل تعزيز التعاون الدولي  في مواجهة التحديات المتنوعة .

وتؤكد الدراسات علي الترابط الفعال بين الصين والعالم العربي بما يخدم ويعزز المصالح المشتركة ويرسخ التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية ويؤكد الخبراء والباحثون أن التعاون بين الصين والعالم العربي مستمر ومتنام ويشهد انعقاد العديد من الفعاليات المشتركة التي تعزز العلاقات المشتركة مع الدول العربية وقد أجرت قناة CGTN دراسة حول العلاقات العربية الصينية وركزت علي دول ” مصر والسعودية والعراق والجزائر والإمارات ” والتي تأتي متزامنة مع مرور عام من انعقاد القمة الصينية العربية في الرياض عام 2022 حيث مثلت تجمعا دبلوماسيا رفيعا بمشاركة العديد من الدول العربية و دول مجلس التعاون الخليجي وذلك بالتزامن مع الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية، كانت القمة بمثابة تتويج لحقبة حافلة بالتطور والنمو في العلاقات الصينية العربية التي بدأت في 1956.

 حيث كانت مصر ” الدولة المحورية في العالم العربي وافريقيا ” في طليعة الدول التي أسست علاقات دبلوماسية مع الصين وكانت بمثابة البوابة الرئيسية لتعزيز العلاقات الممتدة بين الجانبين. ويؤكد الخبراء والباحثون علي أن التعاون بين الجانبين يحقق التنمية الفعلية والمتكاملة التي تشمل مختلف المجالات، حيث تركز الصين على تعزيز التعاون في الجوانب الاقتصادية والتجارية وتطوير البينة التحتية بما يحقق النمو المستدام، ويتزامن ذلك مع ما تشهده العديد من الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسعودية من مشروعات تطوير كبرى تشمل مختلف المجالات، فيؤيد المشاركون في الدراسة بنسبة 57.3% ما يحققه التعاون مع الصين في تعزيز البنية التحتية في العالم العربي.

كما تسعى الصين لتوسيع تعاونها مع الدول العربية في مجالات: الزراعة والاستثمار والبنية التحتية وصناعات التكنولوجيا الفائقة والتمويل والغذاء والطاقة، ويعكس ذلك مدي التنوع في المشروعات البنية التحتية التي تنفذها الصين باستثمارات ضخمة مع الدول العربية بما يحقق التنمية المستدامة التي يتطلب تحقيقها تنفيذ مشروعات عملاقة تشمل مختلف القطاعات التنموية.وأظهرت البيانات أن الصين تعد من أهم الشركاء التجاريين لمصر على مستوى العالم، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، العام الماضي نحو 16 مليار دولارا، ومنذ عام 2001، ظلت السعودية أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ عام 2013، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، كما أرتفع حجم التبادل التجاري بين الإمارات العربية المتحدة والصين إلى مستوى تاريخي، وأرتفع حجم التبادل التجاري بين الصين والعراق بزيادة قدرها 43.1 بالمائة على أساس سنوي فيما شاركت الشركات الصينية في تشييد وتنفيذ أكثر من 80 مشروعاً كبيراً في الكويت وكذلك في العديد من الدول العربية الأخرى، وهكذا تؤكد المؤشرات الأخيرة أن حركة التجارة بين العالم العربي والصين والعالم العربي تسير بخطي واسعة، وأصبحت الصين حاليا أكبر شريك تجاري للدول العربية .

هذا وتشارك الصين في المناطق الصناعية بالدول العربية لتعزيز المشروعات بها ومنها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مصر، والمدينة الصناعية الصينية العمانية في الدقم، والمنطقة الصناعية السعودية الصينية في جازان، والمنطقة التجريبية الصينية الإماراتية للتعاون الطاقوي بما يعزز العلاقات المستمرة والمشتركة.

 ويؤكد الخبراء والمتخصصون إلى أن التقارب الفكري والحضاري والإنساني من أقوى الدعائم لتحقيق وتعزيز العلاقات بين الأمم فالتفاهم والترابط بين البشر يمثل الضمانة الأساسية والفعلية لتوحيد المواقف والرؤى وتعزيز التعاون على كافة المستويات وهذا ينطبق على العلاقات الصينية العربية حيث يجمع بين الشعبين الكثير من القواسم المشتركة في ظل تاريخ يضرب بجذوره في عمق الأرض وحاضر مشرق للتعاون، حيث رأى 81.22% التعاون الصيني العربي في الجوانب الثقافية والإنسانية متناميا ومزدهرا، وأيد 53.76% أن التعاون مع الصين يحقق تقارب الشعبين ويعزز حوار الحضارات خاصة التبادلات في مجال الصحة والأنشطة الرياضية والبرامج المشتركة بالإضافة إلى تعزيز التبادلات التكنولوجية الحديثة وتوظيفها والتعليم وتبادل المعارف وإنشاء المراكز الثقافية بين الطرفين وتعزيز التبادل العلمي والأكاديمي بين الطرفين والحوار الحضاري والتواصل الإنساني من خلال الفعاليات المتبادلة والمراكز الثقافية للجانبين الصيني والعربي ، بما يساهم بفاعلية أن يبلغ التوافق والانسجام السياسي والتعاون الاقتصادي والتجاري أعلى المستويات بين الجانبين.

كما يؤكد الخبراء والباحثون أن التاريخ يلعب دورا بارزا ، فيعود التقارب بين  الصين والعرب إلى تاريخ يضرب بجذوره في العمق ويتعزز الترابط  والتفاهم الذي يقوم على المنفعة المتبادلة والعلاقات التجارية والثقافية التي تم إرسائها منذ القدم من خلال طريق الحرير القديم وامتدت أوصراها حتي الحاضر مع تطلع لتعزيزها وترسيخها من الجانبين من خلال الآليات المختلفة التي تربط بين مختلف الجهات والأبعاد والمجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والفكرية وغيرها بما يؤكد استدامة العلاقات الطيبة والمثمرة والمزدهرة بين العالم العربي والصينالصين والعالم العربي.وينتهج الجانبان الصيني والعربي خطوات عديدة من أجل تعزيز التقارب الثقافي والإنساني والتبادلات العلمية والأكاديمية وتحقق التقارب الفعلي للشعوب، فقد أجرى الجانبان تعاونا متنوعا في مجالات الشباب والإعلام والتعليم والثقافة والصحة والإذاعة والتلفزيون، مما وسع التبادل الإنساني والثقافي وعمق تفاهم الجانبين.وتشير التقارير أنه منذ عام 2013، قامت الصين بتدريب 25 ألف كفء من مختلف التخصصات للدول العربية، وقدمت حوالي 11 ألف منحة دراسية حكومية لها، وأرسلت 80 فريقا طبيا متكونا مما يقرب من 1700 فردا، وقد أعلنت عدة دول عربية عن إدراج اللغة الصينية في منظومة التعليم الوطني لها، فأدرجت مصر والسعودية وغيرهما من الدول العربية اللغة الصينية في المناهج الدراسية الوطنية، فدائما ما تلعب اللغة دورا فعالا ورئيسيا في تعزيز الحوار الحضاري ويوجد العديد من معاهد كونفوشيوس وفصول تعليم اللغة الصينية حول العالم وفي الدول العربية بهدف تعزيز التواصل وتعلم اللغة الصينية، ففي مصر، يوجد ثلاثة معاهد، أحدها في جامعة القاهرة وقد تأسس في عام 2007، والثاني في جامعة قناة السويس وقد تأسس في عام 2008، والثالث في جامعة عين شمس الذي تمت ترقيته من فصل إلى معهد في عام 2021، وقام معهد كونفوشيوس بجامعة القاهرة بفتح فروع في العديد من الجامعات الأخرى، ومنها جامعة فاروس بالإسكندرية، جامعة بنها، جامعة الفيوم، إلى جانب فروع أخرى في العديد من المدارس الثانوية والإعدادية والابتدائية، وكذلك معهد كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية في جامعتي زايد ودبي، كما افتتحت المملكة العربية السعودية معهد كونفوشيوس في جامعة الأمير سلطان في عاصمة المملكة الرياض، كما يوجد العديد من معاهد تعليم اللغة الصينية في العالم العربي ،كما تم إثراء وتعزيز حركة الترجمة من الصينية والعربية والعكس في الآونة الأخيرة الأمر الذي يعزز التبادل الثقافي والفكري بين الجانبين، كما يلعب التعاون والتبادل الإعلامي دورا فعالا في تعزيز التشارك بين الجانبين وهناك العديد من اللقاءات والقمم التي تجمع بين الإعلاميين من الصين والعالم العربي ومنها على سبيل المثال منتدي التعاون العربي الصيني في مجال الإذاعة والتليفزيون، وفي سياق متصل تلعب المراكز الثقافية الصينية في الدول العربية دورا فعالا في دعم وتعزيز العلاقات الصينية العربية من خلال تنظيم الفعاليات المشتركة التي تعكس وتجسد الثقافة الصينية وتقدمها إلى الشعوب العربية ونقل الفنون والأدب والإبداع الصيني في كافة المجالات الثقافية والأدبية المتعددة، كما تقام الفعاليات المعارض بين المتاحف الصينية والعربية بما يعزز الترابط الحضاري التاريخي بين الصين والعالم العربي. 

وتؤكد الفعاليات المتعددة والأنشطة المميزة علي رغبة الطرفين الصيني والعربي في تعزيز العلاقات الإنسانية والتبادلات التي تعزز الحوار الحضاري والترابط الثقافي بين الجانبين ، فتزايدت خلال العام الجاري حركة الترجمة و التبادلات اللغوية واللقاءات المنفذة من أجل التبادل المعرفي والحضاري بما يعزز حلقات التواصل ، ومن أبرز الأمثلة علي تلك الفعاليات خلال العام الجاري علي سبيل المثال إقامة منتدى التعاون الصيني العربي تحت عنوان: «حوار الحضارات من أجل تنمية مستدامة»، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون في نهاية شهر أكتوبر الماضي والتي استضافتها دولة الإمارات وشارك فيها وفود الدول العربية وممثلو جامعة الدول العربية وتحدث خلالها ” تشاي جون ” مبعوث الحكومة الصينية الخاص إلى الشرق الأوسط  ورئيس الوفد الصيني، وكذلك رئيس وفد جامعة الدول العربية مؤكدا عمق العلاقات العربية الصينية ، كما أكدت وفود الدول العربية  أن ما يربط بين الجانبين علاقة تاريخية شهدت تطوراً كبيراً في المجالات كافة، وأن ما يربط بين الجانبين قوامه التمسك بمبادئ احترام الثقافات والتسامح والمساواة وترسيخ السلام والاستقرار، بما يحقق التنمية المستدامة والنمو والازدهار وتضمن جدول أعمال الدورة العاشرة للندوة التي استمرّت يومين عدداً من الموضوعات المهمة التي صبت في أربعة محاور، وهي “التقارب الحضاري كمدخل للتواصل والتعايش السلمي، واحترام الثقافات وترسيخ الأخوة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية، والحوار الحضاري قوة لتقدم وازدهار المجتمع البشري، والدعوة للسلم والحوار كأساس في ترسيخ السلام والاستقرار ، بما يؤكد عمق وقوة وترابط العلاقات بين الجانبين وأن التواصل الحضاري والإنساني متواصل ومبني علي أواصر تاريخية قوية .كما عقدت في يوليو 2023، في مدينتي بكين وتشينغداو بالصين، الدورة الثالثة للحوار حول التبادلات بين الحضارات والتعلم المتبادل، والدورة الأولى للمؤتمر العالمي للعلماء والخبراء المهتمين بالدراسات المتعلقة بالثقافة واللغة والآداب الصينية (ساينولوجي) ، بمشاركة الخبراء والباحثين والمهتمين بالدراسات الصينية من العالم والدول العربية  بما يعزز الترابط بين شعوب عبر اللغات والآداب والثقافات والحضارات ، وكان الحدث معبرا ومترجما عن القيم العالمية للسلام والتنمية و أن التبادلات الثقافية هامة للغاية في تعزيز التعلم المتبادل والتعايش والحوار الحضاري .كما أقيم في منتصف يونيو الماضي ، حفل لإطلاق إصدارات جديدة ضمن برنامج مكتبة “الحزام والطريق” للصداقة الصينية العربية، وذلك خلال معرض بكين الدولي التاسع والعشرين للكتاب، حيث تم إعلان 10 كتب صينية وعربية تغطي موضوعات مختلفة بحضور صيني وعربي ، بما يعزز العلاقات بين  الجانبين ويرسخ جسور التواصل ،الجانبين  وقد بدأ التعاون لإطلاق برنامج مكتبة “الحزام والطريق” للصداقة الصينية العربية منذ عام 2016،  من خلال جمعية الصداقة للشعب الصيني مع البلدان الأجنبية، وجمعية الصداقة الصينية العربية، وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، ودار النشر التابعة لجامعة بكين لإعداد المعلمين، ليتم إطلاق البرنامج رسمياً خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2017، بما يدفع التبادل الأكاديمي، ويجسد  التواصل المعرفي، والحوار الثقافي بين الصين والعالم العربي.

وكان من بين الفعاليات الهامة التي عززت التعاون الصيني العربي الحدث الثقافي الفني الهام ويتثمل في المعرض الفني الذي أقيم في أبريل الماضي في القاهرة بمصر بعنوان “التقاء الفنانين في طريق الحرير”، ونظمته وزارتا الثقافة الصينية والمصرية وجامعة الدول العربية، وضم 47 عملا فنيا لفنانين عرب و40 عملا من الرسم والخزف الفني من إبداع الفنانين الصينيين ضمن الأعمال التي تجسد عواطفهم الحقيقية وجهودهم لدفع الصداقة “الصينية العربية في مجال الفن وأفتتحه كل من وزير الثقافة والسياحة الصيني  “هو خه بينغ” مؤكدا أن الصداقة بين الصين والدول العربية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ وتتجدد على مر الزمان، وحقق التبادل والتعاون بين الصين والدول العربية في مجالي الثقافة والسياحة إنجازات مثمرة ، مؤكدا  أن وزارة الثقافة والسياحة الصينية تحرص على العمل مع الجانب العربي لتطبيق إنجازات القمة الصينية العربية الأولى بنشاط والاستمرار في تعميق التعاون في مجالي الثقافة والسياحة، متمنيا أن يواصل الفنانون الصينيون والعرب بذل الجهود لتعزيز الصداقة الصينية العربية وزيادة التفاهم بين الشعوب  ،ومن جانبها أكدت وزيرة الثقافة المصرية ” نيفين الكيلاني ” أن افتتاح معرض “التقاء الفنانين في طريق الحرير” يأتي تقديرا للدور البارز الذي لعبه طريق الحرير عبر قرون عديدة في تعزيز التبادل الثقافي بين الدول، أنه بالإضافة إلى دوره الأساسي كممر تجاري، كان لهذا الطريق دور كبير في إثراء الحضارات القديمة وفي مقدمتها الحضارتين المصرية والصينية وهكذا كان المعرض حدثا يعزز ويؤكد التواصل الفكري والحضاري والإنساني بين الجانبين واثنين  من أقدم الحضارات التي عرفها العالم.

بالتزامن مع "آسيا إن"

التعليقات