مظاهرات أوروبا"العارمة".. هل أحرجت القادة الأوربيين؟

مظاهرات أوروبا"العارمة".. هل أحرجت القادة الأوربيين؟

صلاح سليمان

أمس وأول أمس وكل يوم تقريبا تجوب المظاهرات العارمة شوارع أوربا وأمريكا وكل العالم تقريبا للتنديد تارة بما يحدث في غزة ، وتارة أخري بالانحياز الغربي الكامل إعلاميا وسياسيا تجاه إسرائيل، وفي كل المظاهرات، طالب المتظاهرون بتحرير فلسطين، ووقف إبادة أهالي غزة، والإسراع في توصيل المساعدات الإنسانية إلي القطاع.

أعلام فلسطين في سماء ألمانيا

منذ ان أباحت السلطات الألمانية حق التظاهر لمناصرة أهالي غزة المنكوبين، فإن المظاهرات الأسبوعية في ميونيخ لاتتوقف، أعلام فلسطين ترفرف في سماء ميونيخ والمتظاهرون يطالبون بوقف اطلاق النار، حوالي 20 ألفا متظاهر أو  أكثر تمتلئ بهم شوارع وسط المدينة كل نهاية اسبوع، يصدحون بالأغاني الوطنية الفلسطينية، ويحملون الشعارات المنددة بالمحرقة التي تدور رحاها على أرض غزة، مظاهرات غير مسبوقة امتلأت بالحماس وسارت بشكل قانوني محترم دون الإخلال بالنظام العام، لقد تعرضت للحظر من قبل الشرطة عدة مرات قبل أن تسمح لها المحكمة الإدارية أخيرا بالخروج.

في مدينة دسولدورف الكبيرة أيضا خرجت مظاهرة كبيرة، تعدت الستة آلاف متظاهر وفق بيان الشرطة، بينما أكد شهود عيان أن العدد فاق ذلك بكثير، وفي مونستر خرج ألف شخص، وتقريبا كل المدن الألمانية شهدت فعاليات للتنديد بما يحدث في غزة، وعلي الصعيد الآخر خرجت أيضا مظاهرة مؤيدة لإسرائيل شارك فيها 700 شخص وفق بيان الشرطة في برلين وتمت تحت شعار "التحالف ضد معادة السامية".

مظاهرات مختلفة

الفرق بين شكل المظاهرات المؤيدة لكلا الطرفين الفلسطيني والأسرائيلي مختلفة جدا، ففي الحالة الفلسطينية هناك تأييد واسع من الجاليات العربية والإسلامية والألمان المؤيدين للعدل والإنسانية والمتعاطفين مع حقوق الإنسان، وحقوق الشعب الفلسطيني، أما في المظاهرات الأخرى المؤيدة لإسرائيل فإنها ليست شعبية بالمفهوم الذي نعرفه، إنما هي سياسية تدور في إطار معادة السامية... ففي 22 أكتوبر الجاري أمام بوابة براندنبورج التاريخية في برلين نظمت جمعية الصداقة الإسرائلية الألمانية بمشاركة أحزاب سياسية، وطوائف دينية، ونقابات عمالية مظاهرة، تحدث فيها الرئيس الألماني فرانك شتاينماير والسفير الإسرائيلي وغيرهم مؤيدين حق التظاهر  ضد معادة السامي، وتجاهلوا تماما حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولة له وفق مقررات الأمم المتحدة.

حظر التظاهر في برلين

الأمرمختلف بالنسبة لتنظيم مظاهرات فلسطينية في برلين، رغم أن فيها أكبر جالية فلسطينه تعيش في عاصمة أوروبية، فقد حظرت المظاهرة التي أعدت لها الجالية،  بعد ما أصدرت الشرطة مذكرة من 12 صفحة بررت فيها أمر الحظر فيما تري الجالية  أن هناك تعسفا ضد الجهر برأيهم في قضيتهم، فهم لاجئون فلسطينيون محرومين من حقهم في العودة إلى وطنهم المحتل والمستعمر لأكثر من 75 عام، وأيضا في حقهم في التعبير عن رأيهم فيما يدور في وطنهم المحتل، ومع تكرار الطلب واللجوء للمحكمة سمحت السلطات اخيرا بالتظاهر ورفع الاعلام الفليسطينية في برلين.

ليست برلين وحدها التي جاء قرار حظر المظاهرات فيها من قبل المحكمة الإدارية قبل أن تعود وتسمح بها، إنما مقاطعات أخري وكان المبرر أن المظاهرات قد تشكل "خطرا مباشرا على الأمن والنظام العام"، أي قد يكون هناك توقع لارتكاب جرائم جنائية، فالأمر كان مربكا أمام السلطات كذلك للتفريق بين رفع أعلام حماس والمقاومة الفلسطينية المحظورة، وأعلام الدولة الفلسطينية المسموح بها في القانون الألماني، جدير بالذكر أن الفقرة الأولى في المادة الثامنة من الدستور الألماني تقول: "إنه يحق لجميع الألمان التجمع بشكل سلمي بلا سلاح دون تسجيل أو طلب إذن ويتعين وجود مبررات مفهومة ومعقولة من جانب الشرطة في حالة تقييد هذا التجمع وفرض حظر على المظاهرات.

لأشك أن ألمانيا ليست طرفا في النزاع بين فلسطين وإسرائيل، لكن قوة ألمانيا السياسية والاقتصادية دفعت المتظاهر والمقيمين في أراضيها إلي القيام بمظاهرتهم ذات الصوت المسموع لمحاولة إرسال رسائل إلي المستشار الألماني أن يكف عن الانحياز إلي إسرائيل ولعب دور أكثر في استقرار السلام في المنطقة المشتعلة.

القرار أمريكي

الجميع يعرف أن ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ما زالت تابعة للسياسة الأمريكية، ولم تتخلص منها بعد، ورغم خسارتها المليارات من الحرب الاوكرانية الروسية الخاسرة ظلت تتبع الهوي السياسي الامريكي، فهي مازالت بها قواعد عسكرية أمريكية، ومركزا لوكالة المخابرات الأمريكية، وبها 40 مؤسسة أمريكية عسكرية، وحوالي 29 ألف عسكري ، وثارت ضجة في ألمانية قبل سنوات عندما اكتشفوا فضيحة تجسس الوكالة علي مكالمات المستشارة السابقة ميركل أثناء تأدية مهام عملها.

فرض السيادة الشعبية

إن حكام الغرب الذين انحازوا إلي طرف علي حساب طرف آخر، دون مراعاة لحقوق الشعب الفلسطيني، هو الذي دفع الناس إلي الخروج بهذا الشكل المكثف، وإرسال رسائل قوية إلي الساسة الأوربيين، أن الجاليات علي وعي كامل بالقضية الفلسطينية، وأن أبواق الإعلام الغربي قد فشلت في غسل أدمغتهم رغم تعاقب الأجيال، وإذا كانت مظاهرات أوربا اليوم تسجل ارقاما غير مسبوقة ، لاسيما  مظاهرات لندن التي تعدت 300 ألف شخص ، فإنها كذلك أيضا في ميونيخ وفي البرازيل وكندا والبوسنة وفرنسا وكل عواصم العالم تقريبا، انها يقظة الشعوب وسيادتهم، التي  ستكون السبب الأساسي في فرض القضية الفلسطينية علي الأجندة السياسية العالمية رغم أنف المعارضين.

uploads/files/mebusiness.ae_1699950615_1.jpeguploads/files/mebusiness.ae_1699950615_2.jpeguploads/files/mebusiness.ae_1699950615_3.jpeg

التعليقات