تعرف على أسباب ثورة الفرنسيين ضد إصلاحات ماكرون في قانون العمل

موجة من الغضب العارم تجتاح فرنسا بعد إدخال حكومة الرئيس ايمانويل ماكرون عدة تعديلات على قانون العمل التي تسببت في حالة من الاضرابات والتظاهرات على مدار الفترة الماضية.

فرنسا التي تبلغ نسبة البطالة فيها 10 % تعود للاشتعال مرة أخرى بعد احتجاجات العام الماضي على تعديلات في قانون العمل أيضا في محاولة من الرئيس ماكرون لإيجاد فرص عمل جديدة عبر منح الشركات مرونة في المعاملات.

وخلال الأيام الماضية قام البرلمان الفرنسي بإعطاء الإذن للحكومة بإصلاح قانون العمل بمعزل عن البرلمان، وأقر مجلس الشيوخ قانونا يمنح الحكومة صلاحية إصلاح قانون العمل بمراسيم.

وبموجب هذه الطريقة التي تندد النقابات بها، فإن البرلمان لن يناقش الإصلاحات التي تدخل على قانون العمل ولكنه سيكتفي بالاطلاع عليها في بداية العملية ونهايتها فقط الأمر الذي جعل المعارضة الفرنسية تتحرك ضد هذه الخطوات الحكومية وأطلقت على هذه الإصلاحات بأنها "قانونا لتدمير المجتمع"، ودعت نقابتان أساسيتان إلى التحرك لمواجهة هذه الخطوات الحكومية، فيما دعا اليسار الراديكالي إلى تجمع شعبي.

وقال الرئيس الفرنسي ماكرون إن الهدف من إصلاحه لقانون العمل هو خفض نسبة البطالة في فرنسا من 9,4% حاليا إلى 7% في نهاية ولايته العام 2022، وأيضا اكتساب ثقة ألمانيا مجددًا التي تطالب بإصلاحات بنيوية في فرنسا منذ فترة طويلة، كما أن فرنسا تنوي المضي في قيادة أوروبا بالتعاون مع ألمانيا في الوقت الذي تبتعد فيه الولايات المتحدة عن المشهد.

وتنوي الحكومة الفرنسية العمل سريعا على إقرار هذه الإجراءات التي ستؤدي بحسب الحكومة إلى إعطاء مزيد من الحرية ومزيد من الحماية للشركات، وتنوي وزارة العمل تقديم تفاصيل الإصلاح إلى المنظمات النقابية ومنظمات أرباب العمل على أن تدخل حيز التنفيذ على الفور، شرط قيام البرلمان لاحقا بالموافقة عليها.

ومن أهم ما سيتضمنه الإصلاح الجديد لقانون العمل، وضع سقف إجباري لقيمة العطل والضرر جراء صرف تعسفي، والسماح للمجموعات التي لا يعتبر نشاطها مربحًا في فرنسا بالصرف حتى لو كانت هذه الشركات مزدهرة جدًا على مستوى العالم، وضع عقود عمل جديدة تتيح الصرف في نهاية عمل محدد.

هذه البنود أثارت حفيظة النقابات العمالية، والتي اعتبرت أن هناك خطوط حمراء لا يجب تخطيها كمرونة عقود العمل لفترة زمنية محددة، وعقود العمل لأجل غير محدد الذي يجري العمل به في قطاع البناء، والتفاوض من دون ممثل نقابي في الشركات الصغرى والمتوسطة، إذ تأمل الحكومة في أن يتفاوض ممثل عن العمال مباشرة مع رئيس العمل.

وبالرغم من أن هذه البنود تثير تخوف غالبية الموظفين والنقابات العمالية، إلا أن أرباب الأعمال ينتظرونها بفارغ الصبر، حيث وجدوا فيها الكثير من المزايا التي تترك لهم هامش أكبر من الحرية في التعامل مع موظفيهم.

وتبرر الحكومة الفرنسية إصلاحات قانون العمل الجديدة من خلال محاولة رئيس الوزراء إدوارد فيليب عرض وجهة النظر الحكومية تجاه هذه الإصلاحات في حديث مع جريدة لوباريزيان في 3 أغسطس الجاري، والذي أكد فيها أن الإصلاح المرتقب يهدف بالأساس إلى تحرير سوق العمل وجعله أكثر مرونة ولكنه يحمي في الوقت ذاته الموظفين، مؤكدًا أن مهمته هي تنفيذ تعليمات الرئيس ماركون للنهوض بالبلاد.

وأشار فيليب أن القانون يحتوي على نقاط إيجابية للموظفين أيضا وليس لأرباب العمل فحسب، مثل زيادة التعويضات في حال الفصل التعسفي، موضحًا أننا نريد تسهيل العلاقة بين صاحب العمل والعامل، وعدم الذهاب إلى محاكم العمل التي تستغرق وقتا طويلا في البت في القضايا والضبابية حول القيمة التعويضية ليست في صالح العامل ولا رب العمل.

وحول التظاهرات التي تعتزم النقابات والمعارضة تنظيمها، قال فيليب إن الشعب الفرنسي في حاجة إلى حلول وليس إلى مزيد من العقبات، وإصلاح قانون العمل، كان أحد الوعود الانتخابية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ومن جانب أخر ظهر استطلاع للرأي أوضح معارضة غالبية الفرنسيين للإصلاحات الجديدة حيث يرى قسم من المعارضة في ذلك الإصلاح قانونا لتدمير المجتمع، وبدأت المعارضة اليسارية والنقابات العمالية حشد صفوفهما لتنظيم احتجاجات ضخمة رفضا للتعديلات.

وأولى هذه المظاهرات ستكون غدا والتي دعت إليها النقابات العمالية في حين ينظم حزب اليسار الراديكالي "فرنسا الأبية" الذي يتزعمه جان لوك ميلنشون إلى مظاهرة أخرى في 23 من الشهر الجاري.

وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد "أوبنيون واي" نشر الأربعاء أن 68% من الفرنسيين يعتقدون أن إصلاحات قانون العمل ستكون في صالح أرباب الأعمال وستؤثر سلبا على حقوق الموظفين والعمال، وعبر 63% منهم عن اعتقادهم أن التعديلات المقترحة غير ملائمة لسوق العمل.

وكان قد جه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند تحذيرًا شديدًا إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، للمرة الأولى منذ تولي الأخير الرئاسة، وحثه على عدم الذهاب بعيدًا في إصلاح قانون العمل.

ودعا الرئيس الاشتراكي خلفه الوسطي الذي كان مستشاره القريب ووزير الاقتصاد خلال ولايته إلى عدم الطلب من الفرنسيين تقديم تضحيات غير مفيدة، واستغل هولاند، الذي التزم الصمت منذ مغادرته الإليزيه في مايو، ظهوره العلني خلال مهرجان سينمائي ليدلي بتصريحه هذا، وإشار إلى عدم جعل سوق العمل مرنا أكثر مما عملنا نحن في هذا المجال، خوفا من الوقوع في التعثر بحسب قوله.

وجاء هذا التحذير في اليوم الذي بدأت فيه الحكومة الفرنسية إرسال اقتراحاتها لإصلاح قانون العمل إلى النقابات وممثلي أرباب العمل، وبعد أن سجل النمو الاقتصادي والتوظيف بعض التحسن خلال الأشهر الأخيرة، دافع هولاند الذي تراجعت شعبيته كثيرا في أواخر عهده، عن سياساته خلال ولايته الرئاسية، وقال "النتائج أمامكم ... وأنا مسرور من أجل فرنسا".

التعليقات