منذ أن أطاح زلزالي " كهرمان ماراش " المدمرين في السادس من فبراير ، بمئات المبان بعشر مدن علي طول الجنوب الشرقي من تركيا ، مخلفان عشرات الآلاف من الضحايا ، فضلا عن خسائر بمليارات الدولارات ، والرعب يسيطر علي إسطنبول العاصمة التجارية والمدينة الأهم بعموم الأناضول ، ويكفي أن مطارها يحتل المرتبة السادسة ضمن أزحم مطارات العالم ( 45 مليون زائر في السنة ) ، ولأنها موصومة أصلا بتنبؤات عن زلزال قادم مخيف ـــ بقوة تتراوح ما بين 7.2 إلى 7.5 درجة في بحر مرمرة سيأخذ معه الأخضر واليابس ـــ فطبيعي أن ينتاب قاطنيها هواجس ما بعدها : بماذا سيكون مصيرهم وإلي اين المفر ؟ ، صحيح أن النزوح منها هربا لا يقارن بمثيله بالمدن المكنوبة المسكونة جنوبا بالتخوم مع الجارة الشام لكن هناك توق الهجرة ماثلا لا يبرح الافئدة الملتاعة العائق المركزي هو أن البحث عن ملاذ آمن نسبيا خصوصا في العاصمة أنقرة التي يقال أنها لوحدها استقبلت خلال شهرين ما يزيد عن مليون شخص يتطلب مالا لا يوجد في مدخراتهم المتواضعة.
وهم اسمه مليون و500 الف مسكن جديد
حزب العدالة والتنمية وفي محاولة لتهدئة المرعوبين ، كي لا يثورا غضبا وهو الذي ينتظر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستحدد مصيره في الرابع عشر من مايو ، راح يزف الوغود الوعد تلو الاخر وأمس أعلنت حكومته التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان أنه سيتم إعادة بناء مليون و 500 ألف منزل في اسطنبول في نطاق التحول الحضري تعويضا عن المباني المعرضة لخطر الزلازل (1.5 مليون ) وذلك عبر ثلاث مناطق ، "500 ألف بالمنطقة المحمية في الجانب الأناضولي ( الاسيوي ) و 500 ألف في منطقة المحمية على الجانب الأوروبي دون جلب عدد إضافي من السكان إلى اسطنبول ، و 500 ألف وسط المدينة وسيتم وضع حجر الأساس الأول للمشروع في 22 أبريل أي بعد عيد الفطر مباشرة هذا ما صرح له وزير البيئة . لكن الخبراء كان لهم راي آخر مؤداه أن فتح المساحات الخضراء للبناء ليس هو الحل هذا أولا ، وثانيا لا توجد أرض بهذا الحجم وفقًا لما ذهبت إليه بلدية إسطنبول نفسها والغرف المعمارية المهنية ، وثالثا المناطق المذكورة بعيدة كل البعد عن حل مشكلة البناء المقاوم للزلازل ، فضلاً عن مخاطر زيادة السكان والخرسانة التي ستضيف عبئا هائلا علي البنية الجيولوجية اسطنبول. وبحسب معماري متخصص فما قله الوزير لا يمت للواقع بصلة فبناء مليون منزل في مناطق جديدة فهذا يعني نقل ما يقرب من 4 ملايين شخص اليها : مليونان غربا ومثلهما شرقا ، اي نقل ربع السكان وهو ما سيتطلب العشرات من مرافق التعزيز مثل المدارس والمستشفيات وخطوط النقل والبنية التحتية والحدائق ، بالإضافة إلى الإسكان باختصار لا يمكن بناء مستوطنات جديدة بمباني شديدة الكثافة .
القضية الآن إنقاذ الأشخاص الذين ينتظرون الزلزال
أذن تصريحات الوزير ليست سوى شعارات شعبوية لا منطق لها فضلا علي افتقادها إلي الاسانيد العلمية في مجال الانشاء ، فقط هي للاستهلاك الدعائي لحصد الاصوات الانتخابية ! فقد تجاوزت إسطنبول بالفعل جميع العتبات الطبيعية من حيث المناطق التي انتشرت وشيدت فيها لذا ، إذا فتحت اسطنبول بأكملها من الغرب إلى الشرق ومن الجنوب إلى الشمال ، فلن يكون من الممكن إنتاج منطقة مخططة يمكنها بناء مليون منزل إضافي في اسطنبول الآن. فهذا لا يمكن أن يحدث وإلا سيتم تدمير الغابات وبالتالي فحل المشكلة في اسطنبول لن يكون سوى بتدميرها اسطنبول؟ واستنادا لما أشار إليه رئيس فرع اسطنبول لغرفة مخططي المدن " بيلين بينار جيريتلي أوغلو " لوسائل إعلام فبناء بهذا الحجم سوف يفرض أعباء جديدة على سكان اسطنبول ، لافتا الانتباه إلى حقيقة أنه لا توجد خطة فيما يتعلق بالهياكل الخطرة الحالية والمناطق المحفوفة بالمخاطر ، وهي القضية الرئيسية في اسطنبول. وبحسب جيريتلي أوغلو ، فالقضية في الوقت الحالي ، يجب أن تكون إنقاذ الأشخاص الذين ينتظرون الزلزال ولا يمكنهم فعل أي شيء آخر من هذا الطريق المسدود" ، ولهذا ، من الضروري التركيز على نمط السكن الحالي من المفيد تطوير نماذج لكيفية تحولها اليوم ، العديد من المناطق في اسطنبول تعاني من مشاكل خاصة لا جدوى من الحديث عن المنازل يتم تشييدها دون مناقشة نماذج لهذه المشاكل الخاصة" ثم يضيف قائلا أن الأولوية للسلامة من الزلازل هي إعادة هيكلة المناطق المبنية الحالية وبدلاً من تدمير التوازنات الطبيعية لإسطنبول من خلال إنشاء مناطق تقسيم مناطق جديدة ، يجب أن إستعادة المناطق الطبيعية المتضررة في اسطنبول". والخلاصة التي توصل اليها المعنيين والمتخصصين هي أن المناطق السكنية الجديدة في اسطنبول يجب أن تُبنى فقط بمساحات تتسع لـ 10-15 ألف شخص ، ضمن خطة ، يجب على الإدارات المركزية والمحلية العمل معًا من أجل تطوير سكني عقلاني وواقعي على نطاق يحترم الطبيعة و الناس وإنشاء بيئات آمنة" فالمشكلة لا تُحل فقط من خلال بناء منازل آمنة ، وهذا يتطلب مساحات مفتوحة ومناطق تجميع للكوارث ومستشفيات ومدارس وبنية تحتية قوية لكن مع الاسف الحكومة تري أن ما سيتم فعله بعد الزلزال هو بناء مساكن فقط ومع ذلك ، إذا لم تكن البيئة بأكملها مهيأة للكوارث ، فالمباني التي سيجري غنشائها لن تكون آمنة أبدا !!
التعليقات