باحثون يتوقعون انحسار نشاط التنظيمات الإرهابية عربيا وأوروبيا في 2022

ضمن البرنامج العلمي والثقافي الذي يقيمه "مركز تريندز للبحوث والاستشارات"، على هامش مشاركته في النسخة الـ 53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، نظم "تريندز" الخميس، جلسة حوارية تحت عنوان: "اتجاهات التطرف والإرهاب عالمياً في عام 2022"، بالشراكة مع المركز الوطني للدراسات في مصر.

وألقى الكلمة الترحيبية للجلسة، التي عقدت في فندق إنتركونتننتال - سيتي ستارز في القاهرة، كل من الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، واللواء أحمد الشهابي، رئيس المركز الوطني للدراسات، وأدار الجلسة الدكتور هاني الأعصر، المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات.

د. محمد العلي: ظاهرة التطرف أخذت أبعاداً خطيرة مع ظهور التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود

وفي البداية، تقدم الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، بالشكر والتقدير إلى المركز الوطني للدراسات على حفاوة الاستقبال، وهو كرم ليس بغريب على الشعب المصري الشقيق.

وأوضح العلي أن ظاهرة التطرف والإرهاب أخذت أبعاداً خطيرة في العقود القليلة الماضية، مع ظهور التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، التي شكلت تحدياً خطيراً للدولة الوطنية، ولاسيما في العالمين العربي والإسلامِي؛ متسترة برداء الدين الإسلامي الحنيف، لتشكل تحدياً غير مسبوق لمنظومة الأمنين الإقليمي والعالمي.

وأكد أن مواجهة ظاهرة الإرهاب تبدأ بالتصدي للفكر المتطرف الذي يغذي العنف والإرهاب، وهنا يأتي الدور المهم الذي تقوم به مراكز الفكر والمؤسسات الدينية، والثقافية، والإعلامية، والتعليمية من أجل تفكيك الفكر المتطرف ودحضه وإظهار زيفه وخطره على البشر؛ وقد أولى "تريندز" هذا الأمر أهمية كبيرة من خلال نشاطاته البحثية المستمرة والمتواصلة مع شركائه في الداخل والخارج.

وأضاف الدكتور محمد العلي أن التنظيمات الإرهابية المتطرفة جميعها خرجت من تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين بشكل أو بآخر ولها ارتباطات معها، ومن هنا تكتسب جهود مواجهة الفكر الإخواني وتفكيك خطاب الإخوان أهمية خاصة؛ لأنه بداية الطريق نحو القضاء على التطرف الإسلاموي كله، وقد أولى "تريندز" هذا الأمر أهمية خاصة من خلال "موسوعة جماعة الإخوان المسلمين" التي يُصدرها المركز، وستضم نحو 35 دراسة موسعة صدر منها إلى الآن ست دراسات تمت ترجمتها إلى 16 لغة، هدفها تعريف العالم كله بخطر هذه الجماعة وحقيقة مشروعها وتفكيك خِطابها المتطرف.

وأشار إلى أن التطورات التكنولوجية المتسارعة تمثل أدوات مهمة لمواجهة خطاب التطرف والكراهية، ولكنها تمثل أدوات تستخدمها التنظيمات المتطرفة لنشر أفكارها الإرهابية والهدامة والمهددة لتماسك المجتمعات وزرع الفتن أيضاً، مضيفاً أن خطابات التطرف والإرهاب المتنامية لا تقتصر على العالمين العربي والإسلامي فقط، فالتطرف اليميني في ازدياد في أوروبا والولايات المتحدة أيضاً، وهو ما يعني أن خطابات الكراهية والتطرف في تنامٍ عالمياً.

وذكر العلي أن خطر التطرف الديني والإرهاب سيظل، ويبقى التحدي الأول للدول والمجتمعات خلال العقد المقبل وليس خلال هذا العام فقط، في الوقت الذي سيبقى فيه الشرق الأوسط هو الساحة الأكثر عرضة للإرهاب، رغم الجهود الكبيرة المبذولة إقليمياً ولاسيما من جانب مصر الشقيقة، والإمارات، والسعودية، في مواجهة قوى التطرف والإرهاب؛ فتجفيف منابع الفكر المتطرف ليس بالأمر الهين بل يحتاج إلى جهود متواصلة ومستمرة بالتوازي مع المواجهات الأمنية والقانونية لهذهِ القوى.

وتابع: "رغم بعض المؤشرات غير الإيجابية مثل عودة حركة طالبان في أفغانستان، والسلوك الإرهابي المتزايد للميليشيات المسلحة في المنطقة ولاسيما ميليشيا الحوثي الإرهابية، فإنني متفائل بأننا نمضي قُدُماً في طريق التخلص من هذه الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة التي أعتقد أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة".

أحمد الشهابي: سيناريو "الذئاب المنفردة" هو المسيطر على مشهد الهجمات الإرهابية في أوروبا

بدوره، قال اللواء أحمد الشهابي، رئيس المركز الوطني للدراسات، إن الشراكة والتعاون بين "تريندز" و"الوطني للدراسات" مثمران وبنّاءان ويسهمان في دعم مسيرة البحث العلمي على المستويين الإقليمي والعالمي، حيث يسعى الطرفان المصري والإماراتي إلى تكثيف الحوار والنقاش والتعاون الجاد والبناء في إعداد أوراق بحثية ودراسات علمية قيّمة ورصينة تخدم رؤية وأهداف الطرفين وتعزز توجهاتهما العالمية.

وأكد الشهابي أن الانقسام الذي يعصف بجماعة الإخوان المسلمين، ويتجلى في الصراع بين جبهتي محمود حسين وإبراهيم منير، لن يؤدي إلى أعمال عنف في الفترة القريبة أو البعيدة نسبياً، لأن تنظيم الإخوان يأتمر بتعليمات المرشد، والطرفان المتنازعان ليسا أصحاب قرار في التنظيم، كما أن الصراع بين الطرفين سيؤدي إلى خفوت العنف لفترات طويلة.

وشدد على أن الانقسام في صفوف جماعة الإخوان المسلمين لن يؤدي إلى لملمة صفوف الجماعة، إلا في حال ظهور قائم بأعمال المرشد، وهذا مستبعد في الفترة الراهنة، مضيفاً أن الجماعة قبل عام 2011 كانت تسعى إلى إقامة دولة الخلافة، ولكن عندما وصلوا إلى سدة الحكم عام 2012 أظهروا فشلهم على المستويات كافة وبدأ الشعب يلفظهم بشتى السبل، مشيراً إلى أن الخطر يكمن في أن جماعة الإخوان تمرض ولا تموت، ولن تنتهي أذرع الجماعة بين يوم وليلة، وإن لم تنشط في مصر فستنشط في دول أخرى.

وأوضح الشهابي أن سيناريو "الذئاب المنفردة" هو الذي سيسيطر على مشهد الهجمات الإرهابية في أوروبا خلال العام الجاري، في ظل عدم قدرة الجماعات والتنظيمات الإرهابية على لملمة شملها مجدداً، حيث تواصل أوروبا تضييق الخناق على مصادر التمويل، مبيناً أن الفترة المقبلة بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية تعتبر فترة إعادة الحسابات وترتيب الأوراق من جديد.

وذكر رئيس المركز الوطني للدراسات أن أي جماعة متطرفة أو تنظيم إرهابي نشأ من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وكل هذه التنظيمات تخدم مصالح وأيديولوجية التنظيم، ولكن في وقت التكليف بتنفيذ عمليات إرهابية يكون الأمر موجهاً لجماعة محددة أو فريق بعينه وليس تكليفاً عاماً حفاظاً على السرية ونجاح الهجمات التخريبية التي يقومون بها، موضحاً أن ما يحدث في مالي وأفغانستان بالتحديد، سيزيد نشوة الجماعات الإرهابية ويوهمها بأنها قادرة على إخراج دول عظمى من بلاد تنتشر فيها هذه التنظيمات.

4 محاور نقاشية

من جانبه، استعرض الدكتور هاني الأعصر، المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات، محاور النقاش العامة للجلسة الحوارية، التي تضمنت: "جغرافيا الإرهاب واتجاهاتها في ضوء التطورات الدولية الأخيرة، والتطورات السياسية في الإقليم وانعكاساتها على اتجاهات الإرهاب والتطرف، والتفاعلات الإقليمية والدولية مع الظاهرة الإرهابية، وتفاعلات التنظيمات الإرهابية والتطورات الأيديولوجية والتنظيمية والحركية التي طرأت عليها".

انشقاقات التنظيمات الإرهابية

واستهل الجلسة الحوارية الدكتور فتوح هيكل رئيس قطاع البحث العلمي في "تريندز"، مؤكداً أن مستقبل التطرف والإرهاب تحكمه محددات وعوامل كثيرة، منها عوامل داخلية مرتبطة بالحواضن المحلية وهي دائماً تأتي نتاجاً للأزمات السياسية والأفكار المغلوطة التي تستغلها الجماعات المتطرفة والإرهابية، فإذا كانت هذه الحواضن متاحة فإن الفكر المتطرف ينمو وينتشر، مبيناً أن عام 2013 كان تاريخاً مفصلياً في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، خصوصاً في مصر، ومنذ عام 2013 بدأت المنطقة العربية عموماً تحقيق نجاحات كبيرة على مستوى مكافحة التطرف والإرهاب.

وذكر هيكل أن الدعمين الخارجي والإقليمي ومستواهما يحددان مدى قوة التنظيمات والجماعات الإرهابية، حيث كان الدعم كثيفاً في فترة ما يطلق عليها "الربيع العربي"، ولكن في الأعوام الأخيرة بدأت مصادر التمويل تجف والدعم المباشر يتقلص بسبب التقاربات السياسية الإقليمية في المنطقة العربية.

وأشار إلى أن الانشقاقات والانقسامات الداخلية التي تعصف بصفوف التكتلات والتنظيمات، ومنها: جماعة الإخوان المسلمين، وبوكوحرام، وتنظيم داعش، تربك مخططات هذه الجماعات في الوقت الراهن، ولكن الجماعات والتنظيمات الإرهابية تستغل مواطن الصراع المستمر حيث تستطيع تحقيق إنجازات على أرض الواقع كما حدث في أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم، ما قد يؤسس نهجاً جديداً لهذه الجماعات التي قد تحذو حذو "طالبان".

وذكر الدكتور فتوح هيكل أن دائرة المستهدفين من قِبل الجماعات المتطرفة تزيد بسبب التطور التكنولوجي الذي جعل نشر الفكر المتطرف سهلاً وغير مكلف، وبالتالي هو محدد رئيسي من محددات نمو ظاهرة الإرهاب والتطرف، مضيفاً أن اتجاهات الإرهاب في الشرق الأوسط تحددها عوامل تسوية الأزمات والصراعات في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، ولكن في منطقة أفريقيا والساحل ستزيد ظاهرة الإرهاب خلال العام الجاري والفترة المقبلة.

نمو الإرهاب في أوروبا

وفي السياق ذاته، تحدث أشرف ميلاد، مدير المشروعات في المركز الوطني للدراسات، عن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وعلاقتها بنمو ظاهرة التطرف والإرهاب، موضحاً أن القانون الدولي لا يُجرم الهجرة غير النظامية، ما يفرض على الدول استقبال المهاجرين حفاظاً على أرواحهم شريطة تسليم أنفسهم لسلطات الدولة التي يقصدون أرضها، وهذا يتنافى مع اعتبارات الأمن القومي ومصالح الكثير من الدول.

وذكر أن أعداد المهاجرين وأعداد العمليات الإرهابية بعد عام 2014 بدأت تتقلص، حتى عام 2017 الذي شهد نمو حركة الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا وعدد من الدول الساحلية المطلة على البحر المتوسط والتي يقصد المهاجرون من خلالها أوروبا، وفي عام 2021 سُجل نحو 200 ألف مهاجر إلى الدول الغربية، في المقابل وقعت نحو 205 آلاف عملية إرهابية في الغرب، ولكن معظم هذه العمليات كانت تتبنّاها أطراف وجماعات لها علاقة وثيقة بجماعات وتيارات الإسلام السياسي.

وبيـّن ميلاد أن الجيل الثاني من المهاجرين في بريطانيا قاموا بأهم العمليات التفجيرية وأخطرها في بريطانيا، وهؤلاء نشؤوا في الدول الأوروبية وخصوصاً شمال بريطانيا، وتم تجنيد معظمهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، متوقعاً أن يزيد عدد العمليات الإرهابية في أوروبا خلال عام 2022، على الرغم من أن المراقبة الأمنية مشددة وواسعة النطاق في تتبع المتطرفين والإرهابيين.

جغرافيا الإرهاب

إلى ذلك، استعرض فهد المهري، مدير إدارة الباروميتر العالمي في "تريندز"، جغرافيا الإرهاب واتجاهاتها في ضوء التطورات الدولية الأخيرة، حيث قال إن هناك مجموعة من التطورات والعوامل على الساحة العالمية من شأنها زيادة التهديدات الإرهابية، وعلى رأسها استمرار جائحة "كوفيد-19"، وقرع طبول الحرب الروسية - الأوكرانية، والصراع الصيني - الأمريكي، فضلاً عن تغير المناخ، وزيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين في أوروبا، وغيرها.

وذكر المهري أن هناك العديد من التأثيرات المتداخلة لجائحة كورونا على النشاط الإرهابي، ويأتي على رأسها أن سياسات الإغلاق وما ترتب عليها من عزلة، وفرت فرصة للمجموعات الإرهابية بمختلف اتجاهاتها لتجنيد عناصر جديدة من بين المتضررين جراء تلك السياسات، كما تؤثر التوترات والصراعات في الساحة الدولية على النشاط الإرهاب، فمع استمرار التوترات بين أوكرانيا وروسيا في التصعيد، ونشر موسكو ما يصل إلى 175000 جندي على الحدود، فقد يترتب على تجدد الصراع الروسي - الأوكراني تدفق وزيادة في انتقال المتطرفين اليمينيين إلى المنطقة.

وأضاف أن الصراع الصيني - الأمريكي يؤثر في سياسات مكافحة الإرهاب، حيث تتطلب جهود المكافحة تواصلاً وتعاوناً بين الدول، وأفريقياً يمكن رؤية تأثير الصراع بين البلدين بصورة واضحة، في ضوء مصالح البلدين هناك، والتضارب فيما بينها، حيث أعاقت جهود بكين لمتابعة مهامها الاقتصادية والدبلوماسية عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية هناك، وكذلك جهود حلفاء الولايات المتحدة خاصة في ضوء مبادرة الحزام والطريق التي تسعى لتقويض المنافسين، كما تمثل الهجرة غير النظامية تحدياً أمنياً في الداخل الأوروبي، ومع تحقيق عدد المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا عام 2021 نسبة زيادة 57% على العام الذي سبقه، فإنه من المحتمل زيادة معدلات الإرهاب والجريمة في أوروبا هذا العام، موضحاً أن ظاهرة التغير المناخي تؤثر بصورة كبيرة في اتجاهات النشاط الإرهابي، حيث تستغل المجموعات الإرهابية القضايا البيئية والسياسات الدولية المتعلقة بتغير المناخ كذريعة للتجنيد.

التطورات السياسية الإقليمية

من جهته، تحدث الأستاذ خالد عبدالحميد، مدير إدارة الإسلام السياسي في "تريندز"، عن التطورات السياسية في الإقليم وانعكاساتها على اتجاهات الإرهاب والتطرف، موضحاً أن الإقليم يشهد في الفترة الأخيرة تطورات سياسية وأمنية عدة مترابطة أثرت بشكل كبير في الاتجاهات العامة لحركة الإرهاب والتطرف فيها، حيث انتقل الصراع الإيراني - الإسرائيلي من دائرة الحرب بالوكالة إلى الحرب المباشرة "السيبرانية"، أو ما يطلق عليه "حرب السفن" بين الجانبين، وهو ما أدى إلى التأثير في أمن الملاحة البحرية الدولية وسلامتها.

واعتبر تأجيل الانتخابات الليبية خطوة كبيرة إلى الوراء في مسار التسوية السياسية الليبية، وانتكاسة للجهود الدولية والإقليمية والمحلية، من أجل تحقيق الاستقرار والتسوية وإعادة بناء الدولة في ليبيا، حيث إن تأجيل الانتخابات سيؤدي إلى مزيد من تعقيد الأزمة السياسية، المتفاقمة أصلاً في ليبيا، وهو ما ينذر بتجدد الصراع المسلح بينهما.

وأشار إلى أن تأزم المشهدين في السودان وتونس يعزز نمو التنظيمات الإرهابية، ففي السودان تستمر التحركات الاحتجاجية في مدن سودانية عدة وسط أفق مسدود، ومع تأزم الأوضاع الميدانية، وضيق الأفق في المشهدين السياسي والأمني في السودان، فإن استمرار الخلاف السياسي بين القوى المحركة للثورة السودانية ربما يفاقم الأوضاع السياسية مستقبلاً ويؤجل الحل، وفي تونس، لا تزال المعركة السياسية بين الرئيس قيس سعيد وحركة النهضة الإخوانية على أشدها، إذ يبدو أن الرئيس سعيد نجح إلى حد ما في تنقية مؤسسات الدولة التونسية من الإخوان، إلا أن المعركة لا تزال أمامه كبيرة للغاية.

وذكر أن مساعي تشكيل حكومة عراقية جديدة لا تزال قائمة، ويأتي ذلك في وقت يتمسّك فيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بتشكيل "حكومة أغلبية وطنية" وليست "توافقية" كما جرت العادة وفي خضم محادثات تشهدها بغداد والنجف وأربيل بين الأطراف المختلفة، وسط ضغوطات إقليمية بتوحيد البيت الشيعي.

واختتم خالد عبدالحميد حديثه، قائلاً إن التطورات السياسية سالفة الذكر، لها تجلياتها على اتجاهات الإرهاب والتطرف في الإقليم، الأمر الذي يتطلب التنسيق وتكاتف الجهود العربية لاحتواء هذه التطورات في إطار خفض الصراعات وسبل مواجهة الحركات الإرهابية والتطرف، وإعادة بناء الدولة الوطنية العربية.

نزاعات جماعة الإخوان

وفي سياق متصل، قال محمد خيال، الباحث في المركز الوطني للدراسات، إن الانقسامات التي تعصف بجماعة الإخوان المسلمين في مصر لن تؤثر في مستوى الهجمات الإرهابية وقوتها، لأن الطرفين المتنازعين على قيادة جماعة الإخوان المسلمين حالياً ولاؤهما الأساسي لأوروبا، وبالتالي لن تزيد معدلات الهجمات الإرهابية في أوروبا في الفترة المقبلة، مضيفاً أن حركة حسم ولواء الثورة (الجناح العسكري للجماعة) تم القضاء عليهما تماماً، والقبض على الإرهابي حسام منوفي جزء من مخططات أجهزة الأمن المصرية ورسالة واضحة للجماعات والتنظيمات المتطرفة بأن القوى الأمنية حاضرة وقادرة على استهداف العناصر الإرهابية في أي زمان ومكان حفاظاً على الأمنين القومي المصري والعربي.

وذكر أن دلالة إلقاء القبض على حسام منوفي رسالة أمنية بحتة للتنظيمات والجماعات الإرهابية، ولا توجد دلالات لها علاقة بطرفي النزاع في جماعة الإخوان، ورسالة الدولة المصرية أنها تقوم بالبناء والتنمية في الفترة الحالية والمقبلة، وتؤكد أن ملف الإرهاب تم إغلاقه وانتهى بالفعل من قِبل الدولة المصرية.

مسار الظاهرة الإرهابية

أما عبدالله بن مترف، رئيس وحدة الشؤون الإيرانية والتركية في "تريندز"، فتطرق إلى التفاعلات الإقليمية والدولية مع الظاهرة الإرهابية، قائلاً إن العالم شهد خلال الفترة الأخيرة سلسلة تطورات على المستويين الإقليمي والدولي، يمكنها أن تؤثر بشكل حاسم في مسار الظاهرة الإرهابية، ومن أهم هذه التطورات الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان في أغسطس الماضي، وقبله من الصومال وحديث عن إمكانية انسحابه من العراق أيضاً، وهذه كلها انسحابات تم ترتيبها من قِبل الإدارة الأمريكية دون تنسيق مع حلفائها الغربيين وحلفائها في المنطقة، إذ فرضت تحولات المصالح الوطنية مراجعة الاستراتيجيات المسيطرة وتعديلها أو حتى استبدالها بما يلبي الحاجيات المستجدة.

وأكد أن الانسحابات غير المدروسة وفق رؤية شمولية لتداعياتها تعطي الانطباع بعجز المجتمع الدولي على الصمود في وجه الإرهاب وتوفر فرص جديدة للتنظيمات الإرهابية للترويج لانتصاراتها المزعومة، مستشهداً بتنظيم القاعدة الذي هنأ طالبان على نصرها ضد الأمريكيين، مع كل ما يصاحب ذلك من إشاعة جو من الحماس في الأوساط الجهادية وتنشيط خلاياها النائمة وتجنيد عناصر جديدة.

وأضاف ابن مترف: "من ناحية أخرى شهد العالم تطورات إيجابية من شأنها الحد من تمدد الظاهرة الإرهابية، وهي تطورات نجملها أساساً في الجهود الإقليمية المبذولة في مجال مكافحة الإرهاب التي تتم بلورتها في إطار العلاقات الثنائية بين الدول المعنية وكذلك خلق كيانات مؤسساتية تعنى بتنسيق هذه الجهود وتطوير فاعليتها كالإعلان عن تأسيس "المنتدى العربي الاستخباري"، الشيء الذي يعني تنامي الوعي ليس بخطورة الإرهاب إنما الوعي بأهمية العمل المشترك لاجتثاثه وإعمال الحكمة والإرادة السياسية مع إطلاع الشعوب بالمهام النبيلة لأجهزتها الاستخبارية قصد إشراكها في الحرب على الإرهاب".

وأشار إلى أن البؤر القابلة للتصعيد تعتمد على الفاعلين على الأرض، حيث تعيد توظيف الميليشيات بطرق مختلفة، ما يجعل الهجمات الإرهابية تزيد وتنمو اعتماداً على الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، مؤكداً أن عدم الاستقرار يساوي نمو الجماعات الإسلامية والتنظيمات الإرهابية، كما حدث في العراق وسوريا وليبيا، ولكن مع تغير الأوضاع في ليبيا بدأ نشاط التنظيمات المقاتلة يتقلص، مبيناً أن الصراع الإيراني - الإسرائيلي يشكل فرصة لنشاط التنظيمات المتطرفة، لأن الميليشيات الموالية لإيران ستوظف هذا الأمر لصالحها وتصدر للعالم أن ما يحدث هو هجوم على الإسلام وليس صراعاً سياسياً بحتاً.

تطورات أيديولوجية وتنظيمية

وتحدث محمد السالمي، مدير إدارة التدريب في "تريندز"، عن تفاعلات التنظيمات الإرهابية والتطورات الأيديولوجية والتنظيمية والحركية التي طرأت عليها، وأكد أن العالم المعاصر يشهد عودة التنظيمات الإرهابية للمشهدين السياسي والعسكري في الكثير من الدول، فميليشيا "أهل السُّنة والجماعة" باتت تسيطر على أجزاء في الصومال بداية من نهاية عام 2021، ما زاد من تعقيدات المشهد في الداخل الصومالي والمنطقة، كما شهدنا عودة "جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان" التي تتخذ من شمال شرق نيجيريا مقراً، إلى العلن في أواخر عام 2019 كما أكدت تلك الجماعة ولاءها للقاعدة، ما يرجح النشاط الإرهابي والتوترات في أفريقيا خصوصاً شمال بنين وشمال غرب نيجيريا، وربما مالي وبوركينافاسو أيضاً.

وذكر أن أخطر الجماعات العائدة كانت حركة طالبان التي عادت إلى السلطة في أفغانستان، فعودتها إلى الحكم والترويج لانتصارها على القوات الأمريكية، مثلت فرصة دعائية للجماعات والتنظيمات الإرهابية، لاستغلالها في تحفيز أعضائها والمتعاطفين معها على مواصلة الهجمات على الحكومات والقوى الدولية النشطة في مناطق نفوذها بدلاً من الدخول في مفاوضات أو هدنة لوقف إطلاق النار.

وأوضح السالمي أن من أهم التفاعلات التي حدثت رد فعل جماعة الإخوان المسلمين على لفظهم مجتمعياً وتصدي أجهزة بعض الدول لمشروعهم تلخص في صورتين: الصورة الأولى هي العودة التامة إلى خطابهم المؤسس بما يتضمنه من تكفير الآخر والتنظير والتبشير بالخلافة والشريعة والشرعية الدينية للحكم السياسي واحتكار التحدث باسم الدين، أما الصورة الثانية فتمثلت في التخلي بشكل عام عن المبادئ المؤسسة للإسلاموية كافة وهو ما يعد تفريغاً للإسلاموية عن كل ما كان يميزها عن التيارات الأخرى العلمانية.

ونوّه بأن موت حركات الإسلاموية لا يعني الاختفاء الفوري أو الاندثار التام لها ولفكرها، ولكن يعني أن التأثير الذي كان لديها قبل "الربيع العربي" لن يعود أبداً كما كان، وهو نوع من الموت الإكلينيكي يجعل حركات الإسلاموية لا تغادر أبداً نطاق الهامش وكلما استعادت الدولة الوطنية قوتها ومكانتها ودورها وترسخ الإسلام الإنساني في المجتمعات اضمحلت الإسلاموية.

الإرهاب البحري والإلكتروني

واختتم الجلسة الحوارية بهاء عياد، الباحث في المركز الوطني للدراسات، الذي قال إن تطورات المشهد الدولي في ظل جائحة كورونا "كوفيد -19"، والصراع الصيني - الأمريكي، والاستهدافات في باكستان، جميعها عوامل تؤثر في جغرافيا التنظيمات الإرهابية واتجاهاتها ونشاطها والتطرف حول العالم.

وذكر أن فكرة الإرهاب العابر للحدود أصبحت مرتبطة بتصاعد الصراع الصيني - الأمريكي، كما أن الفضاء الإلكتروني عزز من أنشطة هذه الجماعات الإرهابية وانتشار ها، فضلاً عن تنامي ظاهرة الهجمات السيبرانية، منوهاً بأن الصراع بين القوى العظمى سيكون إلكترونياً، عبر شن هجمات سيبرانية وتطوير الهجمات البحرية في المياه الدولية، وتعطيل الإمدادات النفطية وشحنات الغاز إلى أوروبا، و هذه أساليب جديدة كلها في الصراعات والنزاعات الدولية.

وأوضح أن الإرهابين البحري والإلكتروني فضاءان جديدان لانتشار العمليات الإرهابية، وتقف وراءهما دول عظمى عبر وكلاء غير فاعلين في مناطق متفرقة وظهور فاعلين جدد في الساحة الإرهابية، فالإرهاب البحري ورقة تستخدم للابتزاز الدولي، حيث لا يوجد تنظيم ينفذ عملية تهدد الملاحة البحرية إلا إذا كان خلفه رغبة في ابتزاز دولي واضح.

تبادل الدروع التذكارية

وفي ختام الجلسة الحوارية التي حملت عنوان: "اتجاهات التطرف والإرهاب عالمياً في عام 2022"، تبادل الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، واللواء أحمد الشهابي، رئيس المركز الوطني للدراسات، الدروع التذكارية للمركزين، وثمّنا الأفكار والأطروحات والنقاشات الثرية التي دارت بين الباحثين المشاركين من الجانبين.

التعليقات