يبدو أننا بدأنا نعيش عصر الحنين إلى الماضي، وتطورنا وتقدمنا ربما يكون جزء لا يتجزأ من هذا الماضي، فقديماً كان الإنسان يعيش في كهوف وأكواخ، ويستخدم أدوات بدائية من صُنع الطبيعة، واكتشف الصّلصال والطّين والنّار، وكانت حياته عبارة عن ترحال من مكان لآخر بحثاً عن سُبل الحياة، وبحثاً عن مأكله ومشربه، سواء كان قريباً من البحر ليعيش على صيد الأسماك، أو قريباً من الخُضرة وثمار الأشجار والفاكهة التي يقتاتها، أو يصطاد الحيوانات البرية التي يأكل لحومها، ويصنع من جلودها ملابسه التي تحميه من البرد القاسي شتاءً، أو يُغطي بها سقف الكهف الذي يعيش فيه، وكان يبحث دائماً عن الحجر الصوان الذي يصنع منه كل أدواته في الحياة.
تعاقبت الحضارات، وظلت تلك هي الحياة التي يعيشها الإنسان، والتي تطورت تدريجياً بعد اكتشافاته المتتالية للطبيعة من حوله، لكنها ظلت حياة صعبة وقاسية، تلك الحياة التي تحولت الآن إلى صناعة ضخمة تُدر مليارات الدولارات سنوياً على قطاع السياحة العالمية، ألا وهي سياحة المخيمات السياحية، حيث بلغت القيمة المالية للسوق العالمية للتخييم الفخم 1.88 مليار دولار أمريكي عام 2020، ومن المتوقع أن تتوسع بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 14.1٪ من عام 2021 إلى عام 2028. ومن المتوقع أن تصل القيمة المالية للسوق العالمية للتخييم إلى 5.41 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2028، طبقاً لدراسة شركة "غراند فيو ريسرتش" للأبحاث والصادرة في شهر مارس الماضي.
وبدراسة السوق العالمي للتخييم نجد أن شريحة الفئة العمرية من 18 إلى 32 عامًا هي المُسيطرة على السوق بنسبة 44.6٪ وذلك طبقاً لإحصاء عام 2020.
بدأت صناعة التخييم السياحي الفخم من فئة الخمس نجوم عام 2010، وكان ذلك في فرنسا، التي بدأت بعدد محدود من المُخيمات السياحية، وانتقلت بعد ذلك لدول أخرى في أوروبا وأمريكا، لكنها تراجعت مرة أخرى، لعدة سنوات، وعادت مع بداية جائحة كورونا، ربما لأنها أكثر ملائمة لفكرة التباعد، ومناسبة أيضاً في حال السياحة الداخلية لبعض الدول التي تتمتع بأماكن في حضن الطبيعة، وفرنسا الآن على سبيل المثال لديها 221 موقع تخييم من فئة الخمس نجوم، و1171 موقع تخييم من فئة الأربع نجوم.
وهناك تقارير لشركة الأبحاث البريطانية يؤكد أن هناك تطلعات عالمية لسياحة بديلة، تُساهم في تعافي قطاع السياحة من جائحة كورونا، وسياحة التخييم الفاخر مُرشحة بقوة لتكون هي البديل الأكثر استدامة والصديق للبيئة أيضاً، وهناك تقرير آخر لـ"أكسفورد بيزنس غروب" يؤكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة، شهدت زيادة كبيرة في برامج سياحة التخييم الفاخر وكذلك السياحة الداخلية، نفس التقرير الذي أكد أن دولة الإمارات تتمتع بموقع جغرافي متميز في المنطقة، وتمتلك أماكن في حضن الطبيعة وقربية من المراكز الحضرية، ومدعومة بكافة الخدمات يؤهلها لتكون ضمن الدول الرائدة في هذا القطاع الجديد. هذا إضافة إلى مبادرات الحكومة الإماراتية المستمرة والمتتالية في كافة إماراتها لتشجيع وتطوير السياحة المستدامة.
الواقع دائماً يؤكد لنا أن ماضينا هو من يرسم مستقبلنا، فحياة الماضي تحولت الآن لصناعة قد يصل حجم استثماراتها إلى 5.41 مليار دولار أمريكي خلال سنوات قليلة.
وهذا ما تعلمناه من حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حين قال قبل عشرات السنوات "من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل".
التعليقات