رأى زميل معهد واطسون للعلاقات الدولية بجامعة براون، ستيفن كينزر، أن الحقيبة النووية المرافقة للرئيس الأمريكي، باتت أقرب إلى الاستخدام في هذه الأيام من أي وقت على مدار الخمسين عاما الماضية، في ظل تهديدات ترامب المكشوفة بتوجيه ضربة نووية أولى ضد كوريا الشمالية.
ونوّه كينزر - في مقال نشرته صحيفة (بوسطن جلوب) - عن أن التقلب المزاجي للرئيس ترامب، يُنذر بمصير مرعب حال تنفيذ تلك التهديدات التي تثير خوفا وجوديا أكثر منه نظريا، في ظل العوار الذي يكتنف النظام القانوني الأمريكي، والذي يخوّل للرئيس صلاحية شن هجوم نووي على أساس انفعاله اللحظي، دون الحاجة إلى أي مبرر أو استشارة من أي شخص آخر.
وأكد الباحث وقوف واضعي الدستور الأمريكي على كيفية إساءة استخدام الحكام المستبدين لسلطاتهم، ومن ثمّ عمل هؤلاء المشرعون الأوائل على تحديد سلطات الرئيس؛ وبفضل ما تمتعوا به من بُعْد نظر، فإن الرئيس الأمريكي لا يحق له بموجب الدستور إعلان الحرب أو فرض الضرائب ولا تعيين وزراء ولا سفراء إلا بموافقة مجلس الشيوخ؛ ويحق للمحكمة العليا أن ترفض قوانين اعتمدها الرئيس - باختصار حرية الرئيس الأمريكي في التصرف محدودة بشكل ملحوظ.
واستدرك الباحث بالقول، إن هؤلاء المشرعين لم يتخيلوا الآثار الكارثية للأسلحة النووية؛ وقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن هذه النقطة تمثل ثغرة كبرى في نظام الضوابط والتوزانات الأمريكي؛ فبينما الرئيس ترامب لا يمكنه التخلص من أحد أعضاء مجلس مدرسة محلية، فإن بإمكانه توجيه ضربة نووية بناء على أساس انفعاله اللحظي فقط.
ورأى كينزر أن الوقت قد حان لكي يفرض الكونجرس بعض القيود على قدرة الرئيس الأمريكي على شن حرب نووية، لا سيما في تلك الأيام بعد تأكيد ترامب على استعداده أن يوجد حالة من الرعب "لم يشهد العالم لها مثيلا"، وفي هذا ما يكفي لتسليط الضوء على ما يعتور النظام القانوني الأمريكي من خلل فيما يتعلق بإمكانية انفراد شخص واحد بصلاحية شن حرب نووية.
وحذر الباحث من قيام حالة من الرعب والفزع غير مسبوقة، حال إقدام ترامب على مثل هذه الخطوة؛ ذلك أن الهجمتين النوويتين على اليابان عام 1945 كانتا مختلفتين في الحجم والخطورة تماما، فقد كانت الأسلحة النووية في ذلك الوقت بدائية بالمعايير الحديثة، والأهم من ذلك أن اليابان لم تكن تمتلك سلاحا نوويا لتثأر لنفسها به على غرار كوريا الشمالية التي ينذر ضربها نوويا بقيام "هولوكوست" جديدة.
ورصد كينزر، غداة تهديدات ترامب، قيام تسعة من أعضاء مجلس النواب الأمريكي بطرح مشروع قانون "تقييد الاستخدام الأول للأسلحة النووية"، وهذا القانون وإنْ لم تكن مبادئه جديدة إلا أن الأسابيع الأخيرة جعلت الحاجة مُلحة إلى تلك المبادئ؛ وطبقا لهذا القانون فإنه لا يحق للرئيس الأمريكي أن يشن ضربة نووية أولى إلا بعد أن يعلن الكونجرس عن قيام حالة حرب وأن يُرخص بمثل تلك الضربة، على نحو يضع أدواتٍ في أيدي الكونجرس يمكنه عبرها عرقلة الرئيس عن الإقدام على أية خطوة انفعالية لحظية من شأنها إزهاق أرواح ملايين البشر.
واستدرك الباحث بالقول إن الكونجرس لم يُظهر حتى الآن شجاعة في الحدّ من سلطات الرؤساء الأمريكيين في السابق على الإقدام على شن حروب تقليدية؛ وتفاديًا لتحمُّل مسئولية قرارات كبرى تتعلق بالأمن القومي، سمح الكونجرس بشن حروب في كل من فيتنام والعراق وأفغانستان استمرتْ لسنوات دونما مباشرة لحقوقه الدستورية في إعلان حالة الحرب أو رفْض إعلانها - واستبعد كينزر، حدوث تحوّل مفاجئ من جانب الكونجرس من حيث مباشرة حقوقه وواجباته في لعب دور في اتخاذ قرار بالسلم أو الحرب من شأنه أن يكون الأكثر تاثيرا في تاريخ العالم.
واختتم الباحث قائلا إن "عملية تخويل شخص واحد صلاحية شنّ حرب نووية ربما كان واضعو الدستور الأمريكي سيجدون فيها أمرًا بغيضًا، وعليه فإن الحدّ من تلك الصلاحية قد يُكرّم ذكرى هؤلاء المشرعين الأوائل بما يعنيه هذا من زيادة فُرَص بقاء الجنس البشري".
التعليقات