نحو عالم عربي على خطى "مجموعة السبع الاقتصادية"

نحو عالم عربي على خطى "مجموعة السبع الاقتصادية"

د. جيهان مديح

فتحت مجموعة السبع الباب على مصراعيه نحو عالم جديد من الإجراءات التي تتواكب مع التطور، والواقع الذي نعيشه في كافة دول العالم، بعد الإعلان مؤخراً عن اتفاق دول المجموعة على وضع حد أدني للضريبة على الشركات العالمية العاملة بها بما لايقل عن 15%، وهو الأمر الذي يعكس الإرادة في محاصرة التهرب، والحفاظ على مصادر الدخل الضريبي.

ولم تكن هذه الخطوة المُعلنة من قبل المجموعة "الولايات المتحدة الأمريكية- بريطانيا- فرنسا- اليابان-ألمانيا-كندا-إيطاليا" وليدة اليوم، بل هي نتاج جهد وتواصل وبحث على مدار سنوات مضت، وذلك بعد يقين دول المجموعة بحتمية وضع أطر جديدة للضريبة على الشركات متعددة الجنسيات، في ظل هروب بعضها من دفع الضرائب، أو البحث عن دول لديها نسبة ضريبية أقل من الأخرى ، وبالتالي كان التنسيق والاتفاق ضرورة حتمية.

كما حمل إعلان هذه المجموعة العديد من الرسائل سواء للدول الأخرى، أو الشركات، أو الأفراد، منها صعوبة التهرب الضريبي، ووضع نسب ضريبية تكاد تكون متشابهة في معظم الدول، ومن ثم إلزام الشركات بتصحيح أوضاعها، بدلاً من استغلال القصور التشريعي في بعض الدول، أو التسهيلات والمنح في دول أخرى، لتجد الشركات نفسها أمام طريق واحد فقط لممارسة نشاطها.

ثم يأتي هذا الاتفاق ليحمل رسالة للعالم بأن هذه الدول وإن كانت تختلف مع بعضها البعض سياسياً، أو في المصالح خارج حدودها ،خاصة خلال السنوات الماضية، إلا أن ضروريات الاقتصاد لاتزال تفرض نفسها بإنشاء سياسة مالية واحدة تضمن مصالح الجميع، بدلاً من نزيف الخسائر المستمر الذي يضر بهم، ومن ثم سد الثغرات، وقطع الطريق أمام الشركات الطامعة والحالمة بالاستمرار في حالة عدم التناغم والتنسيق.

وبالنظر إلى الدول العربية، والشرق الأوسط، وخاصة الإجراءات التي اتخذتها مصر مؤخراً عبر وزارة المالية، وتحديد طريقة التعامل مع الشركات، سواء من خلال الفاتورة الإلكترونية، أو الإقرارات الضريبية، وغيرها من التعليمات، كذلك الاتفاقيات المتبادلة بين الدول العربية وبعضها البعض، يمكن نقل هذه الحالة للإستفادة منها بما يضمن مصلحة الجميع.

إن غالبية الدول العربية تعاني مما عانت منه دول مجموعة السبع، وبالتالي يجب أن تشهد الفترة القادمة تنسيقاً حتمياً بين دول العالم العربي، خاصة أن غالبيتها قام بنقلات نوعية كبيرة في مجال تطوير الأداء الاقتصادي وزيادة مصادر الدخل الضريبي خلال السنوات الماضية، والتي تصلح أن تكون بنية تحتية قوية لإنشاء كيان كبير يصبح مسئولاً عن إعلان الضرائب على الشركات العالمية العاملة بها، ومراقبة أداء هذه الشركات، دون التطرق إلى حالة الخلاف السياسي بين الدول وبعضها، لأن سياسة الضروريات، أو كما نقول"فقه الضرورة" يفرض نفسه على الجميع.

وفي هذا الإطار، وقبل إعلان اتفاق مجموعة السبع، أعلنت مصر عن اتفاق مع دولة الإمارات بشأن تجنب الازدواج الضريبي، ومنع التهرب من الضرائب بالنسبة للضرائب على الدخل، على أن يُطّبق في الدولتين، وهو اتفاق يؤكد السعي نحو الاستفادة القصوى لخزانة الدول من فوضى السوق، وقصور التشريعات، ومافيا الشركات للتحايل على القوانين، أو استغلال قوانين ضعيفة في بعض الدول لم تعد تصلح لمتغيرات الواقع.

إن التفكير العالمي الآن يقوم على الجانب الاقتصادي أكبر من السياسي، بعد أن أصبح الاقتصاد يتحكم في الكثير من الأمور، ويحتم على الدول وضع سياسة جديدة تتفق مع المصالح المشتركة، وما حدث بين مصر والإمارات منذ فترة، وتصديق الرئيس السيسي على الاتفاق أوائل يونيو الجاري هو بداية مُبشرة نحو المزيد من التعاون في ظل ظروف اقتصادية تتطلب البحث عن بدائل وآليات جديدة لإدارة الاقتصاد.

التعليقات