لدينا ربط عقيدي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، موثق في القرآن الكريم الذي وصف من حوله بالبركة، حيث يرابط  المقدسيون للدفاع، عنه ورغم إمكانياتهم الضئيلة في مواجهة الاحتلال الغاشم، إلا أن لصمودهم بركات كشفت عنها أحداث الشيخ الجراح وتداعياتها خلال الأيام القليلة الماضية، وهم بذلك، يختلفون عن الحركات المدعية التي  تستخدم اسم القدس زورا وبهتانا مثل حركة أنصار بيت المقدس في سيناء التي لم توجه أي رصاصة إلى محتلي القدس وإنما وجهت سهامها المسمومة إلى خير أجناد الأرض، ناسية أن ما حول المسجد الأقصى بركات لا حركات! 

الربط العقدي بين المسجدين يوضحه قوله تعالى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء :1) فالأقصى هو أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، و مسرى رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

بهذه البركات تحول الصلف والاضطهاد الصهيوني إلى هزيمة لهم في أحداث منطقة الشيخ جراح بمدينة القدس، التي تعود تسميتها إلى الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي، محرر القدس من الاحتلال الصليبي، ما فعلوه المرابطون انهم دافعوا عن هويتهم ووطنهم وأرضهم ومسجدهم وحرصوا على الصلاة فيها في مواجهة جيش الاحتلال وطغيان المستوطنين وتزييف الإعلام، فانعم الله عليهم بالبركة التي تجسدت في أمور عديدة، منها:

أولا: تم إعادة القضية الفلسطينية برمتها إلى قلب الأحداث باعتبارها القضية الجوهرية للأمتين العربية والإسلامية، فتغيرت كل الحسابات من  الرئيس الأمريكي بايدن الذي كان قد أهمل القضية مركزا أولياته على الصين وروسيا، إلى نتنياهو الذي تغيرت الخريطة السياسية في محيطه، كما عادت القدس باعتبارها  درة المشروع الوطنى الفلسطيني، ودرة المشروع القومي العروبي.

ثانيا: بسقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية على العمق الإسرائيلي سقطت أمور ومسلمات كثيرة، في مقدمتها نظرية الأمن الإسرائيلية حيث هرع أكثر من مليوني إسرائيلي إلى المخابئ.

كما سقط وهم القبة الحديدية، التي لم تفلح في توفير الأمن لهم، بل تمكن الفلسطينيون من ترسيخ توازن الردع والرعب، وتبديد أمان الصهاينة في مختلف المدن والمستعمرات، ردا على دأب الصهاينة على دكّ أبنيتهم فوق ساكنيها، واغتيال قادتهم، وتحطيم مرافقهم لتكبيدهم أفدح الخسائر.

ثالثا: سقطت صفقة القرن، ومن ثم فشلت محالة تحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرير واستقلال وطني إلى مسألة مساعدات إنسانية ليتبين للجميع إن عدم تصدر أخبار الصراع لعناوين الأخبار العالمية في السنوات الأخيرة، لا يعني إطلاقاً أن القضية قد انتهت.

ورابعا: سقط وهم إمكانية قيام السلام في المنطقة عبر تجاوز الحل العادل للقضية  الفلسطينية، حيث أصبحت  الكثير من الدول العربية التي وقعت اتفاقيات سلام مع الدولة المحتلة تعاني من ضغوط الرأي العام الذى يرى أمامه مشاهد الإجرام الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين. 

وخامسا: سقطت أكذوبة المفاوضات العقيمة التي بدأت منذ اتفاقية أوسلو 1993 وظلت حوالي ثلاثة عقود تم خلالها تفريغ عملية السلام من محتواها لصالح ضم الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة ومحاولة تهويد القدس. 

ليستفيق الجميع على بديهيات تم التغافل عنها، من أهمها أنه لا حقوق بدون قوة، ولا تحرير بدون وحدة الجبهة الداخلية، وقد وحدت الأحداث الأخير مختلف الفصائل الفلسطينية في الضفة وغزة بشكل وطني عفوي فريد.

سادسا: عودة الوعي بالقضية الفلسطينية بين الشباب العربي الذي عبر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، من خلال تداول مشاهد القصف العنيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما تخلفه من قتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ وهدم البنية الأساسية في غزة.  

سابعا: انكشاف زيف شعارات اسرائيل حول الحرية وحقوق الإنسان وبخاصة تلاعبها بوسائل الإعلام العالمية واستخدامها لتحقيق مصالحها حيث خدع المسئولون العسكريون الصحافة العالمية بإبلاغهم -كذبًا- أن القوات البرية الإسرائيلية بدأت غزوا غزة، وصحب ذلك حشد عدد كبير من الدبابات والعربات المصفحة قرب الحدود مع القطاع، بهدف أن يتحرك المقاتلون الفلسطينيون بأسلحتهم إلى الأنفاق لمواجهة الغزو، لتتمكن إسرائيل من تدميرهم.

مما إثار غضب ممثلي الصحافة العالمية فى اسرائيل بعد أن شعروا باستخدامهم لخداع الفلسطينيين. وبذلك تخسر اسرائيل  الكثير من مصداقيتها مع الصحافة العالمية مستقبلًا.

وتزايد الغصب بعد قيام إسرائيل بتدمير المبني الذي يضم مكاتب وسائل الإعلام العالمية بغزة لإسكات صوت الحقيقة ومنع توصيل صورتها القبيحة للعالم، ولكن للأسف لم ينتفض الإعلام العالمي ليفضح ارهاب الدولة الصهيونية باعتباره على الأقل أحد ضحاياه.