منذ ما يقرب من عشرون عاماً، وأنا أعيش هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ما إن وطئت قدماي أرضها، إلا وقد تملكتني الدهشة من تلك السرعة المبهرة في النمو المضطرد، سرعة تجعلك تتساءل إلى أي حد وصل حكام الدولة من الحكمة والبراعة في التخطيط، وسرعة التنفيذ.
لم يمض عليّ منذ يومي الأول بدولة الإمارات حتى الأن يوم واحد دون أن ألحظ تغييراً سواء في البنية التحتية أو التخطيط العمراني، أو في التقدم العلمي، أو في الرقي الاجتماعي، أو في النجاحات التي تتحقق يوماً بعد يوم وتُبهر العالم في المجالات المختلفة...إنها حقاً معجزة مكتملة الأركان.
أن تستمر حالة الدهشة لمكان بعينه طيلة ما يقرب من ربع قرن من الزمان، نقلات كثيرة كبيرة نوعية انتقلتها دولة الإمارات العربية منذ بداية الاتحاد وحتى هذه اللحظة، نقلات يلحظها القاصي والداني، نقلات يلمسها ويتعايش معها ويتابعها ويرقبها ويتفاعل معها ويفخر بها كل من وطئت قدماه أرض دولة الإمارات الحبيبة.
إن التطور الرائع لهذه الدولة الحبيبة، تطوراً متنوعاً يشمل جميع مجالات الحياة، فكما حسُن البدء بـ"الاتحاد" حسُنت النتائج، فنرى الآن الإمارات العربية المتحدة والتي لم تعد تلك الدولة الوليدة، قد أصبحت دولة رائدة في مجالات شتى، رائدة في بنيتها التحتية، رائدة في خدماتها الاجتماعية، رائدة في أنظمتها التعليمية رائدة في استشرافها للمستقبل، رائدة في تحقيق أحلامها وتحويلها لواقع ملموس، وقد تجلت هذه الريادة بتحقيق حلم القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، بارتياد الفضاء.
وقد بدأ – رحمة الله عليه – بتحقيق حلمه من خلال اللبنة الأولى التي وضعها بالاهتمام بالجيل الناشيء إعداداً وتعليماً وتقويماً، واهتمامه الدائم ببناء الإنسان، فقد آمن الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله بأن قيمة الإنسان الحقيقية في العمل والنجاح وبناء الحضارات، وأنه لا مكان في قاموس الحياة لكلمة مستحيل، فالإنسان بالعزيمة والإرادة والإصرار قادر على تذليل عقبات الحياة، وصُنع المستحيل، واستمر دعم تحقيق هذا الحلم من خلال خلفه الشيخ خليفة بن زايد – رئيس الدولة – حفظه الله وأخوانه حكام الإمارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
لتكلل هذه الجهود المضنية بمسبار الأمل، الذي انطلق من مشروع الإمارات لاستشكاف الفضاء، برحلة استكشافية لكوكب المريخ ثاني أصغر كواكب المجموعة الشمسية، ورابع الكواكب من حيث بعدها عن الشمس، والملقب بالكوكب الأحمر، يستكمل " مسبار الأمل " الحلم العالمي القديم الذي يناهز التفكير فيه قرابة 60 عاماً، وارتبط بتحقيق تقدم في فهم طبيعة " الكوكب الأحمر" ومدى ملاءمته للحياة البشرية.
كانت بدايات الوصول للمريخ في عام 1960 من خلال محاولات الاتحاد السوفيتي، أعقبها محاولات الولايات المتحدة الأمريكية 1964م، ولم تكلل محاولات دخول مدار المريخ بالنجاح.
والآن تفعلها دولة الإمارات العربية المتحدة، وتصل إلى المريخ كأول دولة عربية، وخامس دولة في العالم، فمسبار الأمل سيقدم أول صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ، في مهمة تاريخية تستمر لمدة سنة مريخية، وتساعد هذه الرحلة العظيمة في الإجابة على أسئلة علمية رئيسة حول غلاف المريخ الجوي، والأسباب المحتملة لفقدان غازي الأكسجين والهيدروجين من غلافه.
بالتأكيد ستسهم هذه الرحلة العظيمة لمسبار الأمل في رفع مستوى المعرفة الذي تسعى إليه البشرية حول ما إذا كانت هناك حياة خارج الأرض وصولاً إلى مرحلة إمكانية تمدد الحضارة البشرية خارج كوكب الأرض.
تهانينا لدولة الإمارات العربية المتحدة، وللشعب الإماراتي، وللأمة العربية بهذا الإنجاز العلمي العظيم الذي تحقق، ليصبح الحلم واقعاً ملموساً.
دامت الإمارات بما تبعثه في نفوسنا من دهشة وسعادة وتفاؤل وإيمان وثقة بالمستقبل، وفخر بأمتنا العربية.
ريتشارد حداد
الرئيس التنفيذي لمجموعة فنادق ومنتجعات جنة
التعليقات