هولندا.. عودة خجولة للحياة وتخفيفات واسعة رغم الانتقادات

شهدت هولندا منذ تسجيل أول إصابة بـ"كوفيد 19" (50,921) إصابة، و (6,137) وفاة، ومن ثم اتخذت الدول العديد من الإجراءات وفق إمكانياتها الصحية والاقتصادية والتزام المواطنين، وفى ظل الالتزام الواضح بالضوابط بشكل جيد من قبل المواطنين في هولندا، قرر رئيس الوزراء "مارك روتا" تخفيف بعض الإجراءات الاحترازية، إيذانًا ببدء عود الحياة إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل جائحة "كوفيد ـ 19". 

عودة خجولة للحياة

بدأ تخفيف الإجراءات ابتداء من يوم 11 مايو الماضى، وذلك بعودة المدارس مع الحفاظ على مسافة المتر ونصف المتر بين التلاميذ، على أن يكون اليوم الدراسى نصف يوم. 

مع الأول من يونيو الجاري، بدأت العودة الخجولة إلى الحياة الطبيعية بأعداد قليلة، وضوابط كثيرة، حيث عادت المدارس بجميع أنواعها، لكن بفصل دراسي يضم عددًا أقل، وتخفيض فى ساعات التدريس، مع ملاحظة نوع من التراجع في المستوى الدراسى، لكن المثل المصرى "نصف العمى.. ولا العمى كله" يفسر هذا المنطق الذى اضطرت إليه الدول في أنحاء كثيرة من العالم. 

ويشير الطلاب إلى أن أسباب التأخر في الدراسة ترجع إلى إلغاء الدروس والحصص العملية، وإلغاء التدريب المهني. بالإضافة إلى عدم حصولهم على تسهيلات تعينهم على الدراسة بشكل جيد فى المنزل. 

أما فى جامعات العلوم التطبيقية (هـ بى أو)، فإن المشكلة تكون معقدة أكثر من الجامعات، حيث يتلقى الطلاب هناك دروسًا عملية وتدريبًا مهنيًا. 

لكن جميع المؤسسات التعليمية تبذل قصارى جهدها لتنظيم الدروس عبر الإنترنت، ويحظى ذلك بتقدير الطلاب، لكن نسبة 75 في المئة منهم لم يكونوا راضين عن جودة التعليم عبر الإنترنت. 

قال رئيس اتحاد الطلاب كيس جيليس، في مقابلة له مع راديو (إن أو إس 1): إن الأمر يختلف من طالب إلى آخر، لكن التأخر الدراسي يكون غالبًا ما بين 11 و14 نقطة دراسية ، ويقدر ذلك بنحو شهرين دراسيين، ويتعلق الأمر أيضًا بالمواد الدراسية، ويجرى اتحاد الطلاب دراسة حول الموضوع. 

كذلك، فقد عادت وسائل المواصلات، مع فرض ارتداء الكمامة داخلها، وفرض التباعد، أي لا يجلس شخصان بجانب بعضهما في الحافلات العامة. 

كما فتحت ـ أيضا ـ المطاعم ودور السينما وصالونات الحلاقة وبيوت التجميل وما شابه من أماكن للتجمعات، وفتحت دور العبادة طوال أيام الأسبوع، وطبعًا كل هذه التخفيفات في ظل الحفاظ على قانون التباعد، وعدم تخطى العدد المحدد، وهو ثلاثون شخصا في أى مكان مغلق. 

هذا "القانون المؤقت" أو هذه الضوابط تسرى فقط على الأصحاء والأطفال فوق سن الثانية عشرة، أما من يشعر بأنه ليس على ما يرام، فعليه البقاء فى المنزل، سواء كان طفلا أم بالغًا، وعليه الحفاظ على مسافة المتر ونصف المتر فى المنزل أيضًا. 

وفى هذا السياق، فإنه لم يسمح بتنظيم الفاعليات بأنواعها حتى الآن. 

وخلال مؤتمر صحفى عقده "مارك روتا"، قال إنه يأمل أن يكون هذا المؤتمر هو الأخير حول "أزمة كورونا"، في حال التزام المواطنين بالضوابط الاحترازية. خصوصا أن يوم 22 يونيو لم يشهد تسجيل أي وفيات إثر الإصابة بفيروس كورونا منذ بداية الأزمة. 

المزيد من التخفيفات

مع حلول الأول من يوليو، فإن هناك المزيد من التخفيفات، التي تتمثل في إلغاء فرض الحد الأدني من عدد الأشخاص، مع المحافظة على التباعد بقدر متر ونصف المتر. 

ولن يكون هناك حد أعلى لعدد الحاضرين في التجمعات، ما دام الجميع يحافظ على التباعد بالمسافة المذكورة سابقًا، لكن بشرط الحجز المسبق. وإذا كان ذلك غير ممكن، فيجب الالتزام بالحد الأعلى وهو 100 شخص فى الداخل و250 شخصًا في الهواء الطلق ـ الأماكن المفتوحة. 

بهذه الضوابط، فإنه يصبح من الممكن تنظيم أنشطة أكثر مثل مدن الملاهى المتنقلة (الكرمس) ابتداء من 1 يوليو، أما الفعاليات الجماهيرية الأكبر فتحتاج لوقت أطول حتى يتم تنظيمها، بسبب ضرورة الحصول على ترخيص، ويتوقع "روتا" أن يكون بالإمكان تنظيم مثل هذه الفعاليات مع حلول منتصف أغسطس. 

الضوابط السابقة تبدو أوسع مما كانت الحكومة قد خططت له ـ وفقا لتصريحات "مارك روتا" ـ أو ما كانت تعتزم تطبيقه، إذ كان من المفترض رفع العدد الأعلى للحاضرين فى التجمعات ابتداء من 1 يوليو من 30 إلى مائة شخص. 

قال "روتا": "يمكننا أن نفعل أكثر مما كنا نعتقد". 

وأضاف: "وذلك لأن الضوابط تم الالتزام بها بشكل جيد" ـ حسب تقديره ـ موضحًا: "من خلال التباعد.. نمنح لبعضنا مساحة أكبر". 

وتشمل التجمعات إلى جانب الفعاليات الجماهيرية، المطاعم والمقاهى والمسارح ودور السينما، وأيضا قاعات الرياضة وصالات الساونا، وكذلك دور العبادة.

كما تشمل حفلات الميلاد وحفلات الجوار والأعراس والجنائز. وبالنسبة للملاعب بعد 1 (يوليو)، فيمكن للجمهور حضور المباريات. لكن عليهم المحافظة على التباعد لمسافة المتر ونصف المتر، كما أن الهتاف الجماعي سيكون ممنوعا لتقليل احتمالات انتشار الفيروس، أما الغناء الجماعى فمسموح به فى الكنائس، على أن يعلن "معهد الصحة والبيئة" تعليمات حول ذلك. 

أما بالنسبة للمواصلات العامة، فإنه اعتبارًا من الأول من يوليو، ستكون متاحة أيضاً للتنقل غير الضرورى، وسيسمح بإشغال جميع المقاعد فى الحافلات العامة والقطارات، وحالياً نسبة الإشغال 40% فقط من المقاعد. 

وفيما يخص الحافلات السياحية، فإنه سيسمح لها بأن تمتلئ بالركاب، وأخيرًا سيتاح أيضًا السفر الجماعى بالسيارة. 

وأكد رئيس وزراء هولندا روتا، أن قاعدة واحدة ستبقى مستمرة وهي التباعد لمتر ونصف المتر، والكمامات أيضًا ستبقى إلزامية فى وسائل النقل العامة، ويطلب من المسافرين تجنب الزحام. 

أما صالات الديسكو والملاهى الليلية، فستبقى مغلقة. 

انتقادات للحكومة

ورغم إصدار التخفيفات فى الضوابط الاحترازية، فإنها لاقت بعض الانتقادات من قِبل نقابة المحامين وعمد البلديات وأعضاء المجالس البلدية، لأن الحكومة تريد تضمين هذا القانون أوامر الطوارئ المؤقتة التي صدرت على عجالة في الأشهر الماضية. كما تريد توفير غطاء قانونى أفضل لأى إجراءات مستقبلية، فى حالة انتشار موجة جديدة من الإصابات. 

على سبيل المثال، فى حالة أوامر الطوارئ، يتم غلق المقاهى والمطاعم وقاعات الرياضة، وليس للمواطنين حق إبداء الرأى مسبقاً من خلال المجالس البلدية أو مجلس النواب. 

كما لا يستطيع المواطنون الطعن فى هذه الأوامر لدى القضاء، وينص القانون ـ على سبيل المثال ـ على أنه من الممنوع إهمال الحفاظ على مسافة الأمان فى الشارع، ويمنع التواجد في أماكن عامة معينة، كما يـُمنع تنظيم الفعاليات، وأن الحكومة يمكنها فرض إجراءات النظافة بشكل إلزامى، وبإمكان الحكومة منع ممارسة مهن محددة. 

ويمكن للحكومة ـ وفقا للقانون الجديد ـ إصدار لوائح وزارية. 

في حين يرى المنتقدون أن القانون يذهب أبعد مما ينبغي، ويشكل انتهاكًا للحقوق الأساسية للمواطنين، كما أبدت نقابة المحامين مخاوفها من أن تطبيق القانون وفرض الغرامات يمكن أن تنتج عنه حالة من العشوائية، لأن الضوابط ليست واضحة بما يكفى. 

وأضافت النقابة، أن الحكومة بوسعها تمديد القانون، ما يجعل صفة "المؤقت" تعنى عمليًا وقتًا مفتوحًا. وهذا توقيت أطول مما يجب لقانون ينتهك عددا من الحقوق الأساسية ـ على حد قول النقابة. 

ويشير الأستاذ الجامعي لقانون الدولة "فورمانس": هذا الوضع لا يتلاءم مع دولة الديمقراطية، ويقف على النقيض من نظامنا الدستوريّ والقيم والمبادئ المثبتة في هذا النظام. 

أما عمد البلديات واتحاد أعضاء المجالس البلدية، فيرون أنه قد تم إقصاؤهم، ويحذر المجلس من أن يكون لذلك أثر سيئ على الدعم الشعبى للقرارات. 

التعليقات