دراسة في ظل أزمة كورونا.. ازدهار قطاعات وتقلص واختفاء أخرى

أكدت دراسة أعدتها دائرة الموارد البشرية بالشارقة حول "تأثيرات الوباء العالمي فيروس كورونا المستجد على قطاعات الأعمال والوظائف محليا " أن قطاعات ومؤسسات الأعمال الفائزة في ظل أزمة "كورونا" هي التي تمكنت من أداء أعمالها عن بُعد (online)، وحولت كافة أعمالها بنسبة 100% لتصبح عبر الإنترنت، فيما ازدادت أهمية الوظائف التي تتم عن بُعد، والتي يمكن إثراؤها بأعمال التحليل، في حين تأثرت الأعمال (الروتينية) سلباً، وقد تتعرض للتقلص والاختفاء، كونها تفتقر لأعمال التحليل، حتى يتم تطويرها لتنفذ عبر التكنولوجيا والتطبيقات الذكية.

وأشادت الدراسة - التي تأتي في إطار جهود الدائرة على صعيد مجال الدراسات والأوراق العلمية التي تخدم استدامة رأس المال البشري وتدعم اتخاذ القرار في القضايا والشؤون المعنية بالموارد البشرية - بجهود دولة الإمارات وتفوقها في تقديم سياسات تنمية بشرية متطورة وناجحة ومواكبة للمستجدات بصورة دائمة أدت إلى نمو وتطور كبير في الموارد البشرية الإماراتية المنتشرة في قطاعات الأعمال الحكومية والخاصة وازدادت كفاءاتها وقدراتها لافتة في هذا الشأن إلى التأثيرات التي ستطال كافة الموارد البشرية على مستوى الدولة والعالم أجمع.

وأوضحت الدراسة - التي استهدفت إلقاء الضوء على التغييرات التي طرأت على أسواق العمل والاقتصاد على المستوى المحلي والعالمي في ظل جائحة الوباء العالمي لفيروس كورونا الذي يعتبر "عدواً غير مرئي" متناولة التغييرات على المدى المتوسط وطويل الأجل لمختلف الأعمال والقطاعات على المستوى الحكومي والخاص - أن الأعمال والقطاعات المختلفة ستتأثر جراء هذه الجائحة العالمية على مستوى القطاعات الحكومية والخاصة حيث تضررت بعض الوظائف على مستوى القطاعين وقد يتقلص بعضها أو يختفي وقد تظهر هنالك صعوبات في طرح وظائف جديدة غير أن الفرص ستظل متاحة لتطوير الوظائف الحالية عبر الدمج والتقليص والإثراء الذاتي من داخل الوظيفة والتركيز على تحليل البيانات وتطوير تقنية المعلومات المساندة لترتبط مباشرة بكافة الوظائف وتعمل على تطويرها تقنياً وبخاصة تطوير مسألة العمل عن بُعد أو العمل من المنازل on line work الذي أصبح واقعاً هاماً للغاية وحقيقة مفروضة حتمت فرض تغييرات مهمة بشأن طبيعة الوظائف سواء الحالية أو الجديدة والمستحدثة.

ولفتت الدراسة إلى تأثيرات الحجر الصحي على قطاعات الأعمال حيث تأثر العديد منها بسبب القيود وتخوف الناس من انتشار الأمراض المعدية حيث قل السفر والتنقل وركوب الطائرات وتناول الطعام خارج المنزل ولقاءات الأعمال واللقاءات الاجتماعية وحضور الاحتفالات العامة والأحداث الرياضية والمؤتمرات والندوات والمهرجانات وتنظيم الفعاليات المختلفة وبالتالي فإن العديد من الأنشطة والأعمال المرتبطة بهذه الأنشطة قد تتقلص أو تختفي.

وتناولت الدراسة بالتفصيل أهم قطاعات الأعمال والوظائف المستفيدة، كان أبرزها قطاعات الأعمال الصحية والطبية، كالوظائف المتعلقة بالطب والتمريض والصيدلة والطب الوقائي وعلوم الأوبئة والصناعات الدوائية، وكذلك الوظائف المتعلقة بتقديم السلع الطبية ونقلها، وأعمال وظائف تكنولوجيا المعلومات المساندة للعمل الطبي، وكذلك وظائف متاجر السلع الاستهلاكية والجمعيات التعاونية، كالأمن، وعمليات التنظيف والتعقيم، والإداريين المشرفين، والمحاسبة، وأصحاب المهارات الحرفية المتعلقة بعمل الأغذية وتنظيفها وترتيبها وفقاً للقواعد الصحية حيث ازدهرت هذه الوظائف مؤخراً كونها تلامس حاجة الناس المباشرة.

وتطرقت في المحور ذاته إلى الوظائف المتعلقة بشركات الأدوية ومعالجة الأمراض، مركزة على الوظائف الفنية والتقنية المتعلقة بعملية تصنيع الدواء، ثم الوظائف المساندة داخل شركات الأدوية كالتسويق، والنقل، والتدريب، والتأهيل، والمحاسبة، والعمل الإداري المتصل بشركات الأدوية، حيث يشهد هذا النوع من الأعمال ازدهاراً وأهمية وتحتم الضرورة التوجه إليه والاستثمار فيه وتطويره بإنشاء شركات تصنيع الأدوية والأبحاث الطبية.

كما تناولت في محور الوظائف المزدهرة تلك المتعلقة بشركات التكنولوجيا والخدمات والعمليات التقنية، وأمن المعلومات، التي تعمل على دعم العاملين من المنازل، الأمر الذي يفتح المجال لتطوير كافة أعمال تقنية المعلومات، ويعمل على تأمين وظائف تقنية متعددة، علاوة على الوظائف التعليمية والتدريبية والتأهيلية المسنودة بالعمليات التقنية وتنفيذ أعمال التعليم والتدريب والتأهيل عن بعد، مثل الوظائف المتعلقة بالعلوم والنقل والترجمة والنشر التكنولوجي التي تتم عبر الإنترنت.

وركزت الدراسة على قطاع الاقتصاد الأخضر المعني بالوظائف المتعلقة بالبيئة والمحافظة عليها، والتعامل مع التغير المناخي، والاحتباس الحراري، ومعالجة مشكلة شح المياه، والتصحر والجفاف، حيث ازدادت أهمية التخصصات المتعلقة بذلك، بجانب الوظائف المتعلقة بالقطاع الزراعي التي ينبغي تطويرها للاستعداد لتحقيق التوازن في عمليات استيراد المنتوجات الزراعية في المستقبل، وتفادي ما يتعلق بها من تبعات كارتفاع التكلفة، وصعوبات الاستيراد، ومدى كونها آمنة.

واختتمت الدراسة هذا المحور بمجال الذكاء الصناعي والطب وهندسة البرمجيات وتصميم الأنظمة، والوظائف المتعلقة بالطاقة الشمسية والنووية السلمية والاستثمار.

وأوصت الدراسة المعنيين في قطاعات التوجيه الوظيفي والإرشاد الأكاديمي إلى توجيه الطلبة والدارسين نحو الوظائف الطبية، وتركيز أصحاب القرار على الاهتمام بهذه المجالات والوظائف وشاغليها من الكوارد المواطنة، وذلك لمسيس الحاجة لهم كون استيراد الأطباء من الخارج عملية مكلفة حالياً ومستقبلاً، وقد تضطر الدول إلى الاحتفاظ بأطقمها الطبية والباحثين في المختبرات الطبية، كموارد بشرية نادرة، لذا من الضروري العمل على زيادة التخصصات الطبية المختلفة، والعمل على دعم المختبرات الطبية، والعاملين بها من الفنيين والمتخصصين والباحثين، والعمل على خلق وظائف جديدة تتعلق بالأدوية وصناعاتها.

كما تناولت الدراسة قطاعات الأعمال التي تأثرت سلباً بالأزمة، والتي قد تعاني تقليصاً أو اختفاء في المستقبل، وأبرزها الأعمال الروتينية التي تحل محلها التطبيقات الذكية و وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك المتعلقة بتجارة التجزئة التي تأثرت بالحجر الصحي وعدم مغادرة الناس لمنازلهم، وكذلك مختلف الأعمال المتعلقة بقطاعات السياحة والسفر والترفيه والضيافة والأحداث الرياضية في كافة دول العالم، مشيرة إلى أن التوقف المفاجئ للأعمال التجارية قد يضطر الشركات المتأثرة إلى تقليص عدد موظفيها أو تخفيض ساعات عملها تخفيضاً جذرياً.

وتناولت الدراسة أيضا مدى تأثر سوق السيارات وقطاع العقارات، والقطاع الاقتصادي، الذي تأثر سلباً مؤخراً بانخفاض سعر النفط المعروض في السوق العالمي، الذي أثر بدوره على حجم الوظائف المعروضة في ظل انتشار التطبيقات الذكية.

وقال سعادة الدكتور طارق سلطان بن خادم عضو المجلس التنفيذي لإمارة الشارقة رئيس دائرة الموارد البشرية إن هذه الدراسة تأتي ضمن الجهود المستمرة لدائرة الموارد البشرية بالشارقة في دعم الاستقرار الوظيفي، ومواكبة مستجدات العصر وانعكاساتها على كافة شؤون المورد البشري وسوق العمل والوظائف من أجل إدراك أهمية هذا الجانب المجتمعي الحساس الذي يؤثر بدوره على كافة تفاصيل وتشعبات شؤون الحياة للأفراد.

وأكد المساعي الحثيثة للدائرة في مراقبة تطورات الوضع الراهن للأزمة العالمية لفيروس كورونا المستجد، وتأثير معطياتها على الميدان الوظيفي والثروة البشرية عموماً، والعمل على بذل الحلول التي تخفف من حدة التأثيرات والانعكاسات التي فرضتها الإجراءات الاحترازية للأزمة على مختلف القطاعات و واقع الأعمال.

وقال إن إمارة الشارقة أدركت مبكراً أن البيئة الرقمية في ممارسة الأعمال الحكومية ليست ترفاً بل ضرورة حتمية لمواكبة متطلبات العصر، فأسست البنى التحتية الرقمية التي وجه بها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لتوفير أسرع وأفضل الخدمات في حكومة الشارقة، وأثبت هذا الاستعداد المسبق والجاهزية الفعلية؛ نجاحها وقدرتها في مواجهة هذا الظرف الاستثنائي لفيروس كورونا الذي ألم بالعالم أجمع لتحافظ على استمرارية الأعمال في كافة قطاعات الإمارة عبر التكنولوجيا بذات الجودة السابقة.

وثمن المتابعات الحثيثة لسمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي عهد ونائب حاكم الشارقة رئيس المجلس التنفيذي، التي أسهمت في دعم جهود موارد الشارقة في تطوير الأنظمة والتشريعات التي توفر بيئة العمل القابلة للتكيف مع كافة تداعيات الظروف الاستثنائية ومواكبة التغيرات المتسارعة مما عزز تنافسية إمارة الشارقة في دعم وتنمية ثروتها البشرية.

وبين أن موارد الشارقة تدرك حجم التحديات التي تواجه التنمية البشرية في الوقت الراهن وآثار التغيرات السريعة في التخصصات والمهن والاحتياجات المستقبلية للأسواق المحلية والعالمية، وتغييرات مجالات العمل والاتجاه نحو الأعمال الرقمية التي سيقابلها انحسار واندثار الكثير من الوظائف التقليدية.

وثمن الجهود الجبارة التي تبذلها حكومة الشارقة في دعم قطاع التعليم العالي الذي يشكل البنية التأسيسية في مستقبل الوظائف، وأبرزها جهود جامعة الشارقة والجامعة الأمريكية في الشارقة بدعم واستحداث البرامج والمناهج التي تواكب النهضة التعليمية الراهنة، وتضع نصب تركيزها احتياجات المستقبل والتسارع الرقمي، وذلك في كافة التخصصات والدرجات العلمية من البكالوريوس إلى الماجستير والدكتوراه.

وقال إنه وباعتبار جامعة الشارقة والجامعة الأمريكية من أبرز المؤسسات التعليمية في الدولة فإنها تؤدي دوراً رائداً في الإسهام بالتطور وتقديم الحلول المبتكرة عبر الدراسات والبحوث العلمية المتعمقة التي تؤدي للتطور السريع والتحول الذي يصنع المستقبل ويواكب مهاراته، كما تلتزم بتزويد الجيل القادم لميادين العمل بالمعارف والمهارات التي تعده للتنافس على المستوى العالمي، وتكسبه الجاهزية للتعاطي مع كافة مستجدات العصر.

وأشاد بإنجازات الجامعتين في رفد سوق العمل بالكوادر البشرية ذات الجودة والكفاءة، المزودة بالمهارات والقدرات التي تلبي احتياجات الحاضر وتواكب متطلبات المستقبل، وإنجازاتها وجهودها في تطوير البرامج الدراسية ضمن كافة المجالات بما يخدم التطور السريع، التي كان أبرزها علم البيانات والدراسات الرقمية التي اكتسبت أهمية متسارعة في جميع القطاعات، وأكد حتميتها وأهميتها واقع الأزمة العالمية الراهنة.

واختتم قائلاً : من خلال هذه الدراسة نؤكد استعدادنا للقادم الذي سيكون قطعاً مختلفاً عما اعتاد عليه الجميع، والخطط الاستراتيجية قائمة لمواكبة مستقبل العالم الرقمي بعد هذه الأزمة، لنصل بالعنصر البشري الإماراتي إلى أعلى مستويات الجاهزية لإدارة وتسيير العمليات الرقمية في كافة المهن.

التعليقات