أزف الوقت 

إن الله غنيٌ عن عبادة العابد ولا يؤثر بعلو مقامه معصيةِ العاصي، وهذه الأرض ومافيها ظاهراً وباطناً لا تساوي عندهُ جناح بعوضة، ولو شاء لجعل كل من فيها على قلبٍ واحدٍ وعقيدةٍ واحدة لكنها دار ابتلاء وامتحان فإما النجاح أو الرسوب، وإما أن تؤتى كتابكَ بيمينك أو بشمالك وبكلا الأمرين تكون قد خضعت للإمتحان الكبير والذي يمثل الفرصة الأخيرة لأن تنجو برأسك أو أن تسكن سقر .....

إن حرية العقيدة شيءٌ مقدس ولأي شخص حرية عبادة ما يشاء ولكن دونما إضرار بأحد، و لطالما كانت النية هي المقياس الأدق للإيمان، فكم من متبتلٍ ناسكٍ عابدٍ في الظاهر فقط أما باطنهُ فقد يكون منافقاً و زنديق، وكم من لاهٍ عن الطاعات ولكن بخافقهِ قلبُ مؤمنٍ مخلصٍ لله موحداً له طائعاً غير كاره لربوبيته وعظمته وجبروته.... إن كل ما وصلت إليهِ البشرية من تقدمٍ بالعلم و التقنية ووسائل الاتصال حتى ما اخترعهُ الإنسان من مخترعاتٍ دقيقة مثل الكبسولة التي تسبح بتربة وفوهات براكين المريخ تارةً و تارةً أخرى تلك التي تلجُ  لأصغر أوردة جسم الإنسان وتفتح إنسداده، كل هذا التقدم بالعلم والمعرفة لم يستطع الإنسان أن يخترع جهازاً واحداً يكشف أسرار وبواطن العقل وما يضمرهُ المرء أو يعلنهُ والذي يسمى مجازاً النية..... وكانت المقولة الشهيرة للرسول الأعظم محمد عليهِ الصلاة و السلام  إذ قال: (أوشققت على قلبهِ يا عمر....) هي الشاهد على أن ما بالقلب لا يعلمهُ سوى الله وحده عز وجل دون غيره.... 

تنتشر حالياً وبهذا الوقت من الزمن سموم جديدة للملاحدة، نتيجة الجراح التي تمر بها الأمة، طبعا الإلحاد شيء موجود منذ نشوء المجتمع البشري وليس بأمرٍ جديد، لذلك كان التواتر الإرسالي من السماء لسكان الأرض عبر بعثِ الرسل و الأنبياء كيما يعيدوا  إيقاظ الفطرة الأولية لإبن آدم والتي تقر وتعترف بوجود الله لا محال كمنفردٍ أوحد وصانعٍ للكون وخالقٍ لكل شيء، فعرجَ للأسف من أراد شيئاً من الشهرة أو رغبَ بتسليط الضوء عليه لما يسمى بالإلحاد و إنكار الوجود الإلهي محاولاً جذب البعض بقوله ومنطقه.....

إن الإلحاد شأن يخص صاحبه لكن معظمهم -وأخص هنا الملاحدة العرب - بلا حجة وما هم إلا مقلدين عميان و مكررين لكلامٍ قديم يخلو من المنطق الصريح و فيه الكثير من التجني  وافتراء صارخ كما يحتوي على قرائن ضعيفة تدينهم أكثر مما تدعمهم، بالطبع إن آمنوا بوجود الله أم لم يؤمنوا فلن يغيروا من نواميس الكون شئ فلن يحجبوا شمساً ولن ينزلوا مطراً، وما هم إلا فئة إعتلت صهوة المنابر الإعلامية المتمثلة بوسائل التواصل الإجتماعي والتي أتاحت لهم الوعاء المناسب لإفراغ سموم معتقداتهم الباطلة و التي ولج إليها بعضُ الجمهور من باب الفضول أحياناً  فأصابهُ من ذاك السمِ ما أصاب لما يحتوي إسلوبهم الخطابي من أفخاخٍ و مصائد يقع في شركها الشخص البسيط وقليل الثقافة وضحل المعرفة، وحينما يتمكنون من فريستهم جيداً يشرعون بتلقين أتباعهم الجدد تعاليم و قواعد أفكارهم بل يجعلون منهم أبواقاً جوفاء فقط تنقل الصوت ولا تدرك معناه، وكما أنهم يستهدفون الفئة البسيطة والناشئة من المجتمع هم يستهدفون أيضاً الفئة المثقفة والواعية ويستخدمون معهم  لغة خطابية و مصطلحات كلامية أخرى ولهم طرقهم بالإقناع والحوار رغم أن جُلَ كلامهم هجوم على الذات الإلهية و دالكتب السماوية وبالأخص القرآن الكريم وهجومهم هذا بلا دلائل أو حجج مقنعة فقط نقد لاذع يفتقدُ للمنطق و الأدب بآنٍ معاً ...

إن حرية الإعتقاد حقٌ طبيعي لأي شخص وأمر مشروع  تكفلهُ القوانين وتحفظهُ الأعراف لكن ليس من حق أحد أن يهين معتقد الآخر أو يسفههُ أو أن  يعبث فيهُ إزدراءً أو إفتراءً مهما يكن، لكن البعض يطعن بمعتقدات خالدة ومُسَلَمَه لدى الفئة الأكبر بالمجتمع لذلك فإن خير علاج لهؤلاء الشرذمة إذا لم ينفع النصح معهم هو إهمالهم وتركهم لشياطينهم التي ستتبرء منهم يوم الحساب، لذلك يجب عدم محاورتهم أو مناظرتهم البتة لأنهم بالحقيقة عراه فكرياً  فقط شتامين لعانين وأنا طبعاً أقصد البعض منهم، يجب تركهم مهملين متقوقعين بعتمةِ كهوفهم المظلمة والتي خرجت من غيهبها أفكارهم الضالة والمهترئة.....

كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته ويجب على رب كل أسرة توعية أبنائه من خطر هؤلاء وظلامية أفكارهم ومراقبه أبنائه من أكاذيب هذه الفئة الضاله التي تحاول أن تتصيد الشباب بكلامٍ معسول مدسوسٌ فيه السم، ولدي قناعه كبيرة بأن السواد الأعظم من هؤلاء الملاحدة  حينما يحيطهُ الفزع وتنوخُ بهِ النوائب ويقع بقاع المصيبه أول ما يفعله هو الإستنجاد بالله فيقول: سترك يا الله اللهم نجني مما أنا فيه،  فهو معترف بألوهية الله لكن غرورة حال دون اعترافه بذلك  فنجدهُ يختبئ خلف الكي بورد منظراً متفلسفاً  على الجمهور بلا أيةِ براهين يقودهُ لهذا الأمر حبهُ للظهور و الإبراز، هذه حال الكثيرين منهم  فهم  متفيقهون ويظنون أن كلامهم أو منطقهم ضرب من ضروب الثقافة أو لون من ألوان الحضارة الجديدة والعولمة الحديثة والتي وصلوا إليها عبر وسائل الاتصال المتاحة، ناسين بأن الشيطان الذي ينفخ بوقه بعقولهم هو ذاتهُ من نفخ بعقول أسلافهم من الزمن الغابر ثم تبرأ منهم فيما بعد ....

أيها الملحد العربي تذكر مثلك الأعلى فرعون، ذاك لم يلحد فقط بل إدعى الألوهية ذاتها وهو القائل لوزيره: فأوقد لي يا هامانُ على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلعُ إلى إله موسى وإني لأظنهُ من الكاذبين، هذا الزنديق حينما غرق بمياه البحر وجائتهُ الواقعه صرخ من أعماقه فزعاً مستغيثاً  وقال: ( آمنت برب موسى وهارون) لذلك علينا تركك لا مناقشتك لأن الفرعون الذي بداخلك سيؤمن برب موسى وهارون حينما تنازع الروح جسدك وقد لا يسعفك الوقت حينما يحشرجُ الموتُ في ترقوتك فلا تكون مع زمرة الناجين وحينما يملأ التراب عينيك حينها تكون قد هلكت حتماً و لا عزاء لمن كانوا لأنفسهم يظلمون حيث لا عودَ بعد الآن و لا رجوع بعدما أزفت الآزفة.

التعليقات