غش الأدوية البيطرية "جريمة شروع في قتل"

  • نقص الدولار وغياب الرقابة بيئة خصبة لغش الأدوية
  • ٥٠% من الأدوية في السوق المصري مغشوشة
  • الأدوية المغشوشة سبقت تجارة المخدرات
  • الدقهلية والغربية والشرقية والفيوم بؤر غش الأدوية البيطرية
  • برميل ومنضدة وعبوات فقط ما يحتاجونه لتقليد العقاقير
  • الأسعار تتراوح بين ١٥٠٠ و٢٥٠٠ للكرتونة
  • الدور الرقابي على الأدوية البيطرية مشتت بين "شئون الصيادلة" و "الخدمات البيطرية"
  • النشا والدقيق أسهل طرق الغش
  • مواد تحتوي على معادن ثقيلة تدخل ضمن مكونات الأدوية المقلدة
  • السرطان وأمراض القلب والرئة نصيب الإنسان من غش الأدوية البيطرية
  • ١٠ مليار جنيه حجم تجارة الأدوية المغشوشة في مصر

"مصر تعلن تعويم الجنيه" خبر استيقظ عليه ملايين المصريين في نوفمبر الماضي وما زالت توابعه تلاحقهم حتى الآن من تضخم ونقص كل ما هو مستورد، ورغم ذلك تتوفر الأدوية البيطرية الأجنبية بسهولة في السوق في ظل استمرار وقف الاستيراد، ليثير هذا الريبة لنبدأ البحث عن مصدر تلك الأدوية في هذا التحقيق.

الإجابة على توفر الأدوية البيطرية المستوردة حتى مع نقص الدولار سهلة في وجود غياب الرقابة، ويكون الغش هو السبيل للتربح السريع بدون عناء. خطر انتشار الأدوية البيطرية المغشوشة أكثر تهديداً من عدم توفر الدواء نفسه، نظراً لما يسببه من أضرار جانبية ليس على الحيوان فقط بل المستهلك أيضاً، ووصلت نسبة الأدوية المغشوشة في مصر إلى ٥٠% وفقاً لخبراء مصريين، بينما ترى منظمة الصحة العالمية أن النسبة تتراوح بين أقل من ١% في الدول المتقدمة إلى ٣٠% في نظائرها النامية ويرجع هذا الفارق إلى غياب الدور الرقابي.

محل غير مرخص  بداية الخيط

محل أدوية بيطرية ضيق في حارة صغيرة بمنطقة فيصل في محافظة الجيزة، غير مطابق للمواصفات التي أقرتها هيئة الخدمات البيطرية مما يعني أنه غير مرخص، على جدرانه رفوف متهالكة بها كمية كبيرة من عبوات الأدوية المستوردة، بحذر وترقب وكلمات مقتضبة كان رد مصطفى السعيد، صاحب المحل، وعند طلب كميات كبيرة من المضادات الحيوية والمكملات الغذائية قال أنه يتعامل مع أقاربه بمحافظتي الدقهلية والغربية، واتصل بهم لتحديد موعد للقائهم واختتم حيثه قائلا: "هتشوف شغل أعلى من المستورد ونفس العلب هي هي".

في مكان ناءٍ يدعى كفر البذ التابع لمدينة السنطة بمحافظة الغربية انتهى المطاف بعد رحلة طويلة برفقة صاحب محل فيصل لمقابلة شخص يدعى محمد الراعي في مزرعة الدواجن الخاصة به، والذي تبين أنها نفس المكان الذي يتم فيه غش الأدوية البيطرية وتعبأتها في عبوات مطابقة تماماً للأدوية الأصلية في المظهر وليس المضمون.

٣ أشخاص وبرميل ومنضدتين "أدوات الجريمة"

عن طريق ٣ أشخاص وبراميل بلاستيكية ومنضدتين وأغلفة أدوية مطابقة للمستوردة، كما هو موضح في الصور تكتمل أركان الجريمة في حق الملايين، ويصنع في هذا المكان آلاف العبوات المغشوشة التي توزع في جميع أنحاء الجمهورية، تم الاتفاق على ٥٠٠ كرتونة مكمل غذائي سعر الواحدة ٢٥٠٠ جنيه وهم: "metrozen, phosfotil, lomeflox, sulfaclor".

 "احنا بنبيع جودة أحسن من المستورد وأرخص بكتير" بتلك الكلمات بدأ صاحب مزرعة غش الأدوية حديثه مضيفاً أنه سيتضح ذلك بعد التجربة، ولا خوف من كونها مقلدة فالمكونات واحدة، ويقال أنها مستوردة لأن التجار عندهم عقدة الخواجة، كما أنه يساهم في حل أزمة ارتفاع الأسعار.

الدقهلية وكر غش الأدوية البيطرية

ومن قرية نائية إلى صخب المدينة مزرعة آخرى بشارع المحاكم بمدينة المنصورة المكتظة بالسكان، تم مقابلة الأخوين خالد الخولي ومحمود الخولي أصحاب مزرعة دواجن تحولت إلى وكر لغش الأدوية.

بكلمات حادة استقبلنا الأخوين ولم يسمحا لنا بدخول المزرعة لذلك تم تصوير عبوات الأدوية فقط، وهي tilmicosin 25% و lincodem 50 بسعر ١٩٠٠ جنيه للنوع الأول و١٧٠٠ للثاني، وعند سؤال خالد الخولي عن البلد التي يتم استيراد الأدوية منها، قال ضاحكا بسخرية: " يا باشا مفيش أدوية مستوردة بالأسعار دي احنا بنجيب العبوات بس من بره الباقي بنعمله هنا وده مساعدة مننا للناس عشان زيادة الأسعار بنعمل نفس المنتج بنفس الجودة بس في البلد وبنقول إنه مستورد عشان ما نفتحش علينا العين والضرايب ودوامة الترخيص والدقهلية فيها كتير زينا".

الدولار والرقابة المشتتة سبب الأزمة

يعتبر أصحاب مصانع بير السلم أن ما يفعلونه من غش، مساعدة لتجار الدواجن والماشية بسبب ارتفاع الدولار، ويقول الدكتور مصطفى عبد العزيز، رئيس هيئة الخدمات البيطرية، أن السبب الرئيسي في غش الأدوية هو التضخم وارتفاع الأسعار وتحديداً المواد المستوردة التي زاد سعر بعضها إلى أكثر من ٢٠٠% ولكن خطورة العقاقير المغشوشة تكمن في إضافة مكونات مضره على صحة الحيوان وبالتالي المستهلك بالإضافة إلى خلط نسب أعلى من المطلوب وأحياناً أقل وفي الحالتين تؤدي إلى نتائج سلبية".

كما أوضح عبد العزيز أن الرقابة على الأدوية البيطرية في مصر مشتتة بين قطاع شئون الصيادلة وهيئة الخدمات البيطرية، حيث أن تسجيل الأدوية البيطرية ورخص المصانع تصدر من شئون الصيادلة، مطالباً بنقل تبعيتها إلى الخدمات البيطرية.

الأدوية البيطرية المغشوشة خطر مزدوج

قال المهندس تامر الكرماوي، صاحب مصنع أدوية بيطرية، أنه من السهل غش العقاقير البيطرية في ظل ضعف الرقابة، وأن نسبة الأدوية المغشوشة ٥٠% من السوق المصري وأصبحت تسبق تجارة المخدرات، مؤكداً أن أسهل طريقة للغش بإضافة النشا والدقيق وبالتالي لن يكون هناك مواد فعالة في الدواء وسيوثر ذلك على الإنتاج وعدم معالجة الحيوان.

وأكد الكرماوي أن الأخطر هو إدخال مكونات محظورة وهرمونات لتسريع عملية النمو، مثل وضع كميات كبيرة من هيدروكربونات مكلورة ومركبات الفسفور العضوي ومضادات الكوكسيديا، وإضاقة معادن ثقيلة.

فيما ذكرت الدكتورة عزيزة محروس، عميدة كلية الطب البيطري السابقة بجامعة القاهرة، أن استخدام الأدوية البيطرية الأصلية بشكل خاطئ يؤثر على الحيوان والإنسان، متسائلة فما هو الوضع إذٍ للأدوية المغشوشة مجهولة المكونات، فمن الطبيعي أن يكون لها تأثير سلبي على صحة المستهلك وذلك لإدخال أعلاف من منشأ حيواني بغرض ض زيادة الإنتاج.

وأضافت عميدة كلية الطب البيطري السابقة أن الأدوية المقلدة تؤثر على وظائف الرئة والقلب وغيرها من الأجهزة الرئيسية للإنسان بالإضافة إلى مخاطر الإصابة بالسرطان وعقم الرجال، وأن استخدام المضادات الحيوية بشكل مفرط من أجل النمو السريع هو الخطر الأكبر خاصة أنه يتم استهلاك الدواجن والماشية قبل سحب أثر هذه الأدوية.

وكشف الدكتور خالد العامري، نقيب الأطباء البيطريين، أن الأزمة الرئيسية تتمثل في الدولار، فصناعة الأدوية البيطرية قي طريقها للإنهيار لأن ٩٧% من اللقاحات مستوردة، وذلك تسبب في انتشار الأدوية المغشوشة، ويجب أن تكون هيئة الخدمات البيطرية هي المخول لها استيراد الأدوية البيطرية ومكوناتها، مع ضرورة فتح التراخيص لشركات الأدوية.

وأضاف العامري قائلاً: "حجم الإنتاج الحيواني والزراعي في مصر لسنه ٢٠١٦ بلغ ١٠.٢ مليار جنيه والخسائر أصبحت يومية ولابد من التدخل خاصة وأن الحيوانات فريسة سهلة للأمراض ومنها ما هو قادر على الفتك بشعوب كاملة مثل أنفلونزا الطيور التي يسهل انتقالها للإنسان، ونعاني الآن بشدة من نقص علاج أمراض خطيرة".

"ظاهرة غش الأدوية عالمية وأسبابها عديدة منها نقص الدولار" هذا هو مبرر الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، مضيفا أن الوزارة تقوم بحملات يومية على الرغم من نقص عدد المفتشين، وأن التزايد المستمر في نسبة الأدوية المغشوشة يرجع إلى ارتفاع سعر الدولار الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الدواء ونقص عدد من العقاقير والمواد الخام.

أزمة عالمية بأرقام قياسية مصرية

وفي دراسة أجرتها مجلة food safe عام ٢٠١٤ بعنوان "استخدام المضادات الحيوية في غذاء الحيوانات: تهديد متزايد للصحة العامة"، ذكرت أن ظاهرة الأدوية المغشوشة تحقق أرقام قياسية في مصر والأردن وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية، وأنها أزمة عالمية، كما أن استخدام المضادات الحيوية المغشوشة في الرعاية الصحية يؤدي إلى ظهور مسببات الأمراض المقاومة، وتزايد الخطورة على الصحة العامة.

وكشفت الدراسة أن الغش ٣ أنواع تجاري وصناعي والتلاعب في تاريخ الصلاحية، وأخطرهم الصناعي نظراً لتأثيره على صحة الحيوان والإنسان والبيئة بسبب استخدام معادن ثقيلة ومواد سامة في بعض الأحيان منها ما يؤدي إلى السرطان والعقم بل والموت في بعض الأحيان.

أزمة الدولار تزيد من الحصار وتعمل على تفاقم أزمة الأدوية المغشوشة وتبرير جريمة غش الأدوية بأن ظاهرها المساعدة ومحاربة الغلاء، أما باطنها هو التربح السريع على حساب الصحة العامة للإنسان والحيوان، في ظل تشتت الرقابة بين الإدارات المختلفة ومنع التراخيص عن المصانع الحقيقة، ويظل البديل مواد سامة إلى حين إشعار آخر حتى تتدخل الحكومة لوضع حل للأدوية الأصلية ورادع لنظيرتها المقلدة.

التعليقات