"أبو الغيط": مركز الإمارات للدراسات واحد من بيوت الفكر المعدودة عربيا

أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية، هو واحد من بيوت الفكر المعدودة في العالم العربي التي نجحت في صناعة اسم معتبر في مجال الدراسات الاستراتيجية، وهو مجال تشتد الحاجة إليه في عالمنا العربي في هذه اللحظة بالذات من تطور النظام العالمي وتسارع المتغيرات على الصعيد الإقليمي، حيث تتباين القراءات لما هو قادم، وتتناقض التقديرات لما يمكن فعله حيال هذا القادم المجهول.

وتحدث في كلمته اليوم في محاضرة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تحت عنوان "العالم العربي في ظل المتغيرات العالمية والإقليمية"، أن القراءة السليمة للتيارات المستقبلية تقطع نصف المسافة المطلوبة على الأقل نحو هدف تعزيز مصالحنا كعرب، وتعظيم استفادتنا من هذه المتغيرات، بجلب خيرها أو درء خطرها. 

وشدد على أن القراءة السليمة لما يجري، تضعنا على مسار سليم في الفكر والفعل على حدٍ سواء، وما يقدمه اليوم لا يعدو أن يكون قراءة ذاتية للتطورات العالمية والإقليمية تستند إلى عمرٍ قضيتُه في متابعة الشئون الدولية، تأملاً وممارسة وانخراطاً في أروقتها. 

وتعتبر ان الدرس الأهم الذي خرج به هو أن التنبؤ بالتوجهات والاتجاهات العالمية هو أمرٌ تكتنفه صعوبة شديدة، مشيرا أنه ليس في وسعنا، سوى أن رصد ومناقشة وطرح أفكاراً وسيناريوهات للمستقبل، دون أن قطع باتجاه بعينه أو على يقين من أن الأمور سوف تجري في مسار محدد.

وأضاف الحقيقة أن السمة الأهم في عالم اليوم هي ذلك "اللايقين" وتلك السيولة التي تطبع التفاعلات والتغيرات، في عالم الحرب الباردة كانت هناك ثوابت يُمكن الاستناد إليها لتوقع سلوك اللاعبين بدرجة معقولة من اليقين، وحتى في العقود الثلاثة التالية على الحرب البادرة كانت الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة تُعطينا بوصلة معقولة. 

وأضاف أن اليوم قد تعدد اللاعبون وتنوعت القضايا وتسارعت المتغيرات وتدافعت الأفكار الجديدة إلى حد يصيب أي صانع قرار بالحيرة الشديدة لأن مساحة المجهول بشأن المستقبل أكبر كثيراً من مساحة المعلوم، وهو أمرٌ يتم رصد تبعاته بوضوح حتى لدى القوى الكبرى.

ولفت إلى أن هناك عاملان جوهريان وراء هذه الحالة من السيولة واللايقين على المستوى العالمي، العامل الأول يتعلق بتركيبة النظام الدولي، والذي يمر بمرحلة خطيرة من إعادة التشكيل، أو ربما أنه يقف في مفترق طرق. 

وأشار إلى أنه لا نعرف إن كان العالم سوف يذهب إلى نظام متعدد الأقطاب، أم يدخل في مرحلة جديدة من الحرب الباردة والتنافس بين قطبين (الولايات المتحدة والصين)، أم يتحرك نحو مرحلة من الفوضى الشاملة؟". 

واعتبر أن أهم هذه التغيرات يتعلق بأن المجتمع الأمريكي صار في أغلبه، مقتنعاً بأن العائد من وراء القيادة الأمريكية لا يُبرر التكلفة الكبيرة التي تحملتها الولايات المتحدة، وقد بدأت هذه النزعة الانسحابية من القيادة العالمية في عهد أوباما. 

وقال إن التاريخ ​يخبرنا أن لحظات التغير في قمة النظام العالمي هي الأخطر والأكثر عرضة للانزلاق نحو الصراع، والسبب أن هناك دوماً قوى صاعدة تريد مواصلة صعودها وقوى مستقرة على القمة تريد أن تمنع أو على الأقل تبطئ من عملية إزاحتها عن القمة، وهذه الديناميكية تُشكل بيئة مثالية لاندلاع الصراعات. وأضاف أن اليوم هناك بوادر هذا الاتجاه في العلاقات الصينية- الأمريكية، ونراه أيضاً في الدور الجديد الذي ترسمه روسيا لنفسها، ​ولا شك أن هذه المتغيرات غير المحسومة في قمة النظام الدولي تضع منطقتنا العربية في موقف صعب. 

وقال ​إن الإقليم العربي ربما يكون الأكثر تعرضاً للتهديد بسبب التغيرات المتسارعة في قمة النظام الدولي، وهو ما يحتم علينا التفكير بعقل مفتوح في خيارات مختلفة لتعزيز أمننا في المرحلة القادمة.

 وأكد أنه لا بديل عن تعزيز القدرات الذاتية على مواجهة التهديدات في عالمٍ من المحتمل أن يصير أكثر فوضوية، من دون قواعد حاكمة مطبقة أو أعراف ناظمة يؤخذ بها من المهم، بل والضروري، أن يكون من وجود حلفاء. 

واسطرد بأنه إذا كان العامل الأول وراء حالة اللايقين والسيولة على المستوى الدولي يتمثل في عدم الاستقرار على شكل النظام الدولي في المستقبل القريب، فإن العامل الثاني يتعلق بما يُمكن تسميتها بـ "محركات الاضطراب الكبرى"، وهي مجموعة من الظواهر التي تتصاعد وتتفاعل داخل المجتمعات على صعيد الكوكب كله مثيرة قدراً هائلاً من الاضطراب، بل والذعر أحياناً..

ونوه بأن أخطر هذه الظواهر ما يتعلق بالتطور التكنولوجي والتغير المناخي والهجر، وكل منها ستكون لها انعكاسات عميقة على مجتمعاتنا العربية أيضاً.

وقال إن التغير التكنولوجي، خاصة على صعيد الذكاء الاصطناعي والـ Robotics ، والـ Automation يُثير الاضطراب على أكثر من مستوى، ولا أحد يعرف على وجه اليقين حجم الوظائف التي ستُفقد، خاصة في المجتمعات الغربية لصالح الروبوت.

وأشار إلى أنه يوجد اليوم قلقاً متنامياً لدى الطبقة الوسطى الشاسعة على ضفتي الأطلنطي من أثر التكنولوجيا، وقد يُترجم هذا القلق في صورة تصاعد أكبر للموجات الشعبية، خاصة وأنه يقترن بحالة من عدم الرضا لدى طبقة وسطى بالغة الاتساع على مستوى العالم (يقترب عددها من 4 مليارات). 

واعتبر أن هذه الحالة من عدم الرضا والشعور بتصاعد اللامساواة هي السبب وراء تصاعد الاحتجاجات مؤخراً في بلدان حققت إنجازات اقتصادية مهمة مثل تشيلي.

ولفت إلى أن هناك باعث آخر للقلق، ربما بصورة أشد، يتعلق بتأثير تكنولوجيا الاتصال على التماسك الاجتماعي والاستقرار داخل الدول، فهذه التكنولوجيا قادرة على استهداف الجماهير وتشكيل الوعي العام عبر استخدام البيج داتا والخوارزميات في تصميم دعاية موجهة لمُستقبل محدد. 

ونوه بما أثارته وسائل التواصل الاجتماعي من حالة من الاستقطاب العميق داخل البلدان، المتقدمة والنامية على حد سواء، بل إن الأثر السلبي يكون أشد في حالة البلدان التي تُعاني انقسامات حادة، طائفية أو سياسية أو حتى على مستوى الأجيال، ومنها بعض بلداننا العربية.

واختتم حديثه بأن الهجرة قد تكون القضية الأهم في عالم اليوم، وبرغم أن نسبة المهاجرين من سكان العالم ثابتة تقريباً منذ عشرين عاماً عند 3%، إلا أن قضية الهجرة صارت تثير استقطاباً أكبر داخل المجتمعات، الغربية على وجه الخصوص، بسبب استغلال بعض الأحزاب لها سياسياً، وأيضاً لارتباطها بمتاعب الطبقة الوسطى، وكذلك بسبب التركيز المتزايد على "الهوية الثقافية".

 واعتبر أن المجتمعات الغربية، وكذلك الصين واليابان، ستحتاج في المستقبل القريب إلى استقدام مهاجرين لوظائف عالية المهارةو بسبب ما تفرضه اعتبارات شيخوخة السكان من ضغوط على قوة العمل في هذه الدول.

وشدد على أن إيران وتركيا وإسرائيل، كل منها تُشكل خطراً داهماً على الأمن القومي العربي، بصور مختلفة ودرجات متفاوتة، وإن كان بين كل منها تقاطعات، فبقاء القضية الفلسطينية من دون حل يُضعف من القدرة على التصدي لإيران التي طالما استغلت هذه القضية بقدر لا مثيل له من الانتهازية السياسية.

وقال إن التهديدان الإيراني والتركي يتقاطعان على الأرض السورية، والتهديد التركي صارخ في ليبيا، بل وكذلك التهديد الإثيوبي لمصادر المياه في الدولة العربية الأكثر سكاناً، وهو أيضاً تهديد للأمن القومي العربي في مجموعه.

التعليقات