تبدو جملة اليوم الوطني مجرد كلمتين يمران مرور الكرام على الإنسان العادي ولكن تأبي دون ذلك على أذان أبناء الوطني ومعهم على حد سواء المطلعون على تاريخ المنطقة والملم بها، فاليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة الثامن والأربعين يعد بمثابة عنوان لكتاب من تاريخ الأحداث التي مرت على ذاكرة الوطن الإماراتي.
تراب الحضارات
لم يسير فوق تراب الوطن ضعفاء أبداً حتى في الفترة لما قبل التاريخ بأربعة آلاف عام، فتتابع على تلك المنطقة التي ينعم رحمها تربتها بالالاف من القطع الأثرية التي تقف شاهدة على تاريخ الأرض التي عاصرها الفينيقيون و الأخمينيون والاغريقيين والساسانيون، مروراً بالحضارة الإسلامية بدءاً من الخلفاء الراشدين ثم الأمويين والعباسيين وأخيراً والعثمانيين الإسلامي وخلافاته المتتابعة المختلفة، وانتهاءً بالاستعمار البريطاني في القرن الثامن عشر.
تتباعت وجوه كثيرة وحضارات شربت منها مشارب حضارة الإمارات إلا أنها احتفظت بعروبتها في نفس الوقت، وهو الأمر الذي ينعكس على الشخصية الإماراتية اليوم، فروحها تجمع بين الحضارة والعولمة الذي يلمسه الناظر في كافة أرجاء الدولة المتحدة، ولكنها في نفس الوقت تتسم بسماحة الإسلام وإنسانيته التي عمت أرجاء الكرة الأرضية من مساعدات واحتواء جميع الأديان والجنسيات والأطياف على أرض الإمارات اليوم.
بداية القصة
طوال قرن ونصف من الزمان عانت المنطقة من احتلال انجليزي تعامل مع الإمارات على أنها جزء من امبراطوريتها، إلا أن أواخر الستينات من القرن الماضي وتحديداً في العام 1968، كان بداية النهاية لأخر استعمار عرفته منطقة الشرق الأوسط، بعد أن اعلنت انجلترا عن نيتها بإنهاء الاستعمار بحلول حقبة السبعينات، الأمر الذي وضع حكام المنطقة السبع - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي، والشيخ صقر بن محمد القاسمي، حاكم رأس الخيمة، والشيخ خالد بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، والشيخ محمد الشرقي حاكم الفجيرة، والشيخ أحمد المعلا حاكم أم القيوين، والشيخ راشد بن حميد النعيمي، حاكم عجمان - أمام تحدي الحفاظ على استقرار المنطقة عبر نظام قوي.
اتفاق مبدئي
بعد إعلان الاحتلال الإنجليزي بنيته الرحيل عن المنطقة، قاد كل من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، زمام المبادرة بالاتفاق المبدئي على إقامة دولة موحدة تضم في رحمها الإمارات الخليجية، وظلت إرهاصات الفكرة حتى تمخضت عن دعوة للإمارات السبع بجانب قطر والبحرين، للاجتماع فيما بينهم والاتفاق على وضع دستور موحد للدولة الجديدة.
إرهاصات الوحدة
ولأنه دائما ما يوجد فجوة بين الفكر والواقع، واجهت الفكرة في بدايتها بعض الصعوبات فها هي قطر والبحرين تفضلان الاستقلال بنفسيهما والإعلان عن إقامة دولة مستقلة كل على حدة تم الاعتراف بها اقليمياً وعربياً، ولكن الأباء المؤسسين لم يفقدوا الأمل في بناء جسد الوحدة، وللمرة الثانية أطلق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، دعوة صادقة للوحدة فيما بين الإمارات السبعة ولكن لم يحالفها النجاح ثانية لاختلاف وجهات النظر حول ما يتعلق بنسب التمثيل في المجلس الاتحادي وبعض الأمور الأخرى.
الصمود مستمر
في تلك الأحيان لم يدب اليأس إلى نفوس الأباء المؤسسين الذين تعاهدوا على الوحدة فها هما من جديد كل من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، اللذين اتفقا على تأسيس دولة موحدة نواتها تكون أبو ظبي ودبي، ووضع دستور لها، ثم دعوة الإمارات الخمس الأخرى للإنضمام وفي حالة الرفض لانضمام أو القبول يبقى الوضع كما هو "الحدة" بين أبو ظبي ودبي.
ديسمبر السعيد
لم يكن صباح الأول من ديسمبر من العام 1971 كأي يوم آخر، حيث كان على موعد مع أول دستور مبدئي عرفته البلاد، والذي وُضع بيد، عدي البيطار، المستشار القانوني لحكومة دبي، آنذاك، ولم تأتي الأحداث السعيدة فرادى فهاهو يوم الثاني من ديسمبر، يحمل بشريات انضمام أربع إمارات هي - الشارقة، والفجيرة، وأم القيوين، وعجمان -، بينما تحفظت رأس الخيمة على الإنضمام إلا أنها لبت نداء الوحدة فيما بعد، ليقوم الجسد الإماراتي الواحد، وتًعلن الإمارات كدولة مستقلة بعيداً عن دنس الاحتلال.
حاضر مرآة للماضي
ولعل الناظر العادي حين يجد أكثر من 120 جنيسة تردد النشيد الوطني الإماراتي في وقت واحد إذا عرف مامر به عمر الوطن من حضارات وأطياف مختلفة لن يتعجب، حيث اعتادت الإمارات أن تكون حاضنة لمختلف الحضارات المتتابعة حتى العصر الحديث، فنجد أمثلة وشواهد على ذلك كان أبرزها غرفة العبادة متعددة الأديان التي تسمح لأبناء الديانات غير الإسلامية ممارسة شعائرهم فيها.
التعليقات