د. صبري خالد يكتب: كلنا ولاد تسعة لكن الناس مقامات

د. صبري خالد يكتب: كلنا ولاد تسعة لكن الناس مقامات

بزنس لايف

"القرش الابيض ينفع فى اليوم الاسود" لكن "اصرف مافى الجيب يأتيك مافى الغيب" و "النار متحرقش مؤمن" لكن "المؤمن مصاب".

الأمثال الشعبية المتوافرة لدينا الآن ترجع إلى مختلف العصور التي مرت بها مصر منذ الحضارة المصرية القديمة، مروراً بالعهد القبطي، ثم العصر الإسلامي في مرحلتي ازدهاره وتعثره.

 

ومن غرائبنا كمصريين، أن أمثالنا الشعبية، التي تعتبر جزءاً من التراث المصري وقيمه، يتضح منها تناقض كبير. كما أن البعض يتعامل مع تلك الأمثال على أنها نصوص قرآنية أو أحاديث نبوية.

اعتدنا كمصريون الاستعانة بالأمثال الشعبية خلال حديثنا عن تجاربنا الشخصية، أو توجيه نصيحة لأحدهم. فلا يكاد يمر موقف مهم في حياتنا إلا تبعناه بمثل للتدليل على وجهة نظرنا.

يمكن اعتبار الأمثال الشعبية قوانين شفهية غير مكتوبة لكنها واجبة التنفيذ، تحكم نظرة المجتمع تجاه العديد من القضايا، وتعدّ من أهم مصادر تعلّم القيم، وتهتم بها المجتمعات كجزء من اهتمامها بتراثها الثقافي القديم الذي ما يزال حيًا.

وتعتبر الأمثال الشعبية من أبرز عناصر ثقافة الشعوب؛ فهي مرآة لطبيعة الناس ومعتقداتهم في الحياة، وأحيانًا تقدم نموذجًا يُقتدى به في مواقف عديدة، كما أنها تساهم في تشكيل قيم المجتمع.

والمثل هو قول مأثور يتضمن نصيحة شعبية، أو حقيقة عامة، أو ملاحظة تجريبية، أو حتى موقفًا ساخرًا من عادة اجتماعية أو أسلوب سياسي معين، نفهم منها روح الشعب، ونعرف آراءه في الحياة، كما تعبر عن مشاعره وأحاسيسه وآماله وآلامه وأفراحه وأحزانه وحكمته.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يصل إلى اعتبار الأمثال الشعبية فلسفة مصرية خاصة.

والمدهش أننا نجد قائل المثل يتغير أسلوبه ونبرة صوته كأن روح صانع المثل تتلبسه وهذا التغير يضفى على المثل نكهة مصرية محببة، تشجعنا الأمثال على السعي لزيادة الرزق لأن "الرزق يحب الخفيّة"، لكن سعيك لن يزيدك شيئًا "اجري يابن آدم جري الوحوش غير رزقك لن تحوش"، و"اللي من نصيبك.. يصيبك". وإذا أقدمت على فعل الخير فلا تتأخر؛ لأن "خير البر عاجله"، لكن “كل تأخيرة وفيها خيرة". حاول دائمًا أن تتحرك؛ لأن "كل حركة وفيها بركة"، لكن احذر أن تتحرك لأن "اللي يخرج من داره.. يتقل مقداره".

ترشدك الأمثال الشعبية إلى فعل الخير دون انتظار مقابل؛ "اعمل الخير وارميه في البحر"، لكن "خير تعمل شر تلقى" و"أخرة المعروف.. ضرب الكفوف".

ومن وجوه الخير "يا بخت من وفّق راسين في الحلال"، لكن احذر و"امشي في جنازة ولا تمشي في جوازة".

ومن النصائح الأخلاقية التي تقدمها لك الأمثال "الطمع يقل ما جمع"، لكنها تشجعك على الطمع؛ "إن عشقت اعشق قمر وإن سرقت اسرق جمل".

وتؤكد الأمثال أن صلاح السلف لا يكفي لصلاح الخلف حيث "يخلق من ظهر العالِم فاسد"، وأيضًا فساد السلف لا يتبعه بالضرورة فساد الخلف؛ فمن الممكن أن "يخلق من ظهر الفاسد عالِم".

واحرص على حماية أولادك لأن "الضنا غالي"، لكن "إن جالك الطوفان حط ولدك تحت رجليك".

وتعلّم أن الناس سواسية لأن "كلنا ولاد تسعة"، لكن "الناس مقامات".

لا تتشاءم إذا وقعت القهوة منك لأن "دلق القهوة خير"، لكن لا تكن من الذين "دلقوا القهوة من عماهم و قالوا الخير جاهم".

ورغم أن "الغايب حجته معاه"، إلا أن "الغايب مالوش نايب".

ويجب احترام التخصص في العمل، لذلك "إدي العيش لخبازه"، لكن التخصص لن يفيدك لأن “باب النجار مخلع”.

العديد من الأمثال تناقض تعاليم الإسلام، ومنها: "لا بيرحم ولا بيسيب رحمة ربنا تنزل"، و"رزق الهبل ع المجانين"، و"يدّي الحلق للي بلا ودان"، و”تور الله في برسيمه"، و"أنا عبد المأمور"، و"اسم النبي حارسه وصاينه"، و"إذا دخلت بلد تعبد العجل حش وأديله"، و"ساعة لقلبك وساعة لربك"، و"كتر السلام يقل المعرفة".

ومن الأمثال ما هو مقتبس من آيات قرآنية بلفظها أو بمعناها، ومنها: "ما على الرسول إلا البلاغ"، و"الطيبون للطيبات"، و"كل من عليها فان"، و"الصلح خير"، و"ادخل البيت من بابه"، و"أرض الله واسعة"، و"اللي افتكرناه موسى طلع فرعون"، و"من حفر حفرة لأخيه وقع فيها"، و"نايم نومة أهل الكهف"، و"الحساب يوم الحساب"، و"يا صبر أيوب"، و"البادي أظلم"، و”البني آدم ضعيف".

ومن الأمثال المقتبسة من الأحاديث النبوية الشريفة: "إذا بليتم فاستتروا"، و"ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، و"اصطبحنا واصطبح الملك لله"، و"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، و"كما تدين تدان"، و"أنتم السابقون ونحن اللاحقون"، و"اعقلها واتوكل"، و"إكرام الميت دفنه"، و"الغنى غنى النفس"، و"الصباح رباح"، و"ساعة القدر يعمى البصر"، و"المكتوب مفيش منه هروب".

رغم تناقض الأمثال الشعبية إلا أنها تبقى رافدًا مهمًا من روافد الثقافة العامة، وما عليك سوى أن تقتنع بأن الاختلاف ليس عيبًا و"خالف تُعرف".

 د. صبري خالد عبدالهادي

مدرس العلاقات العامة والاعلان - كلية الاعلام - جامعة سيناء

التعليقات