تمكن جورج ويا من أن يسطر اسم بلاده من جديد على الساحة السياسية، بعدما نجح في تحقيق أول عملية انتقال للسلطة ديمقراطيًا في تاريخ ليبيريا، فالرجل الذي ترك بصماته على الساحة الرياضية طيلة نحو 15 عاما، عاد من جديد ليشار إليه بالبنان بعدما أصبح أول رئيس إفريقي بخلفية رياضية، ويتحول قائد منتخب بلاده إلى قائد للبلاد نفسها.
جورج ويا، اسم فرض نفسه كرويًا على الساحة الإفريقية، وتربع على عرشها، وبحروف من ذهب كتب اسمه رياضيًا، وسطع اسم بلاده المختفي عن الأنظار طويلًا بفعل فقرها المدقع وأزماتها الاقتصادية المتلاحقة، بعدما أصبح هذا اللاعب الأفضل عالميًا في الرياضة الأكثر شعبية في العالم.
بلاده التي تعد واحدة من من اثنتين حداثة على القارة السوداء، استطاع جورج ويا أن يقفز بها عاليًا مرتين، أولاها حينما حصل على الكرة الذهبية كأفضل لاعب عالميًا ولم ينافسه من قبل ولا من بعده إفريقيًا في هذا اللقب، وثانيها حينما فاز برئاسة الجمهورية الليبيرية قبل أيام في تجربة ديمقراطية ثانية حديثة العهد على دولة "العبيد" المحررين من الأمريكان منذ نحو سبعين عامًا.
بعد انتزاعه للقب الأول في بلاده، يتحول جورج ويا إلى ظاهرة إفريقية صعبة التكرار، بيد أن الرجل الذي تلاعب بمدافعي العالم، يحتاج إلى مزيد من التمرينات ليتلاعب بظروف بلاده ويسدد خلالها أرقامًا دأب حكامها الوصول إليها تنمويًا وفشلوا طويلًا، بفعل ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية عانت منها ليبريا عقودًا، بالإضافة لحروب أهلية طاحنة مزقت أرواح نحو 250 ألف مواطن في بلد يعيش فيه مايقرب من 4 ملايين نسمة.
لم يعد جورج ويا الذي تعهد بمحاربة الفساد المستشري ببلاده وجذب مزيد من الاستثمارات لانتشالها من حالة الوهن الاقتصادي التي تعيشه، في حاجة للتنصل من وعوده تلك أو يتحول كما فعل في ديانته المسيحية التي تحول منها إلى الإسلامية ثم عاد مرة أخرى إلى ديانته السابقة، في مشهد خشي كثيرون من تكراره سياسيًا، لاسيما أنه بدا بلا رأي.
رغم الشهرة العالمية التي أحاطت به رياضيًا وانتهت به في مرمى السياسة، إلا أن معارضيه مازالوا يضعونه في دائرة الرضاعة السياسية، وأنه لن يحقق شيئًا لبلاده لحداثة عهدة بلعبة السياسة الرعناء، وريثما تظهر الأيام حقيقة دور الرياضي الأول في إفريقيا في إدارة بلاده فإن الاتهامات ستظل تطاله كما طالته قبيل فوزه بانتخابات الرئاسة لاسيما من أتباع خصمه نائب الرئيسة جوزف بواكاي.
هي إذن، أول عملية انتقال ديمقراطي في ليبريا، فاز خلالها جورج ويا بنحو61.5 % من الأصوات مقابل 38.5% لخصمه نائب الرئيسة جوزف بواكاي، وتم إعلان هذه الأرقام التي انتظرها الليبيريون المؤيديون للاعب الكرة الشهير بفارغ الصبر بعد فرز 98.1 % من الأصوات في الانتخابات التي دعي للتصويت فيها 2.1 مليون ناخب.
تحول الكابتن إلى سيناتور بعدما فشل في التجربة الديمقراطية الأولى في بلاده في العام 2005 أمام الرئيسة المنتهية ولايتها، وخسر بفارق كبير، إلا أن الليبيريون منحوه ثقتهم بعدما فاز في انتخابات مجلس الشيوخ، وعززوا تلك الثقة بهذا الفوز الكبير في انتخابات الرئاسة الليبيرية، ليجلس للمرة الأولى عالميًا لاعب كرة قدم على كرسي الحكم، يوم 22 من يناير المقبل.
ولد جورج مانيه أوبونغ أووسمان ويا في الأول من أكتوبر عام 1966، في العاصمة الليبيرية مونروفيا في أحد الأحياء الفقيرة يدعى حي كلارا تاون الذي يضم مجموعة كرو العرقية، تلقى تعليمه الإعدادي في الهيئة التشريعية الإسلامية، وواصل في مدرسة ويلز هيرستون الثانوية، كان يعمل كتقني في شركة الاتصالات الليبيرية قبل احترافه كرة القدم.
كثير من منافسيه يتحدثون عن آخر درجة عليمة حصل عليها جورج ويا هي الثانوية العامة، إلا أنه أكد مرارًا حصوله على درجة البكالوريوس من إحدى الجامعات البريطانية عبر نظام التعليم المباشر "عبر الإنترنت"، ولد "ويا" مسيحيًا وتحول إلى الإسلام لمدة 10 سنوات ثم عاد لاحقًا والتحق بالديانة المسيحية، إلا أنه تمنى أن يعم السلام المسلمين والمسيحيين معًا خلال أحد حواراته الصحفية.
يعد "ويا" افضل لاعب أنجبته القارة السمراء، حيث حصل على الأفضلية في كل الدوريات التي لعب فيها، فكان الأفضل إفريقيًا وأوروبيًا، ثم توج هذه الأفضلية وحصل على جائزة أفضل لاعب كرة قدم في العالم عام 1995، ليصبح بعده رمزًا سياسيًا وإنسانيًا في ليبيريا، وحديث العالم بعد وصوله لسدة الحكم.
لعب جورج يا لأكبر أندية العالم يأتي أبرزها "إي سي ميلا الإيطالي وباريس سان جيرمان الفرنسي وتشيلسي ومانشستر سيتي الإنجليزيين" وغيرها من الأندية الشهيرة، واعتزل اللعب في نادي الجزيرة الإماراتي في مع بدايات الألفية الجديدة.
بعد اعتزاله في العام 2003، ترشح "ويا"ً في انتخابات الرئاسة اليبيرية عام 2005، وخاض الانتخابات أمام إلين جونسون سيرليف التي تقلدت الحكم بعدها، وخسر "ويا" الانتخابات بفارق كبير عن منافسته، وفي أكتوبر 2017 أنتخب رئيسا لجمهورية ليبيريا وفاز في الانتخابات قبل أيام، وقبل أن ينتهي عام 2017، استطاع "ويا" أن يكون حديث العالم سياسيًا مرة أخرى لكن هذه المرة وهو جالس على عرش دولته.
ساندت فئة الشباب في الوصول بجورج ويا إلى العرش، لكن هذه المساندة تعتبر تحديًا لافتًا لنجم كرة القدم الشهير، في ظل انتشار البطالة في البلد التي تقع غرب إفريقيا ويتحدث أغلب سكانها الإنجليزية، حيث أنه أصبح ملهمًا للكثير من تلك الفئة، لاسيما أنه نشأ في بيئة فقيرة واستطاع أن يقفز بنفسه للخروج من هذا المستنقع الذي تسعى نسبة غفيرة أن تحذو حذوه.
نحو قرنين من الزمان، هي عمر الدولة الليبيرية التي تأسست في العام 1822 وخصصت تلك البقعة من القارة السوداء، لتكون موطنًا للزنوج الأمريكيين المحررين، وتبلغ مساحتها مايزيد على 111 ألف كيلو متر، وتشتهر بانتشار الغابات الكثيفة على ساحلها، وتمتلك نحو 40% من غابات غينيا العليا المطيرة المتبقية.
ورغم أنها تعد الأكبر إفريقيًا إنتاجاً للحديد، وتحتل المركز الرابع في إنتاجه، فضلاً عن توافر عدد من المعادن الثمينة كالذهب والماس، إلا أنها تصنف الدولة الأكثر فقرًا من بين دول العالم ويعيش نحو 80% من سكانها تحت خط الفقر، ليصل متوسط الدخل للفرد هنالك نحو دولار واحد لليوم، ويعيش أغلب سكانها الذين يمتهن حوالي 70% منهم الزراعة فقرًا مدقعًا لعقود طويلة، لم يطرأ عليها جديد.
ولم يكن لأغلب سكانها حظًا في اسم بلدهم، ولم يحظ أغلبهم انتعاشًا ديمقراطيًا كافيًا، فبالرغم من أن كلمة ليبريا مشتقة من اللفظة الإنجليزية ليبرتي اي "الحرية" بالعربية، إلا الديكتاتورية كانت سوطًا يسلطه حكامهم عليهم طوال الوقت، وتسبب التعدد العرقي في كثير من الاضطرابات داخل البلاد ودفع أهلها أثمانًا باهظة.
بات على جورج ويا أن يضع بلاده على الخريطة الدولية وأن يقفز بها من براثن الفقر، وأن يعالج أخطاء العقود الماضية، بيد أن آمال الشباب الليبيري، أضحت عبئًا ثقيلًا على كاهل الرئيس الجديد للبلاد، فيما تبدو التحديات الملقاة على عاتقه كقضبان من حديد حبست بلاده طويلًا تحتاج لانصهار تدريجي لكي تكون جسرًا للسير عليها قدمًا لتحقيق ما يألوا إليه شعبه.
التعليقات