بعد أزمة سياسية استمرت لسنوات حصل لبنان أخيرا على حكومة جديدة. والآن يحتاج البلد إلى اقتصاد جديد.
فتحويلات المغتربين والسياحة والقطاع العقاري -الأعمدة الاقتصادية للبلد الذي يعاني بسبب الحرب في سوريا وخلافات السياسيين وتجاذبات المنافسة بين السعودية وإيران- ليست بالقوة التي كانت عليها من قبل.
وفي المدى الطويل يبحث لبنان عن مصادر جديدة للنمو الذي انحدر من ما بين ثمانية وتسعة بالمئة إلى أقل من اثنين بالمئة عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011. وتعمل بيروت على البدء في التنقيب عن النفط والغاز وتقديم الدعم للشركات الناشئة وتشجيع الجاليات اللبنانية الضخمة في الخارج على نقل خبراتها وحساباتها المصرفية إلى الوطن الأم.
لكن قبل أن تتحقق تلك الأحلام فإن أمام الحكومة التي بدأت العمل في العام الجديد بعد أن ظل البلد دون رئيس لعامين ونصف قائمة عاجلة من المهام.
فالبنية التحتية بحاجة إلى الإصلاح منذ 1990 عام انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما حيث الطرق مكدسة بالسيارات والشواطئ تتناثر عليها النفايات والانترنت بطيئة أو متقطعة وانقطاعات الماء والكهرباء متكررة.
وهناك رزمة تشريعات غير مكتملة مثل قانون ضرائب قطاع النفط والغاز وخصخصة سوق الأسهم.
وعلى رأس قائمة رئيس الوزراء سعد الحريري الميزانية التي يفتقدها لبنان منذ 2005 وتحسين مناخ الأعمال حسبما قال مستشاره الاقتصادي مازن حنا لرويترز.
تضم الحكومة شتى ألوان الطيف السياسي بالبلاد وكل طوائفها الدينية مما يجعل التوصل إلى اتفاق أمرا صعبا. وقال حنا "أولى علامات جدية الحكومة هي إن كانت ستقر ميزانية جديدة.
"إنها الأولوية الآن."
وبدون ميزانية تتضاءل فرص معالجة العجز المالي المتنامي للبنان ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي يتوقع البنك الدولي أن تبلغ 155 بالمئة هذا العام وهي ثالث أعلى نسبة في العالم.
وقد لا تزيد فترة عمل الحكومة على خمسة أشهر في حالة إجراء الانتخابات البرلمانية المتأخرة كثيرا في موعدها لكن حنا قال إنها يمكن أن تعمل على حل مشاكل الاتصالات ونقص الكهرباء التي تجبر الناس على استخدام المولدات باهظة التكلفة.
كما تعتزم الحكومة حل مشاكل التخلص من النفايات التي أثارت احتجاجات مناهضة للحكومة العام الماضي وتضم الحكومة وزيرا لمحاربة الفساد للمرة الأولى.
ومصير اقتصاد لبنان مهم ليس لمعيشة اللبنانيين البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة فحسب بل لتفادي مزيد من الفوضى في الشرق الأوسط حيث يستضيف البلد أكثر من مليون لاجئ سوري ونصف مليون لاجئ فلسطيني وله تاريخه الخاص في عدم الاستقرار.
* دور البنك المركزي
إثر الحرب الأهلية اللبنانية بين 1975 و1990 تركزت معظم إعادة إعمار البلاد على استعادة صورة "باريس الشرق الأوسط" ولاسيما لعرب الخليج الأثرياء.
فطقس بيروت والحياة الاجتماعية المنفتحة فيها تستهوي الكثيرين من السعودية ذات الطابع المحافظ لكن نوبات القلاقل المدنية والاغتيالات والأزمات الحكومية والتنافس الإقليمي مازالت تضرب بمعولها.
وفي الصيف الماضي شكا مدير تنفيذي بفندق فاخر في بيروت من غياب عرب الخليج الأثرياء وفواتير غرفهم التي تصل إلى ثلاثة آلاف دولار. ففي فبراير شباط الماضي نصحت السعودية رعاياها بعدم السفر إلى لبنان في إطار خلاف بشأن النفوذ القوي لجماعة حزب الله اللبنانية الشيعية المدعومة من إيران.
وقال الرئيس ميشال عون الحليف المسيحي لحزب الله بعد زيارة لتحسين العلاقات مع الرياض هذا الشهر إنه واثق من عودة السياح الخليجيين.
وفي غياب القيادة السياسية أدار البنك المركزي بهدوء دفة السياسة الاقتصادية مستخدما حزم التحفيز والتخطيط المالي لإبقاء الاحتياطيات الأجنبية مستقرة وتنشيط النمو.
قدم البنك المركزي أيضا ضمانات لقروض الإسكان والطاقة والشركات في اختبار للمبدأ المقبول عالميا بإبقاء البنك المركزي على مسافة من القرارات السياسية.
وقالت ماريان حويك المديرة التنفيذية بالبنك المركزي "حافظ هذا على نمو الاقتصاد في السنوات الخمس إلى العشر الأخيرة.. الحكومة غير قادرة أحيانا على القيام بما تريد."
كانت تعليمات من البنك المركزي صدرت في 2013 سميت بالتعميم 331 قد أتاحت 600 مليون دولار للاستثمار في "اقتصاد المعرفة". ويسوق لبنان نفسه الآن كمركز التكنولوجيا والشركات الناشئة بالشرق الأوسط و شمال افريقيا وهو اللقب الذي تطمح إليه أيضا الإمارات العربية المتحدة والأردن.
وقالت حويك إنه تم تقديم 100 مليون دولار حتى الآن من ذلك المبلغ.
وقال مروان خير الدين رئيس مجلس إدارة بنك موارد الذي يستثمر في شركات التكنولوجيا إنه كان على رواد الأعمال قبل عشر سنوات التوجه خارج لبنان للعثور على التمويل وصور الدعم الأخرى.
وقال "اليوم لدينا جميع اللبنات الضرورية لكي يطور هؤلاء المستثمرون أعمالهم محليا."
وتقول مصادر بالقطاع إن ثمانية صناديق جديدة على الأقل قد أنشئت مما خلق فرص عمل عديدة منها أربعة مديري صناديق جدد على الأقل.
وقال سامي أبو صعب الذي عاد من الولايات المتحدة ويدير حاليا مسرعة الأعمال سبيد التي تساعد الشركات الصغيرة على النمو عن طريق تقديم المشورة وخدمات أخرى "لم أكن لأعود لولا التعميم 331."
* أموال المغتربين
يعيش ما يقدر بنحو 14 إلى 16 مليون مواطن لبناني أو من أصول لبنانية خارج البلاد. يحول كثيرون منهم الأموال إلى لبنان لكن تلك التحويلات تأثرت سلبا بتداعيات هبوط سعر النفط على اقتصادات الخليج.
يقول نقولا صحناوي رئيس مجلس إدارة "يو.كيه لبنان تك هب" التي تقول إنها أوجدت 240 وظيفة في أول عامين لها وتطمح إلى 25 ألفا بحلول 2025 "نحن قادرون على البيع.. نحن مبدعون ومهندسون.. بدلا من الدفع بأبنائنا إلى الخارج نريد أن ندفع بمنتجاتنا الرقمية."
لكن اقتصادا رقميا بحاجة إلى انترنت سريعة وكهرباء يعول عليها وخصخصة سوق الأسهم لكي تستطيع الشركات الصغيرة طرح أسهمها للاكتتاب العام وهي العملية المتأخرة عامين بالفعل عن جدولها الزمني.
وقال جوزف طربيه رئيس جمعية مصارف لبنان "مصرف لبنان المركزي وبنوك البلاد أنفقت ما يكفي من الوقت وفي بعض الأحيان بتكلفة باهظة للحفاظ على الاستقرار النقدي. حان وقت دعم هذا الاستقرار بسياسات مالية واقتصادية تعطي الأولوية للنمو الحقيقي."
وأبلغ حنا رويترز أنه يأمل أن تستطيع الحكومة الجديدة في نهاية المطاف توفير إجراءات التحفيز هذه.
في غضون ذلك زار وزير الخارجية جبران باسيل أمريكا الجنوبية أواخر العام الماضي لمحاولة إقناع اللبنانيين هناك بالعودة إلى الوطن. وتوسعت شركة ديمكو للعقارات في تلك الجهود.
فإعلانها "لبنان ينادي" على التلفزيون الأمريكي يظهر رجل أعمال لبنانيا في مكتب يطل على مدينة أمريكية بينما يتلقى مكالمة من لبنان الذي يخبره بصوت جهوري "لقد نهضت من جديد.. الوطن ينتظر."
أما المقيمون في لبنان فقد انتظروا طويلا مجئ حكومة فعالة، والرهانات عالية.
وقال حنا "الحلول موجودة واليوم لدينا إرادة سياسية.. فلنأمل أن تتبلور في شكل نتائج ملموسة للبنانيين."
التعليقات