في خضم التطورات السياسية والأمنية المتسارعة في إسرائيل، تُسلط الأضواء من جديد على جماعة الحريديم، التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الإسرائيلي، ولكنها تعيش وفق قواعدها الصارمة والتقليدية.
مع مصادقة وزير الدفاع الإسرائيلي على طلب الجيش بتجنيد "الحريديم" الشهر المقبل، تتزايد التساؤلات حول هذه الجماعة وأسلوب حياتها المميز. فمن هم الحريديم؟ وما الذي يميزهم عن باقي المجتمع الإسرائيلي؟
الحريديم هم جماعة من اليهود المتدينين الذين يُعرفون بتطبيقهم الصارم للطقوس الدينية وعيش حياتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية. يُعتبرون كأصوليين ويسعون لتطبيق التوراة في إسرائيل. اسم "حريديم" هو جمع لكلمة "حريدي" وتعني "التقي"، وقد تكون مشتقة من الفعل "حرد" بمعنى غضب وبخل واعتزل الناس.
يرتدي الحريديم عادة أزياء يهود شرق أوروبا التقليدية مثل المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء، ويضيفون الطاليت ويرسلون ذقونهم إلى صدورهم وتتدلى على آذانهم خصلات من الشعر. تفضل النساء الحريدية ارتداء ملابس محتشمة قد تصل إلى البرقع الذي يشبه النقاب. يفضل الحريديم التحدث باليديشية بدلًا من العبرية، التي يعتبرونها لغة مقدسة.
تتميز عائلات الحريديم بزيادة عدد أفرادها لعدم ممارستهم لتحديد النسل، مما يؤدي إلى تزايد أعدادهم بشكل ملحوظ. في حين يعيش معظمهم في ظروف اقتصادية صعبة بسبب عدم مشاركتهم الكبيرة في سوق العمل، حيث يبقى معظم الذكور في المدارس الدينية حتى سن الأربعين.
يتبنى الحريديم التفاسير الأكثر تشددًا في التراث الديني، مما يدفعهم إلى الانعزال عن اليهود غير المتقيدين بحذافير التعاليم الدينية. جذور هذا الصراع بدأت من مرحلة ما قبل قيام الدولة، إذ أن الدولة عند تأسيسها اعتمدت قوانين تتيح لليهود المتدينين الانسحاب من الحياة العامة والتفرغ للدراسات الروحية.
على الرغم من أن معظم الحريديم يعارضون المشاركة في الجيش، إلا أن بعضهم يخدم في وحدات مخصصة تراعي متطلبات الحياة الدينية. سياسيًا، يمثلهم عدة أحزاب بناء على الأصول الإثنية، حيث يمثل الحريديم الأشكناز حزب "يهودات هتوراه" بينما يمثل الحريديم الشرقيين حزب "شاس". هذه الأحزاب ترفض تولي مناصب وزارية ولكن تشارك في الحكومات الائتلافية من خلال مناصب مثل نائب وزير.
إن ارتفاع نسبة الزيادة السكانية للحريديم مقارنة بالمجتمع العلماني يشكل تحديًا مستقبليًا لإسرائيل، حيث يتطلب الأمر موازنة بين متطلبات الحياة الحديثة واحترام التقاليد الدينية الصارمة. استمرار العزلة والتباعد بين المجتمعين قد يؤدي إلى صراعات أكبر، بينما يمكن للحلول الوسطى مثل إنشاء وحدات عسكرية خاصة أن تخفف من حدة هذه التوترات.
إن فهم الحريديم وتفاصيل حياتهم اليومية وتطلعاتهم المستقبلية يظل جزءًا أساسيًا من فهم المجتمع الإسرائيلي بكل تعقيداته. وبينما تظل التحديات قائمة، فإن الحوار المفتوح والاحترام المتبادل قد يكونان المفتاح لتجنب تصاعد الصراعات وضمان التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع الإسرائيلي.
التعليقات