تدفع خطط السعودية لإدراج حصة من أسهم شركة أرامكو، عملاق صناعة النفط المملوك للدولة، المملكة للتفكير في المستحيل.
ففي أواخر العام الماضي، حاولت السعودية دفع الدول الأخرى الأعضاء في أوبك للاتفاق على خفض الإنتاج، وقبل اجتماع عقدته المنظمة في فيينا في نوفمبر تشرين الثاني، تسلح المسؤولون السعوديون بورقة تفاوض لم يسبق لها مثيل: إذا لم يتم التوصل لاتفاق فإن المملكة مستعدة للانسحاب من المنظمة بالكامل.
وقالت مصادر مطلعة، إن هذه الاستراتيجية حظيت بالموافقة على أعلى مستويات الحكومة السعودية.
وأضافت المصادر، التي طلبت عدم نشر أسمائها لسرية المعلومات، إن الهدف من ذلك لم يكن ضمان سلاسة تدفق إمدادات الطاقة العالمية فحسب، بل كان وراءه رغبه في دفع أسعار النفط للارتفاع، لتعظيم قيمة شركة أرامكو قبل طرح أسهمها.
وفي نهاية المطاف لم تضطر السعودية، أكبر دول العالم تصديرا للنفط، إلى تنفيذ ذلك الخيار، فقد اتفق أعضاء أوبك مع المنتجين غير الأعضاء في المنظمة، بما في ذلك روسيا، في ديسمبر كانون الأول على خفض الإنتاج بواقع 1.8 مليون برميل يوميا تقريبا، غير أن مجرد النظر في ذلك الخيار يظهر مدى استعداد المملكة لإعادة النظر في سياستها إزاء أوبك بفضل خطة الطرح العام الأولي لأسهم أرامكو، المتوقع أن يكون الأضخم من نوعه في التاريخ.
وقالت مصادر بالمنظمة، إن موقف الرياض يمثل تحولا عن الدور الذي لعبته على مدى عشرات السنين، والقائم على المناداة بضبط النفس والسعي لإقناع دول أخرى مثل الجزائر وفنزويلا وإيران بأن الارتفاع السريع للأسعار يفيد منتجي الطاقة من المصادر البديلة.
وقال مصدر رفيع المستوى في أوبك: "السعودية هي صقر الأسعار الرئيسي الآن"، مضيفا، أنه فوجيء بسرعة تحول المملكة عن سياستها القائمة على منح الأولوية لحصتها في السوق، بضخ النفط بأقصى قدرة، إلى تأييد تخفيضات الإنتاج في أعقاب قرار طرح أسهم أرامكو.
ولم ترد وزارة الطاقة السعودية وأوبك على الفور على طلبات للتعقيب، كما يثير طرح الأسهم تساؤلات عن الدور السعودي في أوبك مستقبلا، إذ أن المملكة ستصبح العضو الوحيد في المنظمة الذي له شركة نفط وطنية أسهمها مدرجة في الخارج، وهذا بدوره يثير تساؤلات عن مستقبل أوبك نفسها في ضوء أن المملكة هي القوة الدافعة لها منذ إنشائها قبل حوالي 60 عاما.
وحتى الآن كانت أرامكو، التي تشرف على احتياطيات المملكة الضخمة من النفط، أداة في سياسات السعودية تجاه أوبك، سواء لتقليل الإنتاج أو زيادته، إلا أنه بمجرد طرح أسهم أرامكو ستضطر الشركة لأخذ مصالح المستثمرين الخارجيين في الاعتبار، حسب ما ذكرته مصادر بصناعة النفط.
وقالت المصادر، إن قواعد الإدراج ومكافحة الاحتكار، خصوصا في الولايات المتحدة، تمنع تحديد الأسعار، وهو ما قد تُتهم به أرامكو إذا استمرت في اتباع سياسة المملكة تجاه أوبك القائمة على تعديل الانتاج للتحكم في الأسعار.
وقال فريد محمدي، كبير الاقتصاديين في رابيدان جروب بالولايات المتحدة "أرامكو هي الأداة المستخدمة لإدارة السوق، رغم أنها لا تشارك في صنع السياسة".
وامتنعت أرامكو عن التعقيب على المخاطر المحتملة لقيام مستثمرين برفع دعاوى قضائية عليها بعد الطرح العام الأولي اذا اتبعت السياسات السعودية.
وتهدف السلطات السعودية لإدراج حوالي خمسة في المئة من أرامكو بنهاية العام 2018 في بورصة الرياض، وفي واحدة أو أكثر من بورصات الأسهم العالمية.
ومن الأسواق المرشحة لندن ونيويورك وهونج كونج، ويمثل طرح أسهم أرامكو أبرز ما في (رؤية المملكة 2030) وهي خطة الإصلاح الطموح لتنويع موارد الاقتصاد السعودي، وعدم الاعتماد على النفط، والتي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقال الأمير محمد، إنه يتوقع أن يسفر طرح الأسهم عن تقدير قيمة أرامكو بما لا يقل عن تريليوني دولار، ويقول مسؤولون سعوديون ومستثمرون إن تقييم الشركة سيتأثر بشكل مباشر بأسعار النفط.
وقال المسؤولون السعوديون، إنهم يريدون أن تصل الأسعار إلى 60 دولارا للبرميل هذا العام، واقترحت مصادر مصرفية، أن يتم توقيت الطرح بحيث يتزامن مع تداول النفط في الأسواق بين 60 و70 دولارا للبرميل، وتأرجحت أسعار النفط حول 50 دولارا للبرميل معظم العام الجاري، وتجاوزت هذا الأسبوع 58 دولارا.
ويمثل إدراج أسهم أرامكو خوضا في المجهول بالنسبة للسعودية ولأوبك نفسها، غير أن النرويج التي أدرجت شركة النفط الوطنية شتات أويل، قد تمثل دليلا للاهتداء به في هذا الصدد.
فقد أحجمت النرويج التي لا تزال تملك 67 بالمئة من الشركة عن الانضمام لأي خطوات دولية، لتنظيم إنتاج النفط منذ عام 2002، بعد شهور من تسجيل أسهم الشركة في بورصتي نيويورك وأوسلو في 2001.
وعلى مدار العام الماضي، التقى مسؤولون سعوديون بمسؤولين من النرويج وشتات أويل، لبحث أفضل السبل لإعادة هيكلة عمليات أرامكو قبل الطرح الأولي حسب ما ذكرته مصادر مطلعة على ما دار في الاجتماعات.
وذكرت المصادر أن قوانين مكافحة الاحتكار الأمريكية، كانت السبب الرئيسي الذي دفع النرويج لعدم الانضمام إلى اتفاقات للإنتاج، مثل الاتفاق الذي توصل إليه المنتجون في ديسمبر كانون الأول الماضي.
وقالت متحدثة باسم شتات أويل، إن الشركة لم تقدم النصح للمسؤولين السعوديين، فيما يتعلق بالطرح العام الأولي بأي صفة رسمية، كما قال رئيسها التنفيذي إلدار سايتر لرويترز في فبراير شباط، إن الشركة لا تقدم المشورة رسميا لأرامكو، لكنه أضاف أنها تطلعها على تجربتها.
وأحالت شتات أويل الأسئلة عن موقف النرويج، فيما يتعلق باتفاقات الإنتاج الدولية إلى وزارة الطاقة، وقالت الوزارة إنه لا توجد صلة بين عدم مشاركة النرويج في تخفيضات أوبك، وكون شتات أويل شركة مسجلة في سوق الأسهم الأمريكية.
وقالت مصادر سعودية ومصادر بصناعة النفط، إنه رغم إصرار الأمير محمد بن سلمان على المضي قدما في الطرح العام الأولي، فلا تزال هناك هواجس داخل الحكومة وشركة أرامكو بشأن الحكمة وراء تلك الخطوة.
ويعارض بعض المحافظين فكرة تخلي الرياض عن السيطرة على أرامكو، التي تمثل جوهرة التاج في صناعتها النفطية.
وقال مسؤولون سعوديون، إن قرارات الإنتاج كدولة ذات سيادة ستظل في يد الحكومة التي ستملك الغالبية العظمى من أسهم الشركة بعد الطرح، لكنهم لم يفسروا كيف تتفق هذه السياسة مع شركة مدرجة.
وقال مصدر بالصناعة مقره السعودية، إن أرامكو ستضطر للتصرف مثل شركات نفطية أخرى مدرجة كشركة شيفرون وإكسون موبيل، وإذا اضطرت لخفض الانتاج سيتعين عليها أن تبرهن للمستثمرين أنهم سيستفيدون ماليا من تلك الخطوة.
التعليقات