وعى «الحكيم».. واعتذار «حرب»!

وعى «الحكيم».. واعتذار «حرب»!

عبدالمحسن سلامة

بعد نصف قرن من صدور كتاب توفيق الحكيم: عودة الوعى الذى تراجع فيه عن أفكار كثيرة، كان قد أيدها بشدة خلال الفترة (1952-1973)، معلنا فى كتابه أنه أخطأ، اعتذر الكاتب الكبير د. أسامة الغزالى حرب عن كونه أحد مؤيدى التطبيع مع إسرائيل، مقدما الاعتذار فى عموده بالأهرام (19 نوفمبر الماضى)، لكل فلسطينى عن موقفه وحسن ظنه بإسرائيل بسبب ما وصفه بجرائمها الفظيعة ضد الفلسطينيين، مؤكدا أيضا انه أخطأ! ..وبين وعى (الحكيم) واعتذار الـ(حرب) رسالة ضمنية ينبغى أن تٌفهم!.

فقد تواكب هذا الموقف الشجاع للدكتور حرب مع عودة الوعى للملايين فى مختلف بقاع العالم تجاه القضية الفلسطينية حيث دعت وحشية الكيان الصهيونى فى غزة، الشعوب إلى التحرى عن حقيقة ما يحدث فى فلسطين بعيدا عن السردية الإسرائيلية المزيفة، أما الرسالة الضمنية فهى ضرورة أن تشمل عودة الوعى هذه، تصحيحا للمفاهيم المغلوطة التى يروج لها الاحتلال أمام العالم للتغطية على جرائمه. ومن أبرز هذه المفاهيم المغلوطة:

أولا: تبرير العدوان الإسرائيلى باعتباره دفاعا عن النفس، فى حين أنه لا حق للمحتل فى الدفاع عن النفس وفق القانون الدولى، بل إن هذا الدفاع حق للشعب الفلسطينى الذى يقاوم الاحتلال والحصار والعزل العنصري.

ثانيا: وصف المقاومة الفلسطينية بأنها إرهاب خلط متعمد بين مفهوم (الإرهاب) باعتباره استخداما غير مشروع للعنف، لبث الرعب بين الناس، ويعرض حياة الأبرياء للخطر، لتحقيق مصالح غير مشروعة، ومفهوم (مقاومة الاحتلال) الذى يعنى استخداما مشروعا لكل الوسائل بما فيها القوة المسلحة لمواجهة العدوان، وتحقيق الاستقلال، وهو ما يتفق مع القانون الدولى، استناداً إلى حق الشعوب فى تقرير مصيرها، والتى تعززه قرارات الأمم المتحدة، والاتفاقيات الدولية. ومن ثم فإن المقاومة الفلسطينية هى عمل مشروع وليست إرهابا.

ثالثا: نعت الحرب على غزة بأنها (صراع) وصف خاطئ، لأنه فى الحقيقة احتلال إسرائيلى لفلسطين وهو ما أكدته مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى الأرض الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، التى قالت فى حوار مع إحدى القنوات الفضائية الناطقة بالانجليزية، بث يوم 29 نوفمبر 2023، أن ما يجرى فى غزة (ليس صراعا بين طرفين وإنما احتلال بالقوة). وذكرت أن الاحتلال الذى تمارسه إسرائيل هو: أداة للاستعمار والوحشية والاعتقال والاحتجاز التعسفى وتنفيذ إعدامات بإجراءات موجزة ضد الشعب الفلسطيني. وهذا يفسر التعبير الكاشف الذى قاله الرئيس الأمريكى بايدن: (لو لم يكن هناك إسرائيل لاخترعنا إسرائيل) فالاحتلال هو أداة الاستعمار فى المنطقة وذراعه لتنفيذ مخططاته التى ظننا انها انتهت!.

رابعا: معاداة السامية: يحتاج هذا المفهوم لإعادة تعريف، حيث يتم توظيفه لتوجيه تهمة معاداة السامية إلى كل منتقد للسياسة الإسرائيلية وكل مؤيد لحق الفلسطينيين، لذلك يدعو الكثيرون من الخبراء الى إعادة تعريف هذا المفهوم، لعدة أسباب، أولها: أنه يختزل العداء للسامية فى اليهود فقط وإخراج بقية الساميين من حظيرة السامية!! وثانيها: إن هذا التعريف يجب ألا يضعه اليهود فحسب دون سواهم .وثالثها أن التعريف العملى لمعاداة السامية الصادر عن التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست، يستخدم لقمع مناصرة حقوق الفلسطينيين ومعاقبة كل من ينتقد جرائم اسرائيل فى فلسطين، الأمر الذى عارضه عدد من الباحثين والكتاب الغربيين ومنهم: إبراهام ملتسر مؤلف كتاب (صنع معاداة السامية، أو تحريم نقد إسرائيل) الذى صدرت ترجمته عن المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، حيث يطالب مؤلفه بإعادة تعريف مصطلح معاداة السامية. و يدعو إلى كفِّ اللوبى الإسرائيلى عن استغلال الهولوكوست وعن اتهام مناهضى الصهيونية بمعاداة السامية، مؤكدا أن: انتقاد الصهيونية باعتبارها أيديولوجية عنصرية فاشية ليس فى ذاته معاداةً لليهود باعتبارهم مجموعة دينية «.فلا تعارض بين معاداة السامية ومقاومة الاحتلال الاسرائيلى.

خامسا: إعادة تعريف (المدنيين) فى دولة الاحتلال حيث إن غالبية الإسرائيليين إما عسكريين يخدمون بالجيش، أو عسكريين تحت الاحتياط القابل للاستدعاء فى أى قت (تم استدعاء 300 الف جندى كانوا يعملون فى الخدمة المدنية خلال اكتوبر الماضي) أو مستوطنين يتم توزيع السلاح عليهم، ففى دولة الاحتلال يتداخل المدنى مع العسكري. إن فهم اعتذار الـ(حرب) بهذا المعنى لا يضاهى فقط (وعى الحكيم) وانما أيضا ضرورة لتحقيق السلام!.

نقلا عن جريدة الأهرام

التعليقات