ترتبط الإمارات مع الصين بعلاقات متينة وقوية، تطورت خلال السنوات الأخيرة، ولم يمنع تفشي فيروس كورونا من تعزيز هذه العلاقات التي تتمتع بإمكانيات ضخمة وآفاق مستقبلية واعدة.

وساهمت الزيارات التي قام بها مسؤولو وقادة البلدين في دفع العلاقات بين الجانبين إلى الأمام. وأولى هذه الزيارات قام بها الرئيس الصيني حنذاك في العام 1989 إلى الإمارات. وفي السنة التالية قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بزيارة إلى الصين. وتوالت بعدها الزيارات الرسمية بين البلدين ووقّعت العديد من الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات.

بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والإمارات في نوفمبر عام 1984، وتم إقامة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين عام 2012، لتصبح الإمارات أول دولة عربية خليجية أقامت الشراكة الاستراتيجية مع الصين. وفي عام 2018، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لدولة الإمارات، اتفق البلدان على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى علاقات شراكة استراتيجية شاملة لتعزيز التعاون في المجالات كافة.

وحضر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفل افتتاح أولمبياد بكين الشتوية في فبراير عام 2022، والتقى بالرئيس الصيني شي جين بينغ، رغم مقاطعة بعض الدول الغربية للأولمبياد، مؤكدا ًأن الإمارات ستضع تعزيز العلاقات مع الصين على رأس الأولويات الدبلوماسية.

تقوم العلاقات بين الصين والإمارات على أساس الاحترام المتبادل والنفع المشترك، وتدعم الصين الإمارات في حماية سيادتها الوطنية والأمن والاستقرار، بالمقابل تدعم الإمارات الصين في القضايا المتعلقة بمصالحها الجوهرية، بما فيها تايوان وشينجيانغ وهونغ كونغ.

تعتبر الإمارات العربية المتحدة واحدة من أهم الشركاء الاستراتيجيين للصين في منطقة الشرق الأوسط، حيث تُعد بكين أكبر شريك تجاري لها لعدة سنوات متتالية، وعلى الرغم من تفشي وباء كورونا، ارتفع حجم التجارة بين الصين والإمارات في عام 2021 بشكل ملحوظ، ليبلغ حوالي 70 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 46.6%. واستحوذت الصين على 11.7% من إجمالي التجارة الخارجية عام 2021 لدولة الإمارات، وسجلت التجارة البينية غير النفطية بين البلدين نحو 220 مليار درهم في عام 2021، بنمو بلغ 27% مقارنة مع عام 2020. ونحو 60% من صادرات الصين إلى منطقة الشرق الأوسط تمر عبر الإمارات، باعتبارها مركز تجاري ولوجستي فيها. واحتلت الإمارات المرتبة الأولى عربيا ضمن قائمة أهم 20 دولة تستثمر فيها الصين، حيث بلغ إجمالي استثماراتها بشكل مباشر في الإمارات 1.55 مليار دولار أمريكي بنهاية 2020. وحتى نهاية عام 2021، توجد أكثر من 6000 شركة صينية مسجلة في الإمارات، ومنها شركة البترول الوطنية الصينية وشركة البناء الصينية وشركة هواوي وغيرها، ما يعزز الشراكة التجارية بين البلدين.

وساهم النفط في تقوية العلاقات بين الجانبين بحيث تساهم الإمارات حوالي 6% من إجمالي النفط الخام المستورد في الصين لتحتل المركز السادس ضمن قائمة أكبر مصدري النفط للصين في العام 2021.

ومع تعميق التبادلات بين الجانبين، ازداد عدد السياح الصينيين إلى الإمارات، ففي عام 2019، قبل انتشار الوباء، استقبلت الإمارات 1.75 مليون سائح صيني، في حين شكّل قطاع السياحة 7-8% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات. وساهم السياح الصينيين في دفع نمو قطاع السياحة والتسوق والترفيه في الإمارات، حيث تسعى الإمارات للاستفادة من هذه السوق المزدهرة من خلال إعفاء الرعايا الصينيين من تأشيرة الدخول المسبقة، وفي المقابل، قامت الصين بإعفاء مواطني دولة الإمارات من حملة جوازات السفر العادية من تأشيرة السفر المسبقة أيضاً، وذلك ابتداء من 16 يناير عام 2018. وإلى جانب ذلك توفر الإمارات الرحلات الجوية المباشرة إلى دبي، وأطلقت مبادرة "هلا بالصين" في عام 2018 لتلبية احتياجات السياح الصينيين وتحسين جودة الخدمات ولجذب المزيد منهم.

كما يرسّخ التبادل الثقافي العلاقات الثنائية، فقد تم تأسيس مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في بكين عام1994  بتمويل إماراتي. وأعدّ المركز منذ إنشائه آلاف الطلاب الصينيين الأكفاء في اللغة العربية، الذين يعملون حالياً في المجالات الدبلوماسية والثقافية والتجارية والإعلامية والتعليمية والأكاديمية. وافتتحت الصين معهد كونفوشيوس في كل من جامعتي زايد ودبي، كما أطلقت الإمارات مشروع "مائة مدرسة" لتعليم اللغة الصينية منذ عام 2017، وقد افتتحت 142 مدرسة إماراتية دورات لتعليم اللغة الصينية، وحتى نهاية عام   2021 بلغ عدد الطلاب الذين يدرسون اللغة الصينية في الإمارات حوالي 45 ألف طالب، ما يمثل 15% من إجمالي عدد الطلاب في المدارس الحكومية الإماراتية. واعتماداً على اللغة يسعى الجانبان إلى تعزيز التبادل الثقافي وتقريب قلوب الشعبين الصيني والإماراتي.

كما تعاون البلدان لمكافحة الوباء، فعند تفشي وباء كوفيد- 19 في الصين سارعت الإمارات العربية إلى تقديم المساعدات الطبية لها. بالمقابل أرسلت الصين المساعدات الطبية إلى الإمارات عندما كانت الأخيرة تكافح الوباء. واستضافت الإمارات العربية المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح سينوفارم الصيني. وفي أثناء زيارة وزير خارجية الصين وانغ يي إلى الإمارات في العام 2021 تم الإعلان عن إطلاق مشروع مشترك لتصنيع لقاح سينوفارم على أراضي دولة الإمارات. كما استخدمت قوات الشرطة الإماراتية خوذ ذكية صنع الصين لقياس درجة الحرارة.

وعند إقامة معرض إكسبو دبي 2020 كان للصين دور رئيسي فيه، وأبرز المعرض الدور الريادي المتطور والسريع للصين وشكّل فرصة كبيرة للقطاعين العام والخاص في الإمارات، للإطلاع بصفة مباشرة على التكنولوجيات والحلول الصينية المستقبلية والتعلم والاستفادة منها.

شكًل إطلاق الصين لمبادرة "الحزام والطريق" عامل تعزيز للعلاقات الثنائية أيضاً، حيث كانت الإمارات من أوائل الدول التي انضمت إلى المبادرة، وهي عضو مؤسس في البنك الآسيوي للاستثمار، وقد طرحت الإمارات في ذات الفترة مبادرة "إحياء طريق الحرير"، لتشكيل التوافق الاستراتيجي مع الصين. ويساعد موقع الإمارات وبنيتها التحتية المتطورة وتسهيلات الأعمال والاستقرار الذي تتمتع به دور هام في مبادرة "الحزام والطريق"، لدرجة أن وصفها وزير خارجية الصين وانغ يي بأنها ستصبح لؤلؤة لامعة على ممر "الحزام والطريق".

ويسعى الطرفان إلى تطوير علاقاتهما في مجالات حديثة كالذكاء الاصطناعي والفضاء والتغيير المناخي والطاقة المتجددة. ويظهر الجانبان رغبة حقيقة في توطيد علاقات الصداقة، وتعزيز الثقة المتبادلة وتعميق التعاون وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية. وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في مقال تحت عنوان "يداً بيد.. نحو مستقبل أفضل"، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل واحة التنمية في العالم العربي، مشيراً إلى أن البلدين الصديقين يُكمل كل منهما الآخر في التنمية، وهما شريكان هامان للتواصل والتنسيق في الشؤون الدولية والإقليمية، لما لديهما من رؤى تنموية متقاربة وأهداف سياسية متطابقة وروابط تعاون متنامية.

تمارا برّو، باحثة في الشأن الصيني

وانغ مويي، إعلامية صينية