شهد سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان المحاضرة الرمضانية الثالثة لمجلس محمد بن زايد لهذا العام التي عقدت عن بعد تحت عنوان "مجتمعات أكثر ازدهارا .. الابتكار ركيزة تحقيق أهدافنا المشتركة" والتي تناولت أهمية تعزيز قوة المجتمعات وصمودها ومرونتها لمواجهة التحديات المختلفة من أجل أن ينعم الجميع بالازدهار والسلام والاستقرار وتوظيف الابتكارات لخدمة هذه الأهداف إضافة إلى عرض نماذج من المبادرات المبتكرة من القطاعين الحكومي والخاص التي تعنى بهذا الشأن.
وأكدت المحاضرة على أهمية المشاركة المجتمعية النوعية الفاعلة ومواصلة الابتكارات والمبادرات التي تسهم في تعزيز نسيج المجتمع وازدهاره وذلك توافقا مع رؤية دولة الإمارات وخططها المستقبلية وهي تمضي إلى " عام الخمسين " وبما يلبي متطلبات هذه المرحلة في مسيرة الدولة.
شارك في المحاضرة كل من الضيوف سعادة سلامة العميمي مدير عام هيئة المساهمات المجتمعية " معاً " وجيفري موليغان، بروفسور في مجال الذكاء الاجتماعي وفادي غندور مؤسس ورئيس تنفيذي لشركة أرامكس.
وسلطت الجلسة الضوء على عدد من النماذج والمبادرات الإبداعية المبتكرة التي تسهم في خدمة أهداف المجتمع وازدهاره .. تحدث بشأنها فراز خالد الرئيس التنفيذي لشركة " نون " ومحمد القاضي المدير العام السابق لصندوق الوطن وعائشة سعيد حارب رئيسة قسم المسؤولية الاجتماعية في هيئة تنمية المجتمع.
ورحب سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان بالمحاضرين والمشاركين ونقل إليهم تحيات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة .. وقال سموه : إننا نعيش اليوم في مجتمعات معقدة تواجه تحديات مختلفة وبالتأكيد تحتاج إلى حلول مبتكره للمشاكل المجتمعية سواء في قطاع العمل أو التجارة أو الاقتصاد عامة، وهذه الحلول لا يمكن أن تكون سهلة أوناجحة دائما .. كما لابد أن تكون المجتمعات ذكية ومتحابة ومتعاونة كي تصل إلى حلول لهذه التحديات .
وفي مداخلة لسموه مع عائشة سعيد حارب .. سألها حول تجربتها في مجال المسؤولية المجتمعية وكيف يمكن للحكومة أو القطاع الخاص تقديم المساعدة ؟
وأوضحت عائشة أن مفهوم المسؤولية المجتمعية في دولة الإمارات يتجدد ويرتقي إلى المشاركة المجتمعية خاصة عند المؤسسات فهذه المشاركة أصبحت مسؤولية الجميع ..مشيرة إلى أن حجم إسهامات القطاع الخاص في هذه المسؤولية بلغ أكثر من مليار درهم وهذا ينعكس بدوره في التنمية الاقتصادية من جهة والمسؤولية الاجتماعية من جهة أخرى.
وأشارت إلى أن المبادرات المجتمعية بحاجة إلى منظومة مرنة تعمل على تطوير مفهوم المشاركة المجتمعية ومفاهيم جديدة لممارسات جديدة بحيث نستطيع ترجمة المبادرات إلى فرص تمتاز باستمرارية طويلة المدى.
وخلال حوار سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان مع فادي غندور .. طرح سموه سؤالاً حول كيفية إسهام القطاع الخاص في المسؤولية المجتمعية .. ليس مشاركاً فقط بل كونها جزءاً أساسياً من مهامه؟.
وقال فادي غندور في إجابته إن دور القطاع الخاص يجب أن يكون إستراتيجياً ويعمل بصفته شريكاً وليس من خلال الدعم المالي فقط، لكن أيضاً من خلال الخبرات والموظفين، والأفكار والممارسات بحيث يكون القطاع الخاص دائما مبادراً.
وأضاف أنه لابد من التواصل الدائم بين أصحاب المبادرات والأفكار للعمل معاً على أن تكون هذه المبادرات مستدامة ..موضحاً أن رفاهية المجتمع هي مسؤولية الجميع.
وأشاد سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان بمداخلة البرفيسور جيفري بشأن الوعي الاجتماعي وتوقع التحديات المستقبلية والمجتمعية خلال أزمة "كورونا".
وقال سموه لجيفري .. إنك تحدثت خلال عرضك التقديمي حول كيفية تعامل المجتمع في كوريا واليابان بذكاء مع الجائحة .. وحيث أن المجتمعات في أوروبا مثلاً لا تتفق على كل شيء تقريباً .. كيف ترى أثر ذلك في كونه يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمع لتبني اللوائح الجديدة أو السياسات الجديدة؟
وقال جيفري : أعتقد أن ثلاثة أشياء حدثت خلال العام الماضي في بعض البلدان فيما لم تحدث في بلدان أخرى، في عدد من دول آسيا مثل كوريا وتايوان ونيوزيلندا .. الأول، لابد من وجود الثقة، ثقة بين الناس والحكومات من أجل الالتزام بالإجراءات الصحية مثل ارتداء الكمامات .. وكذلك وجود تقنية ذكية تستخدم البيانات لتتبع حالات الإصابة والتحرك بسرعة كبيرة لتجنب تفاقم الوضع إضافة إلى ذلك كان هناك ثقة قوية بين الناس في بعض تلك المجتمعات فتمكنوا من مساعدة بعضهم البعض مثل زيارة كبار السن المعزولين، أو المساعدة في توزيع الطعام عند الحظر.
وأضاف أن أداء بعض الدول خلال الجائحة لم يكن جيداً لأنه لم تكن هناك ثقة متبادلة ولا استخدام ذكي للتكنولوجيا، فعلى الرغم من أن أمريكا لديها أفضل شركات التكنولوجيا في العالم لكنها لم تستخدم هذه التكنولوجيا لمواجهة الوباء .. لذا أعتقد أن الدرس المهم الذي نستقيه من العام الماضي هو ضرورة أن تترافق القوة التكنولوجية مع القوة المجتمعية والقدرة على التصرف اجتماعياً وبثقة.
وتابع سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان مداخلته مع البروفيسور جيفري قائلاً .. إن الجميع يفترض أن المجتمع الأوروبي منفتح أكثر، وثقته أكبر بالحكومات لكننا لم نر ذلك، ما السبب في رأيك؟
وقال جيفري في رده .. إن مستويات الثقة في أوروبا متفاوتة كثيرا .. لذلك، في بلد مثل فنلندا أو إستونيا، الثقة في الحكومة عالية ولديهم امتثال جيد للغاية .. وقد نجحوا بشكل جيد خلال الوباء، بينما في بلدان أخرى، فمستويات الثقة في الحكومة أقل بكثير وثقة متبادلة أقل.
وأشار إلى أن أسوأ الأمثلة على ضعف الثقة، ما شهدته بعض دول أميركا اللاتينية، حيث أن البيانات أشارت إلى أن الناس لا يثقون في حكوماتهم ولا حتى في بعضهم البعض ولا في الغرباء، وكان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات الإصابة بكورونا .. وكذلك أداء أوروبا ليس متساوياً .. فبعض أجزائها كان أداؤه جيدًا للغاية، وبعضها الآخر سيئًا للغاية.
وقال سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان .. بالنسبة للدول أو المجتمعات التي كان أداؤها سيئاً، برأيك ماذا كان يجب عليها أن تفعل ؟
ورد جيفري في إجابته .. إنها قضية معقدة .. أعتقد أن هناك جانباً تقنياً لتنظيم البيانات .. وهناك الذكاء المحلي داخل البلد والذي يمكّنك بسرعة من معرفة ما يحدث للعدوى وما يحدث للشركات، وما يحدث للوظائف، وحتى ما يحدث للصحة العقلية للناس والوحدة .. والمجتمعات بحاجة إلى التكاتف، لذلك عندما تكون هناك أزمة، من المهم جدا أن يتمكن الناس من مساعدة بعضهم البعض، ويمكنهم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل "واتساب " أو" فيسبوك " لإنشاء مجموعات محلية .. والدول التي لديها مجتمع مدني قوي كان أداؤها جيدًا عامة لأن الناس يتحركون بسرعة لمساعدة بعضهم البعض، في حين أن الذين يعيشون في دول غيرها حيث لا يثق بعضهم ببعض كان من الصعب جدًا عليهم العمل معا .. مؤكدا أن الحكومات بحاجة إلى ممارسة أساليب معينة لكسب الثقة.
وأضاف أن بعض الدول دفعت ثمنا باهظاً نتيجة سوء إدارة الأزمة حيث اكتفت قياداتها بالخطابات والتي لا يمكن أن تنجح في ظل عالم من المخاطر المعقدة مثل الجائحة وربما العديد من المخاطر الأخرى في السنوات المقبلة أيضاً.
وفي مداخلة سموه مع فراز خالد وهو في مكان عمله، سأله عن تجربته .. فقال فراز " بداية شكراً لاستضافتنا اليوم إنه شرف كبير .. ونعتقد أن التكنولوجيا تغير العالم والطريقة التي يمارس بها الناس أعمالهم، والتي نتواصل بها، ونجري بها هذه المكالمة ونتسوق بها، فكل شيء يتغير جذرياً.
وأشار إلى أن التجارة عبر الإنترنت في الصين - التجارة الإلكترونية - ستكون أكبر من تجارة التجزئة غير المتصلة بالإنترنت أو البيع بالتجزئة التقليدية هذا العام وهذا تغيير جذري .. ونرى هذا التغيير بسرعة كبيرة في منطقتنا .. لدينا فئة سكانية شابة وسكان مترابطون للغاية، ومن واجبنا ومسؤوليتنا أن نكون في طليعة هذا التغيير.
وقال : الآن أصبح من الممكن جداً لفتى أو فتاة صغيرة تجلس في منزلها بيع سلعة إلى ملايين العملاء القادمين عبر الإنترنت في بلدنا الآن، وهذا شيء نحاول القيام به مع شركتنا، "نون" وإن شاء الله من المهم أن نكون في طليعة هذا التغيير.
ورأى فراز أن التجارة الإلكترونية عامل تمكين كبير ومن الممكن أن تبيع الشركات الصغيرة عبر الإنترنت حيث لم تعد بحاجة إلى متجر كبير أو مركز تسوق كبير لتتصل بملايين العملاء وكذلك من المهم جداً للعملاء أن يكون لديهم الخيار، والشفافية في التسعير، وراحة تسليم الأشياء لهم.
وأشار إلى أن "العالم يتغير والبرمجيات تقود العالم" .. قول شائع في الصناعة، لكنه يحدث بالفعل أمام أعيننا .. وأعتقد أن اليوم ليس بعيدًا عندما يتم بيع أربعة من كل 10 أشياء عبر الإنترنت في بلدنا.. وأن هذه ثورة تحدث وعلينا أن نكون على دراية بها، ونستثمر فيها حقاً، وأن نتعلم عنها ونتأكد من أننا لن نتخلف عن الركب.
وتابع سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان حواره مع فراز فقال .. "أخبرنا عن التدريب قبل بدء عمل كهذا .. هل هو تعليم؟ وهل يذهب الأولاد والبنات الصغار إلى المدرسة لتعلم هذا؟ هناك جدال كبير حول هذا الموضوع الآن.
وأجاب فراز .. إن أولى الخطوات هي وجود منصة مثل "مجلس محمد بن زايد" .. وبعد ذلك هناك الكثير من البيانات المتوفرة الآن من خلال التكنولوجيا التي يمكن للبائعين والشركات الصغيرة الحصول عليها حول ما يتم بيعه، وما هو ناجح ، وغير الناجح .. فالأمر لا يتطلب أي تدريب احترافي لكنه يحتاج إلى الاجتهاد والشغف والاهتمام بالتعلم فعلياً، ونحن في "نون" بدأنا برنامجاً مخصصاً لهذه الغاية حيث نقوم بتدريب الشباب على الانضمام ومعرفة كيفية القيام بذلك وفتح متاجرهم الخاصة والبدء في البيع .. ومن المهم جداً أن نمكّن الشباب من أخذ زمام المستقبل فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية .. ومن خلال هذا البرنامج نقوم بتدريب الشباب وتعليمهم كما نوفر لهم بطريقة ملائمة جداً الترويج لمبادراتهم عبر الإنترنت ومن ثم بشروط مخفضة حتى يتمكنوا من النجاح بالفعل في المرحلة المبكرة.
ودعا سموه البروفيسور جيفري إلى المشاركة برأيه إذا كان لديه أي إضافات بهذا الشأن .. فقال جيفري : مجرد تعليق على ما قاله خالد فراز عن التعليم .. فخلال العام الماضي وفي جميع أنحاء العالم .. انتقلت العديد من البلدان إلى التعليم عبر الإنترنت، أو التعليم الرقمي لأول مرة على الإطلاق، بطاقة هائلة وبرشاقة هائلة .. والسؤال هو، ما الذي ستفعله هذه الدول بشكل مختلف بعد الجائحة .. فالتعليم والتسوق والعمل، أصبح عبر الإنترنت .. وكيفية تدريب المعلمين لدورهم الجديد الذي سيكون مختلفاً تماما، ليس فقط تدريس الفصول للأطفال ولكن تنظيم المحتوى الرقمي ومقاطع الفيديو والألعاب وما إلى ذلك .. وأعتقد أن هذه ثورة مثيرة للغاية تحدث في كل مكان في العالم، من وجهة نظري، وهي تتوازى مع ما حدث لمجالات البيع بالتجزئة وغيرها من المجالات .. وآمل أن تحقق دولة الإمارات أفضل النجاحات من خلال مزيج من العالم الرقمي والحقيقي.
وقال سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان : برأيك هل تعتقد أننا يجب أن نفعل المزيد لاعتماد التعليم الرقمي؟ وهل يجب على المجتمع بذل مزيد من الجهد ليكون رقمياً ؟
ورد جيفري : نحن ننظر إلى ما يتم القيام به في جميع أنحاء العالم في مجال التعليم .. وأعتقد أنها قضية معقدة إلى حد ما .. ويمكننا الحصول على دروس جيدة جدًا من خلال التعليم عبر الإنترنت وهناك أيضا طرق لمساعدة التلاميذ على العمل معاً والتعاون أثناء الحصص الدراسية .. كما يحتاج ذلك إلى مهارات جديدة للمعلمين وطرق جديدة للتفكير في نظام التعليم بأكمله .. وكان على الحكومات إنشاء مجموعة واحدة عبر الإنترنت من مواد المناهج الدراسية خلال الأزمة وبعضها سيستمر في المستقبل، كما آمل، بدلاً من أن يضطر كل معلم أو كل مدرسة إلى إنشاء مواد التدريس الخاصة بهم، ودروسهم الخاصة .. والشيء نفسه يحدث في مجال الرعاية الصحية .. فالعديد من المرضى الآن يراجعون الأطباء عن طريق الانترنت وهذا لا يناسب كل الحالات طبعاً .. لكن بالنسبة للعديد من الأمراض البسيطة، يكون الأمر أكثر فاعلية من الذهاب والبقاء في غرفة الانتظار للتفاعل وجهاً لوجه ..لذلك أعتقد أننا نشهد تسارعاً في التغيير خلال العام أو العامين المقبلين .. وستكون الأشهر الـ 12 المقبلة حاسمة في تحديد أفضل مزيج بين الرقمية وغير الرقمية.
وفي مداخلة مع سلامة العميمي .. قال سموه إن جيفري تحدث عن الثقة بين الحكومة والمجتمع .. كيف استطاعت دولة الإمارات أن تنجح في هذا المعيار .. خاصة الاستجابة المجتمعية خلال جائحة " كورونا " ؟.
وقالت العميمي في ردها إن الثقة تبنى على مدى من الزمن مشيرة الى أن دولة الإمارات وضعت جودة حياة المجتمع ضمن سلم أولوياتها.
وأضافت : نحن في هيئة المساهمات المجتمعية نطور خدماتنا حتى يعيش المجتمع في الرفاهية المطلوبة .. كما أن الهيئة رفعت نسبة المشاركة والإسهامات المجتمعية، واستطعنا خلق وعي بتحديات المجتمع وشاركناهم في وضع حلول مناسبة لهذه التحديات .
وأشارت إلى أن المجتمع عنده شغف كبير في المشاركة لكن في هذا الأمر يحتاج أمرين هما التوعية وتسهيل قنوات التواصل.
كما تحدث سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان مع محمد القاضي حول تجربته مع صندوق الوطن .. وقال القاضي إن سر نجاح المبادرات المجتمعية يكمن في عنصرين رئيسيين الأول فعالية المبادرات، والثاني هو الاستمرارية وهي مبنية على نقطتين، هما رؤية طويلة المدى والاستدامة المالية.
وأوضح أن صندوق الوطن استطاع أن يجمع خلال ثلاث سنوات تقريبا مليار درهم من التبرعات وأطلق 18 مبادرة كان لها أثر كبير في المجتمع استفاد منها أكثر من 10 آلاف مواطن.
وأشار إلى أهمية أن تكون آلية العمل في المبادرات المجتمعية مثل آلية العمل في القطاع الخاص، لها أرباحها لكن أرباح المبادرات الاجتماعية هي الأهداف الاجتماعية.
وأكد الضيوف والمحاضرون في كلماتهم خلال الجلسة أهمية توظيف الابتكارات في تحقيق تطلعات المجتمعات إلى الازدهار وإيجاد الحلول المناسبة للتحديات التي تواجهها ..مشددين على الحاجة الملحة لتعزيز المسؤولية المجتمعية والتعاون بين جميع قطاعات المجتمع "القطاع الحكومي والخاص والمجتمعي".
من جانبها قالت سلامة العميمي مدير عام هيئة المساهمات المجتمعية " معاً " : يسعدني وجودي معكم اليوم في مجلس محمد بن زايد الذي يعد منصة لتبادل المعارف والخبرات والممارسات العالمية الإيجابية ويستضيف صناع القرار والخبراء العالميين لمناقشة كيفية تطوير مجتمعاتنا العربية والعالمية .
وأضافت : بداية أود أن أتحدث عن موضوع جودة الحياة .. ولماذا تعد جوهر اهتمام الحكومات وأولوياتها ؟.. هل لأن جودة الحياة تتعلق بالحقوق الدستورية التي ترتبط بين الحكومات ومجتعاتها.. وهل لأن العقد الاجتماعي مهم وتنص عليه القوانين والدستور.. ولماذا تتفاوت اهتمامات الحكومات بتحقيق جودة الحياة التي تنعكس على استدامة المجتمعات.. وكيف تميزت دولة الإمارات في وضع جودة حياة أفراد المجتمع أولوية في خططها وبرامجها الحكومية ؟.
وأوضحت العميمي أن العقد الاجتماعي له طرفان، الأول الحكومة والثاني المجتمع، والذي ميز دولة الإمارات أن هذا العقد ينطوي على علاقة أبوية خاصة تجمع بين الطرفين الحكام وأفراد المجتمع ..مشيرة إلى وعي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه بأهمية تفاعل وترابط المجتمع مع الحكومة لنجاح هذه الدولة وعلى نهجه سار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة .
وأضافت أن العلاقة الأبوية الخاصة بين حكومة الإمارات ومجتمعها ولدت شعوراً بالامتنان والذي بدوره ولد شعور الانتماء وما له من تأثير إيجابي في سلوكيات المجتمع وبالتالي خلق التماسك المجتمعي .. ومتى ما تماسك المجتمع، كانت هناك رغبة في أن يكون الفرد مواطنا صالحا أو مقيما صالحا لديه الرغبة في خدمة أفراد المجتمع الآخرين بمحبة وينتمي إلى منظومة يحترم فيها الأسس والقواعد والقوانين التي تحكمها مما يخلق الأمن والاستقرار.. وهذه العناصر تولد مجتمعاً منتجاً متماسكاً صالحاً يدعم استدامة الدولة سواء استدامة أمنية أو اقتصادية.
وأشارت إلى أن التماسك المجتمعي يترسخ من خلال المشاركة والمساهمة المجتمعية في وضع الحلول المبتكرة والوقوف على التحديات الاجتماعية بتماسك وترابط للوصول بجميع أفراد المجتمع إلى الرفاهية المجتمعية.
وقالت إنه من هنا أطلقت هيئة المساهمات المجتمعية " معاً " ـ تحت مظلة دائرة تنمية المجتمع ــ لتعنى خاصة بالابتكار الاجتماعي الذي يقع في أولويات برامج وخطط إمارة أبوظبي ..مشيرة إلى أن الابتكار الاجتماعي لا يحدث إلى من خلال عناصر المجتمع الذي يعد القطاع الثالث سواء أفراد أو مؤسسات غير ربحية أو مؤسسات ريادة الأعمال ولا تكتمل هذه المنظومة دون الربط بين القطاع الثالث الذي هو المجتمع والقطاعين الخاص والحكومي .. وأوضحت أن هيئة " معاً " تقوم على عدة مرتكزات للابتكار أساسها ربط المجتمع بالتحديات الاجتماعية القائمة والأولويات ليعمل على وضع الحلول لها وبالتالي يسهم في رفع نسبة الرضا عند المجتمع لأنه يرى أنه كان مشاركاً في وضع تلك الحلول التي تتميز بكونها أكثر مواءمة واستدامة.
وأشارت إلى أن الهيئة التزمت منذ تأسيسها باستراتيجية ممنهجة وخطة عمل طموحة تعزز ريادة الأعمال الاجتماعية .. وأطلقت الهيئة خلال عامين أربع حاضنات اجتماعية تعنى بالأولويات والقضايا الاجتماعية والتحديات التي ارتأت الحكومة الوقوف عليها .. ومن خلال هذه الحاضنات استطعنا تخريج 35 مؤسسة اجتماعية قدمت الدعم إلى أكثر من 15 ألف مستفيد أي أن 35 خدمة طرحت للمجتمع.
وقالت إن برنامج " معاً نحن بخير " الذي أطلقته الهيئة خلال أزمة "كورونا " أظهر تماسك المجتمع الإماراتي وترابط نسيجه وقوته وتضامنه .. فقد بلغت حصيلة " صندوق الاستثمار الاجتماعي " لصالح البرنامج حوالي مليار درهم، نصفها نقدي والآخر عبارة عن عطايا عينية إضافة إلى الإسهام في البرنامج عن طرق التطوع في خدمة المجتمع .
وعرَّفت العميمي الابتكار والابتكار الاجتماعي ..موضحة أن الابتكار هو خدمة أو منتج يقدم أفكاراً إبداعية لم تكن مطروحة من قبل تسهم في تقديم خدمات جديدة، وتبنى عمليات حديثة تعمل على تحسين نوعية الحياة وجودتها .. أما الابتكار الاجتماعي فهو إيجاد حلول ومنتجات وخدمات اجتماعية تقف على تحديات وأولويات اجتماعية ترتئيها الإمارة وهو يتطلب ترابطاً وثيقاً بين القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمعية .. وترتكز عوامل نجاح الابتكار الاجتماعي على استدامته وخصوصية الحل ومدى ملائمته للفئة المستهدفة وثالثا الجودة حتى يستمر الطلب على المنتج من قبل أفراد المجتمع.
من جهته قال فادي غندور إن أهم رسالة أوجهها إلى الشباب الناشيء في ظل التحديات الاجتماعية والتي فرضتها جائحة " كورونا " والتحديات الاقتصادية الهائلة والانتقال إلى الاقتصاد الرقمي .. هي أهمية المعرفة الدائمة والشغف بالتعلم المستمر والبحث في ظل عالم متغير ومتسارع يتطلب مواكبة التغيرات.
وأكد على الدور الأساسي والإستراتيجي للقطاع الخاص في التنمية المجتمعية، فالقطاع له دور مهم في مجتمعه خارج إطار دوره التقليدي المباشر من تجارة أو بيع سلع أو انتاجها أو خدمات .. فأي عمل يقوم به القطاع الخاص في أي بلد يكون له تأثير مباشر أو غير مباشر على المجتمع.
وأشار إلى أن ريادة الأعمال المجتمعية تتطلب تكاملاً واندماجاً وعملاً مشتركاً بين القطاع الأهلي وقطاع الأعمال لطرح حلول لتحديات المجتمعية وتنفيذها ..منوهاً بالقدرات المتوافرة لدى القطاع الخاص من خلال الاستثمار والعمل بروح الفريق الواحد والفكر الريادي السباق الذي ينظر إلى المشكلة ويطرح لها الحلول مباشرة.
وتطرق إلى عدد من المؤسسات التجارية الوطنية والنماذج الناجحة في دولة الإمارات التي أثرت في مجتمعها الكبير خارج نطاق الأعمال من خلال طرحها مبادرات في المجتمع تتعلق بدعم الشباب والتعليم ..مؤكداً أن رفاهية المجتمع تتعلق بنجاح القطاع الخاص فلا يمكن تحقيق هذه الرفاهية دون نجاح الشركات والمؤسسات الخاصة التي تقدم الحلول للتحديات التي يواجها المجتمع ويطبق هذه الحلول .
كما تحدث فادي غندور عن مسؤولية القطاع الخاص في الاستثمار في الشباب الذين تنقصهم الخبرة ورأس المال وهنا يأتي دور القطاع الخاص في مشاركته ودعمه ليصبح من رواد الأعمال لأنهم سيأخذون زمام المبادرة لطرح الحلول التي تفيد المجتمع لأن هؤلاء الشباب جزء لا يتجزء من المجتمع يدركون التحديات التي تواجهه.
من جانبه تناول البروفيسور جيفري موضوع مرونة المجتمعات ..مشيراً إلى الأسباب التي تجعل بعض المجتمعات مرنة في حين أن بعضها الآخر هش وضعيف ..وأوضح أن أحد التفسيرات يكمن فيما تفعله الحكومات، فأفضل الحكومات هي التي تحمي الناس من المخاطر التي لا يمكنهم حماية أنفسهم منها والاستعداد والتخطيط للتحديات المحتملة.
وأكد أنه لا يمكن للحكومات أن تخلق المرونة بمفردها بل يجب أن يكون للمجتمعات دور .. وقد بدا ذلك جلياً خلال العام الماضي من خلال " جائحة كوفيد " حيث بادرت بعض المجتمعات إلى العمل وتوزيع الطعام وزيارة الأشخاص المعزولين ورعاية بعضهم البعض، في حين أن البعض الآخر لم يفعل ذلك وقد واجهت هذه المجتمعات صعوبات في التعامل مع الأزمة.
ويرى جيفري أن هناك ثلاثة عناصر أساسية موجودة في أي مجتمع يتسم بالمرونة، الأولى الثقة، فاستجابة الناس تكون غالباً جيدة جداً إذا كانوا يثقون في الحكومة وببعضهم البعض، وضرب السير جف مثالاً على مدى جودة أداء بعض دول شرق آسيا مقارنة بأمريكا اللاتينية.
وقال إن الدرس الثاني عن " الجدران " فالناس غالبًا ما يعتقدون أنهم سيصبحون أكثر أماناً ومرونة إذا بنوا الجدران حولهم لحمايتهم ولكن في الواقع ليس هذا هو الحال في كثير من الأحيان .. ونظرًا لأنه لا يمكنك التنبؤ تماماً بالتحديات المقبلة، فمن الأفضل ضمان قدرتك على الاستجابة بسرعة ومرونة وأن تمتلك القدرة على ذلك بدلاً من الاعتقاد بأنه يمكنك حماية نفسك بالجدران .. ويبدو هذا جلياً فيما يتعلق بالأمن السيبراني الآن، حيث أنك لن تكون آمناً بنسبة 100% ولكن يمكنك الاستعداد للاستجابة السريعة عندما تتعرض شبكاتك للهجوم.
وقال إن الدرس الثالث يتعلق بالشبكات.. أي أنه إذا قمت بتطبيق اللامركزية وتقاسمت المسؤولية وتبادلت المعلومات، فمن المرجح أن تكون أكثر مرونة في حالة حدوث أي أزمة أو مواجهة أي تحدٍ.
وأضاف أن ما رأيناه في العام الماضي يؤكد كل النقاط المذكورة سابقاً، ولاسيما كيف تجمع أفضل المجتمعات الآن بين الذكاء في التكنولوجيا باستخدام البيانات والذكاء الاصطناعي، لكنها تدرك أن المرونة تعتمد على الأشخاص واستعدادهم للثقة ببعضهم البعض والاستجابة بسرعة، وهذا هو السبب في أن الابتكار الاجتماعي لا يقل أهمية عن الابتكار التكنولوجي لتحقيق النجاح.
وذكر أن المجتمعات التي أبلت بلاءً حسناً خلال هذه الأزمة تمكنت من الجمع بين عدد غير قليل من الأشياء المختلفة للغاية، فقد أبدت ذكاءً ملحوظاً في كيفية استخدامها للبيانات وفعلت ذلك في كثير من الأحيان من خلال شراكة شفافة بين الحكومة والشركات والمجتمع المدني.
وقال إنه إلى جانب الاستخدام الذكي للتكنولوجيا، فقد تمكنت الحكومات من تعبئة المجتمعات وخلق ابتكارات اجتماعية جديدة، وقد شهدنا ازدهارًا غير عادي في استخدام المنصات الاجتماعية الجديدة، واستخدام التطبيقات الذكية .. لكننا اخترعنا أيضًا منصات لمحاولة ربط المجتمعات معاً بشكل أفقي بطرق جديدة .. وقد أصبحنا ندرك أنه لكي تزدهر المجتمعات، من المهم أن يركز الابتكار أيضاً على المعزولين وعلى رعاية المسنين.
وأكد أن المرونة العميقة في المجتمع لا تقتصر على البنية التحتية أو الحكومة أو الشركات فقط بل تتعلق بما يكمن في المجتمع أيضًا، وهذا هو مفتاح التعامل مع الصدمات التي سنشهدها بلا شك في العقود القليلة القادمة .. والمجتمعات التي ستتمكن من التعافي هي تلك التي تتمتع بالقوة والعمق والثقة والبراعة التكنولوجية أيضا.
التعليقات