تاريخ العملات الرقمية.. إلى أين؟!

لم يمنع الرفض الكبير الذي واجهته العملات الرقمية في الأوساط المالية منذ نشأتها، من صعودها بشكل غير متوقع، وقبول وجودها والتعامل بها على نطاق محدود في البداية من قبل كيانات كبري ودول مختلفة. 

وصُممت العملات الرقمية الإلكترونية لاستخدامها وسيلة للتبادل، وهي تستخدم التشفير لتأمين والتحقق من المعاملات، وأيضًا للسيطرة على إنشاء وحدات جديدة من أي عملة رقمية معينة، وبشكلٍ أساسي، تكون العملات الرقمية إدخالات محدودة في قاعدة بيانات لا يمكن لأحد أن يغيرها إلا إذا تم الوفاء بشروط محددة. 

ومنذ نشأة فكرتها بدأت تسلسل ببطء دون معرفة معلومات كافية عن من يقف خلفها ووجدت رفضا كبيرا في الاوساط المالية لكن ذلك لم يمنع صعودها بشكل غير متوقع وقبول وجودها والتعامل بها على نطاق محدود في البداية من قبل كيانات كبري ودول مختلفة 

وسجلت عملة "بيتكوين" ـ أشهر العملات الإلكترونية مستوى قياسيا جديدا بعد اختراقها مستوى الـ29 ألف دولار في اليوم الأخير من عام 2020، لتصل بمكاسبها إلى ما يزيد على 305 في المئة، إذ تضاعفت قيمتها 4 مرات خلال العام نفسه وسط تفشي جائحة فيروس كورونا. 

كان سعر الـ "بيتكوين" عام أوائل عام 2020، يعادل 8 آلاف دولار، لكنها انخفضت بعد ذلك إلى 4 آلاف دولار عندما تفشت جائحة كورونا في الربيع، وخلال 3 أشهر من التداول، كسرت العملة الإلكترونية "بيتكوين"، الأسعار التاريخية المسجلة في ديسمبر 2017، وسط تزايد عالمي في الطلب. 

وبحسب تقرير اقتصادي، فإن "بيتكوين" أصبحت تحتل الآن المركز الـ 11 بين أكبر الأصول العالمية، خلف العمالقة مثل "فيسبوك"، "آبل"، "وول مارت" و"سامسونج"، كما تقدمت على شركة "فيزا" العالمية، ما جعلها أكبر خدمة مالية في العالم بعد أن أزاحت "فيزا" عن الصدارة. 

وتسارعت وتيرة الارتفاع في "بيتكوين" بعد أن كشف مدير صندوق استثمار بريطاني عملاق أنه اشترى ما قيمته 745 مليون دولار من "بيتكوين".

ويشدد خبراء العملات المشفرة على أن المكاسب الأخيرة سببها طلب قوي من قبل المؤسسات بالدرجة الأولى، على عكس مكاسب 2017 التي جاءت بدعم من الأفراد والمضاربة، ومما دعم حمى "بيتكوين" أيضا، توجه المنظمين والشركات المالية لجعل العملات المشفرة أكثر أمانًا، إذ قام مكتب المراقب المالي للعملة ـ وهو منظم أمريكي ـ بالسماح للبنوك بالاحتفاظ بالعملات المشفرة للعملاء. 

وفي الإطار ذاته، جاءت تصريحات "إيلون ماسك"، مؤسس شركة "تسلا" المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية، والمكونات الكهربائية للقطارات الكهربائية والرئيس التنفيذي لشركة "SpaceX" قائلا "العملة الرقمية قد تكون أساس الاقتصاد المستقبلي على كوكب المريخ".

يأمل الملياردير التكنولوجي، وهو أحد مؤسسي عملاق المدفوعات عبر الإنترنت "PayPal"، في إرسال أول مجموعة بشرية إلى المريخ في أوائل عام 2024، بهدف نهائي هو إنشاء "مدينة مكتفية ذاتياً على سطح المريخ في أقرب وقت ممكن". 

كانت هناك العديد من المحاولات لإنشاء عملة رقمية خلال ازدهار التكنولوجيا في التسعينيات، مع ظهور أنظمة مثل "فلوز" و"بينز" و"ديجي كاش" في السوق، ولكنها فشلت في النهاية، وكانت هناك أسباب عديدة كثيرة لفشلها، مثل الاحتيال والمشكلات المالية وحتى الاحتكاكات بين موظفي الشركات ورؤسائهم. 

ثم، في أوائل عام 2009، قام مبرمج مجهول أو مجموعة من المبرمجين تحت الاسم المستعار "ساتوشي ناكاموتو" ـ ولا احد يعرف هل هو رجل أم امرأة أو جهة ما ـ بتقديم "بيتكوين". ووصفها ساتوشي بأنها "نظام نقدٍ إلكتروني ندّي"، وهو نظام لامركزي تمامًا، وهذا يعني أنه لا توجد خوادم معنية ولا سلطة مركزية مسيطرة، ويشبه هذا المفهوم بشكل وثيق شبكات الند للند لتبادل الملفات. 

إلا أن واحدة من أهم المشكلات التي يجب على أي شبكة محاولة حلها، هو الإنفاق المزدوج. وهو أسلوب احتيالي لإنفاق نفس المبلغ مرتين، وكان الحل التقليدي هو طرف ثالث موثوق به ـ خادم مركزي سيرفير ـ يحتفظ بسجلات للأرصدة والمعاملات، ومع ذلك، فإن هذه الطريقة تنطوي دائمًا على سلطة تسيطر بشكلٍ أساسي على الأموال ولديها جميع التفاصيل الشخصية. 

ولكن في شبكة لا مركزية مثل بيتكوين، كل مشارك يحتاج إلى القيام بهذه المهمة. ويتم ذلك عن طريق تقنية "بلوك تشاين" ـ وهي دفتر حسابات عام لجميع المعاملات التي تُجرى في أي وقت ضمن الشبكة، وهي متاحة للجميع. لذلك، يمكن للجميع في الشبكة رؤية رصيد كل حساب. 

وتتكون كل معاملة من ملف يتشكل من المفاتيح العامة للمرسل والمستلم (عناوين المحفظة) وكمية النقود المنقولة. كما يجب أن يتم التوقيع على الصفقة من قبل المرسل مع المفتاح الخاص. ويُعد كل هذا ببساطة تشفيرًا أساسيًا. وفي نهاية المطاف، يتم بث المعاملة في الشبكة، لكنها تحتاج إلى تأكيد أولًا. 

وضمن شبكة العملة الرقمية، يمكن للمعدنين فقط تأكيد المعاملات من خلال حل لغز تشفيري. فهم يأخذون المعاملات، ويضعون عليها علامة تفيد بأنها شرعية ثم ينشرونها عبر الشبكة. بعد ذلك، تضيفها كل عقدة من الشبكة إلى قاعدة البيانات الخاصة بها. وبمجرد تأكيد المعاملة تصبح غير قابلة للتزوير ولا يمكن الرجوع فيها ويحصل القائم بالتعدين على مكافأة، بالإضافة إلى رسوم المعاملات. 

أما ما يمكن فعله بالعملات الرقمية، فهو كثر، مثل شراء السلع، ففي الماضي كانت محاولة العثور على التاجر الذي يقبل العملة الرقمية أمرًا صعبًا للغاية، إن لم يكن مستحيلًا. ولكن في الوقت الحالي يختلف الوضع تمامًا، فهناك الكثير من التجار ـ سواء على الإنترنت أو على أرض الواقع ـ يقبلون "بيتكوين" كشكل من أشكال الدفع، وهم يتراوحون بين تجار التجزئة الكبار على الإنترنت مثل "أوفرستوك" إلى المتاجر المحلية الصغيرة والحانات والمطاعم. ويمكن استخدام عملات بيتكوين لدفع ثمن الفنادق والرحلات الجوية والمجوهرات والتطبيقات وقطع الكمبيوتر وحتى للحصول على درجة جامعية. وهناك أسواق مثل "بيتيفاي" و"أوبن بازار" التي تقبل فقط العملات الرقمية. 

ويعتقد كثير من الناس يعتقدون أن العملات الرقمية هي أهم فرص الاستثمار المتاحة حاليًا، وهناك العديد من القصص عن أشخاص أصبحوا مليونيرات من خلال استثماراتهم في بيتكوين. التي تعد العملة الرقمية الأكثر تميزًا حتى الآن، فمنذ عدة سنوات كانت قيمة العملة الواحدة منها تبلغ 800 دولار، وفي نوفمبر ٢٠١٧ تجاوز سعرها 7 آلاف دولار، قبل أن تقفز وتصل إلى ما يقارب الـ 30 ألف دولار بنهاية العام 2020، ثم الـ 60 ألف دولار في الوقت الحالي. 

ويعد القائمون بالتعدين هم الجزء الأهم من أي شبكة للعملة الرقمية، ومثل التداول بشكلٍ كبير يعتبر التعدين استثمارًا. وبشكلٍ أساسي، يوفر القائمون بالتعدين خدمة إدارة الحسابات للمجتمعات المعنية، وهم يسهمون بقوة الحوسبة الخاصة بهم في حل ألغاز تشفير معقدة، وهو أمر ضروري لتأكيد الصفقة وتسجيلها في دفتر الحسابات العام الموزع الذي يُدعى "بلوك تشين"، واعتبارًا من نوفمبر 2017، تم تعدين وتوزيع ما يقرب من 17 مليون بيتكوين.

لكن، كانت المفاجأة التي ظهرت قبل نهاية العام 2020، هي تصريح " ستيفن منوشين"، وزير الخزانة الأمريكي في إدارة الرئيس السابق "ترامب"، بأن هناك "تأييدًا قويا لدى مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم بشأن تنظيم تداول العملات الرقمية". 

وبات الجميع بات يتوقع حاليا بدء حقبة هيمنة العملات الرقمية على المعاملات المالية والتحكم إلكترونيا في الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة. 

التعليقات