الناتج الإجمالي الكلي للدول يتشكل عن طريق مساهمة قطاعات اقتصادية حيوية ومتباينة فيما بينها في الدخل العام، غير أن تباين تلك القطاعات جعل من الصعب تأثير قطاع واحد على مجمل الاقتصاد المحلي وقد لا ينعكس إخفاق أحدها بالضرورة على الأداء الاقتصادي العالمي، الذي سلم من كل التقلبات عدا مزاجية القطاع المصرفي وقدرته على تحديد المخاطر التنظيمية بدقة والتعامل معها، الأمر الذي جعل الانضمام لمجالس إدارة البنوك من أصعب القرارات التي يتخذها الأفراد بالمقارنة مع انضمامهم لمجالس الإدارة بأي قطاعات اقتصادية أخرى.
تختلف البنوك على نطاق واسع من حيث الحجم، تباين المنتجات، قاعدة العملاء، التأثير والحضور الدولي، وكذلك طريقة تكوين مجالس الإدارة والأدوار المطلوبة لشغل هذه المناصب. وبالرغم من هذا التنوع الكبير، يلحظ العديد من الخبراء في الحوكمة أن أعضاء مجالس الإدارة بالبنوك مختلفون عن بقية المجالس لخمس أسباب مهمة لا تجتمع إلا في القطاع المصرفي.
ووفقا لفرانك دانجيرد، الشريك الإداري في هاركورت، "أن السبب الأساسي لصعوبة وصول التنفيذيين لمجالس إدارة البنوك يكمن في طبيعة القطاع المصرفي المعقدة. فمعظم القطاعات لا تتطلب من المدراء معرفة دقيقة بالمنتجات والخدمات ليتمكنوا من إدارة أعمالهم بالشكل الصحيح، فعلى سبيل المثال لا يتعين على المدراء معرفة فك شفرة رموز معقدة أو كتابتها ليكونوا مؤهلين بشكل كامل للجلوس على مقاعد مجالس إدارة بشركات التقنية، أو معرفة مستفيضة بمستقبل التقنية الحديثة أو شبكة التكنولوجيا لتكون مؤهلاً بشكل كبير للانضمام لمجلس إدارة شركة اتصالات عامة، فيما يحتم القطاع المصرفي على أعضاء مجالس الإدارة فهمهم العميق بطبيعة القطاع والمنتجات المطروحة بالمقام الأول لأن المحافظة على أداء القطاع يتأتى من خلال قدرتهم على إدارة المخاطر، ولا يمكن قياس المخاطر بدون معرفتها وتحديدها بشكل كامل.
بالإضافة لذلك، تنمو الأعمال في البنوك المحلية بشكل متسارع ومتسق مع النظام الاقتصادي العالمي، ما يجعل أداء البنوك عرضة للتذبذب والتغيير السريع والطارئ الذي يتطلب سرعة التحرك والاستعداد لاتخاذ قرارات حساسة ومهمة، فعلى سبيل المثال، المسائل التي ترتبط بالتمويل والسيولة قد تتغير في أقل من ٢٤ ساعة، فلو كانت البنوك تعتمد على تمويل المشاريع ولو بشكل جزئي قد تفاجئ في وقت لاحق بجفاف السيولة في حال لم تكن مستعدة للتعامل مع المرحلة واتخاذ القرارات المناسبة للخروج من هذه الأزمة أو تفاديها.
وقال فرانك دانجيرد في حديث خاص لمعهد حوكمة بمركز دبي المالي، أنة رغم مشاركة القطاع المصرفي مع القطاعات الأخرى بالعديد من الخصائص، منها قطاع التكنولوجيا على سبيل المثال إلا أن مساحة الاختلاف كبيرة مع قطاعات أخرى. فالبنوك تشترك مع قطاع التقنية باعتماده بدرجة كبيرة على الأفراد من موظفين ومتعاملين، بالإضافة لاعتمادها الكبير على التقنية والخدمات المقدمة عن طريق الإنترنت.
قد أظهرت العديد من النماذج مدى اعتماد البنوك على الكفاءة والسلوك الأخلاقي لموظفيها. فاختيار موظفي البنوك من ذوي الكفاءات العالية والاختصاص مهم لإدارة المخاطر وكفيل بتحسين الثقافة المؤسساتية للبنوك وتفعيل المبادئ التي تعتمد على حسن السلوك، الرقابة الداخلية، والتدقيق الداخلي الذي يلعب دوراً محورياً بتقييم الأعمال وحفظها من الممارسات الخاطئة مثل غسيل الأموال والفساد الإداري التي ظهرت بجلاء خلال الأزمة المالية العالمية.
وتأتي أهمية تطوير شبكة تكنولوجيا المعلومات وحماية عملياتها جنبا إلى جنب مع تمكين الموارد البشرية. فالبنوك تواجه العديد من المخاطر التقنية التي قد يتسبب عنها هجوم إلكتروني لسرقة بيانات العملاء أو البيانات المالية، هو ما يقد يتسبب بكارثة حقيقية للقطاع المصرفي. من جهة أخرى، يرى العديد من الخبراء أن التعاملات الرقيمة في المصارف قد تضر القطاع على الأمد الطويل لأنها عطلت النموذج التقليدي في أعمال البنوك سواء كانت خدمات العملاء، وسائط الدفع، رصيد المستهلك، أو التحويلات. وكنتيجة لدخول التقنية عالم المال والأعمال سيكون مكون أساسي لعمليات البنوك في المستقبل ما سيحتم على أعضاء مجالس الإدارة بالبنوك وأجهزة التنظيم في السوق التعامل مع "المدراء الرقميين" بشكل كبير رغم أن الخبرات في هذا المجال لاتزال قليلة ونادرة.
وأخيراً، يتعين على مجلس الإدارة إرضاء شريحة كبيرة من أصحاب المصالح في بنوكها من موظفين، متعاملين، مساهمين من القطاع العام أو الخاص، السلطات العامة، بالإضافة لدور البنوك في القطاع العام وهو ما يجعل السلطات العليا والتنفيذية في الدول تراقب أداء البنوك المحلية عن كثب، بل وأحيانا تتدخل في قراراتها إن لزم الأمر.
كل هذه الخصائص ترفع مستوى أداء العمل في البنوك وتمهد لتنفيذ الاستراتيجيات مناسبة لنمو الأعمال بالقطاع بالتالي ترفع مهام أعضاء مجالس الإدارة والتي قد لا تكون ملزمة في مجالس إدارة قطاعات أخرى، خصوصاً في بيئة تنظيمية وعالية المخاطر كالقطاع المصرفي. لكن يبقى الشق الأهم في قدرة أعضاء مجالس إدارة البنوك بالالتزام بمعايير الحوكمة المؤسساتية والإجابة بدقة على أسئلة المراقبين، ما مدى قدرة المدراء التنفيذيين على الحصول على بيانات وتفاصيل داخلية في أعمال البنك؟، ما مدى قدرة المدراء على مواكبة التطورات القانونية في الأعمال والتماثل لها؟، والأهم من ذلك كله هل سيستطيع الأعضاء الالتزام بالوقت المطلوب وتكريسه بشكل متناغم مع الكم الهائل من الملفات، والبيانات والأرقام؟ القرار لك.
التعليقات