بنات أفكــارنا

بنات أفكــارنا

سعد وليد بريدي

إذا ما بحثنا في معجم المعاني عن معنى التجدد نجد التعريف يقول: هو إعادة تكون جزء من الجسم بعد إصابتهِ وفقده، أي أنهُ ثمة بديل ما سيعوض ما تم نقصانه.. ولكي تكتمل الدائرة التي وددت رسمها فإن هذا المعنى أو تحديدا هذه الصفة يمكننا استعارتها لكل أمر أردنا منهُ الاستمرارية والبقاء، أنا لا أقول هنا الخلود لأن المرادفات كثيرة ولكن المعاني حتماً تختلف وتتباين فيما بينها.

هنالك فرق كبير بين التجدد والتجديد ، فالأول لا يتدخل فيه الإنسان ولربما يساهم فيه ولكن نتائجه مرهونةٌ بغيره، أما التجديد فيمكن أن يكون بشكل كامل من صنع البشر ولربما الطبيعه أو هما مشتركين معا، ويمكننا الإمثال بذلك بتجديد المباني والطرق وتجديد مصدر الشيء حتى أنهُ يشمل تجديد الأفكار والرؤى والخطط، ولطالما شكل التجدد والتجديد هاجساً كبيراً لمن لا يزال يخاف فناءَ الكوكب أو نضوب ثروتهِ سواء تلك التي في باطنه أو هاتيك التي بين ظهرانيه.

 فتقريباً كل شيء مهدد بالنفاذ والنضوب نتيجةً لسوء استخدام أو إفراط انتاج أو تفريطاً بالاستعمال وكل هذهِ الأشياء كفيلة بأن تنهي الشيء، فكم جف نهر وكم نضب منجم ولكم ماتت غابه وكم ذاب ثلج ولم يعد ، للأسف إن معظم هذهِ الأشياء يكون للإنسان الدور الأعظم فيها نتيجة جشع أو طمع أو جهل أو عدم اكتراث وحينما فكر بالإنقاذ كان الوقت قد أزف تقريباً.  ‏  ‏  ‏ولكي تكون صفة الخلود مطلقة ومنفردة لله وحده يجب أن يكون كل ما دونه قابلاً أو مقبلاً على الفناء والعدم لينفرد الله وحدهُ بالخلود السرمدي وهذا امر قطعي لذلك فكل شيء مصيرة الفناء بما فيهِ الكون ومخضوعاته، لذلك نجد بأن الثقب الأسود ماهو إلا عبارة عن جثة نجم ضخم جداً مات لأنه لم يستطع التجدد من تلقاء نفسه أو المحافظة على تماسكه فتحول لذاك الثقب الذي تموتُ فيه أيضاً كل قوانين الفيزياء والطبيعة ، واذا ما تركنا الكون وأعاجيبه وعرجنا إلى كوكبنا الأزرق باحثين ممحصين فيه فإننا نجد بأن للإنسان الدور الكبير في رفد أو قتل مصادر عطاء الكوكب.  ‏  ‏  ‏ فالإنسان يستطيع أن يجعل بئر الماء غادقاً لسنوات أو ينضبهُ بغضون أيام، في كلا الأمرين هو استهلك الماء لكن الفرق كبير جداً في الحالتين، فإفراط استخدامه للبئر أنضبهُ باكراً ومنع الطبيعه من أن تجدده تلقائياً، أو لنقل أن استهلاكهُ السريع سبقَ الطبيعةَ بتجديها معين البئر ، كذلك هو كان سريعاً بقطع أشجار الغابات بحثاً عن خشب لربما يستخدم في بناء طاولة يتحلق حولها علماء همهم البحث عن سبل وطرق الحفاظ على درع الأرض الحصين ورئتها الأزليه وهي الغابات الخضراء التي لها الدور الأعظم بالحفاظ على توازن عنصر الأكسجين لنا كمخلوقات.  ‏  ‏ فلم يترك الإنسان مصدر طاقه أو مصدر مادة خام ما أفرط في استهلاكه ظناً منهُ بقاء قدرةِ هذا المصدر بالعطاء والحقيقة المؤلمة تقول بأن كل شيء تقريباً قابل للنفاذ دون استثناء إن لم نحافظ على هذه المصادر ونرشد من استهلاكها و نتحكم بها عبر سن قوانين تساهم في الحفاظ عليها.

إن الثروة الأزلية القديمة التي حباها الله للأرض والتي انبثقت مع انبثاق الحياة فيها هي المطر  حتى هذهِ الثروة عبث فيها الإنسان فأمرضَ طبقة الأوزون عبر دخان مصانعه وملوثات مُدنه مما أعطب نوعا ما من آلية تبخر الماء و تكثفهِ بطبقة الجو الباردة وصنعها السحاب فساهم بما يسمى الإحتباس الحراري وهذا كالسرطان الكامن في جسم الأرض والذي يتبعهُ آلاف الكوارث.

كثيراً ما حذر العلماء من نفاذ مصادر ومقومات حياتنا سواءً تلك التي بباطن الأرض أو عليها ولكن على ما يبدو بأن الرقعة كبرت على الراقع، فالإنفجارات السكانية والتلوث والتصحر وإزالة الغابات والصيد الجائر كلها عوامل سارعت في جفاف مصادر الكوكب وأخطرها الماء، فنجد النهر  إن لم يجف فقد يتلوث وكلا الحالتين مصيبه كبرى  لأن الماء هو إكسير الحياة والعبث فيه أمر يقود للهلاك ، فلأجل إنشاء الصروح العمرانية والمدن الصناعيه كم تلوثت أنهار وكم تم تغيير مسار جريانها فنضبت وأصبحت أثراً بعد عين.

كل شيء إن لم يخضع للتحديث والحفظ والتجديد فإن مصيره النضوب ، كذلك هي الأفكار والخيالات والصور الموجودة في بواطن عقل  كل ذي صاحب موهبه كالشاعر والنحات والملحن والكاتب والرسام فإن لم يكن لها مصدر استمرار فإنها حتماً ستتصدع لتنذر بالزوال، أو أن يصيبها الرتابة والتكرار والتي بدورها ستؤدي لزوال هذه المادة الخام في مناجم العقول والمسماه الإبداع، لذلك كم بحث الأديب عن مواطن جديدة تحرض قلمهُ على الكتابه، وكم بحث الشاعر عن مصادر إلهام تحيي في قلبه بواعث الجمال والعذوبة فيترجمها لقصائد مفعمة بالأحاسيس البديعة ومليئة بشتى صنوفِ الحبِ و الغرام.

  ولكم بحث الرسام عن طبيعةٍ أخاذة يقفُ أمامها متأملاً فترفع منسوب الإبداع في خياله ليحولها لعملٍ فني راقٍ عبر ريشتهِ لتظهر لنا فناً أصيلاً تسمو فيهِ أبهى آياتِ الكمال، إن عقول المبدعين بحاجة لشحذٍ مستمر حتى يستدام فيها العطاء ويغزر فيها الإنتاج.

  ‏وإذا ما خيمت الرتابة على حياتنا وصار للشيء طعمُ اللاشيء! وأصبح التكرارُ سمةً تأطرنا فحتماً ستأفل شمسُ أفكارنا ويلتهمها المغيب حينما تخفتُ  وتخفت حتى تختفي خلف الأفق وتعتمُ أفكارنا كعتمةِ الليل البهيم، لذلك علينا دائماً أن نبقي على منجم الإلهام بداخلنا يقظاً مغداقاً مستمراً بالعطاء رغم صعوبة الظروفِ وقساوة الزمن المحيط بنا وإلا ستنضبُ أفكارنا و تتوقف إبداعاتنا وستزداد العقد من حولنا لنجد أنفسنا بالنهاية غارقين في فوضى من صنع أيدينا بسبب عقمِ بنات أفكارنا فتتحول الغابةُ الغناءُ بداخلنا لبقعةٍ قافرةٍ جرداء تضيعُ في دروبها الإتجاهات الأربعة.   ‏    

التعليقات