ذكرى ميلاد جيروم تطرح اليوم الدولي للترجمة.. ومتى انتبه الشرق لأهميتها؟

منذ سبتمبر 1991 أي منذ 28 عام بدأ الاتحاد الدولي للمترجمين الترويج للاحتفال بـ "اليوم الدولي للترجمة"، والذي أقرته الأمم المتحدة في 30 سبتمبر من كل عام.

وقد اختارت الأمم المتحدة هذا اليوم بالأخص، ليتزامن مع ميلاد القديس جيروم، الذي قام بترجمة الكتاب المقدس من اللغة العبرية إلى اللاتينية، لذا لُقب بـ "قديس المترجمين".

ويعد اليوم الدولي للترجمة فرصة للإشادة بعمل المهنيين اللغويين، الذين يضطلعون بدور مهم في مد جسور التفاهم بين الأمم وتيسير الحوار بينها، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلم والأمن العالميين.

ولا غنى عن الترجمة في نقل الأعمال الأدبية والعلمية، بما فيها الأعمال التقنية، من لغة إلى أخرى.

وبالتالي فلا غنى عن الترجمة المهنية، بما فيها الترجمة الصحيحة المصطلحات وتفسيرها، بما يضمن الحفاظ على الوضوح وإتاحة المناخ الإيجابي وزيادة فعالية الخطاب العام الدولي والاتصال الشخصي.

فلم يقتصر احتراف الترجمة على الغرب فقط، بل قد نمت جذوره بالشرق ايضًا، فقد تنبّه العرب لأهمية الترجمة منذ العصر الجاهلي، عندما كانت تربطهم علاقات تجارية واقتصادية بالقبائل المحيطة بهم، مثل الفرس والروم والأحباش، فكانت الحاجة إلى مجال الترجمة، والتي لم تظهر بوضوح إلا في عصر العباسيين.

فقد مرت الترجمة في العصر العباسي بدورين: كان الدور الأول في عهد الخليفة العباسي "أبي جعفر المنصور"، وكان من أشهر مترجمي تلك الحقبة "يحيى بن البطريق"، "جورجيس بن جبرائيل الطبيب"، و"عبد الله بن المقفع".

 ومن أهم الكتب التي ترجمت آنذاك كتاب (الأدب الصغير)، وكتاب (الأدب الكبير)، وكلاهما من الأدب الفارسي، وكذلك (كتب المنطق) لأرسطو وغيرها.

 أما الدور الثاني فقد بدأ في عهد الخليفة المأمون، عندما أنشأ “بيت الحكمة” في بغداد الذي وضع أساسه الخليفة العباسي الخامس، هارون الرشيد، عندما جمع فيه كتباً هامة من الهند والروم والفرس وغيرها.

 وفي عهد المأمون انتعشت أحوال المترجمين ومن ثم الترجمة، فبجانب ما كان يغدقه على مترجميه من رواتب خيالية، كان يوزّع كل يوم ثلاثاء جوائز تبلغ وزن الكتاب إن استحسنه ذهبًا.

من أشهر المترجمين في تلك الحقبة "يوحنا بن البطريق"، و"الحجاج بن مطر"، "حنين بن إسحاق"، "يحيى بن عدي" ، "متّي بن يونس"، "سنان بن ثابت"، "عبد المسيح بن ناعمة الحمصي"، الذين ترجموا كتبًا عديدة في المنطق والطب والطبيعة والفلسفة والسياسة، مثل كتاب (الشفاء من الأمراض) وكتاب (القوى الطبيعية) وكلاهما لجالينوس، بالإضافة إلى كتاب (أصول الهندسة) لإقليدس وكتاب (السياسة) لأفلاطون وغيرها.

وقد كانت الترجمة في عهد المأمون تعتمد على طريقتين:  

الأولى: طريقة يوحنا بن البطريق وابن ناعمة الحمصي وغيرهما، وهي ما نسميه الآن (الترجمة الحرفية)، وهو أن ينظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية وما تدل عليه من المعنى، فيأتي الناقل بلفظة مفردة من الكلمات العربية، ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيثبتها وينتقل إلى أخرى، وهكذا حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه.

الطريقة الثانية: طريقة حنين بن إسحق والجوهري وغيرهما، وهو أن يأتي الجملة فيُحصِّل معناها في ذهنه ويعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها.

ولم تكن الترجمة على مر العصور بالعملية السهلة، فهي ليست عملية لنقل الألفاظ من لغة لأخرى، بل  انها هي الوسيط الذي يمنحنا القدرة على تحسين فهمنا لقضايا التنمية ولثقافات الشعوب الأصلية، وذلك بأفكار تتسم بقدرتها على تجاوز الحدود الثقافية والجغرافية.

وقد أجمع دارسو الترجمة وممارسوها على أن من أعظم مشاكل الترجمة هي عجز المترجم على توصيل المعنى الدقيق في النص الذي يريد نقله إلى اللغة الأخرى، وترجع هذه المشكلة إلى عدة عوامل، أهمها:

- إن كل لغة تحمل في طياتها العديد من المرادفات التي تختلف في معانيها اختلافًا طفيفًا عن بعضها البعض.

- إن كل لغة لابد وأنها تنتمي إلى ثقافة معينة، وبالتالي فإن المترجم قد ينقل الكلمة إلى لغة أخرى، ولكنه لن يستطيع أن ينقل ثقافة هذه الكلمة بشكل فعال بحيث ينقل تصور صاحب الكلمة الأصلية إلى اللغة المستهدفة في الترجمة، وقد تؤدي تلك الاختلافات اللغوية إلى إشكاليات كبيرة.

- إن كل لغة ذات طابع خاص في تشكيل الجملة وترتيب مفرداتها(قواعدها)، فاختلاف قواعد اللغات يؤدي إلى مشاكل في الترجمة كعدم وجود مقاييس واضحة لنقل التراكيب، لذا يجب على المترجم أن يتحلى بثقافة اللغة الهدف ليصل المعنى صحيحًا دقيقًا من الثقافة المصدر لعملية الترجمة. 

وقد جاء اليوم الدولي للترجمة، كومضة في كل عام لاستكشاف الصعوبات والتحديات التي تواجه عملية الترجمة في العالم، وتسليط الضوء على دور الترجمة في نقل المعرفة وبناء جسور الثقافة، ومستقبل الترجمة الصوتية والمرئية، ومهنة الترجمة وأخلاقياتها.

التعليقات