هل يشعل ترامب "حروب الأفيون" مع الصين ؟

"سنحمي مصالحنا بالقوة"، كان هذا رد فعل وزير التجارة الصيني "تشونغ شان"، علي قرار الرئيس الأمريكي ترامب، بفرض رسوم 25% علي استيراد الألمونيوم والصلب، تصريحات المسؤولين الصينين، والموقف الأمريكي، يضع قوتين عظمتين وجها لوجه.

لاسيما أن القرار يستهدف في الأساس الصين، لوقف أرباحها التجارية، بعد أن منحت الإدارة الأمريكية، بعض الأعفاءات لعدد من الدول الصديقة.

وكأن التاريخ يعيد نفسه، عندما اشتعلت حروب الأفيون، بين بريطانيا والصين، منذ قرنين تقريباً في عام 1839، بسبب منع السلطات الصينية تجارة "الأفيون"، التي كانت تتحكم فيها بريطانيا، عن طريق شركة الهند الشرقية، بعد أن تسببت التجارة في إدمان الشعب الصيني للمخدرات، ووصول عدد المدمنين 120 مليوناً.

بداية الحروب

ارتكبت بريطانيا مجازر وحشية، لفتح أبواب إمبراطورية الصين، أمام تجارتها الحرام لجني الأرباح، وتصريف منتاجاتها الصناعية، وكانت نتائجها تحويل "هونج كونج" لمستعمرة بريطانية، وإدمان معظم الشعب الصيني للمخدرات، حتي تمكن "ماو تسي تونع" الزعيم الصيني الشيوعي، من القضاء علي هذه التجارة تماماً.

كانت بريطانيا في ذلك التوقيت، دولة قوية تسيطر علي الملاحة الدولية، تطمح في المزيد من المستعمرات، للحصول علي المواد الخام، وتصريف منتاجاتها الصناعية، فطلب الملك جورج الثالث، من الامبراطور الصيني شيان لونج، توسيع العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن "شيان لونج" أجابه: "إن إمبراطورية الصين السماوية لديها ماتحتاجه من السلع.. وليست في حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة". ‏

 وكان النظام العالمي في هذه الفترة، يقوم علي مبدئين هما حرية التجارة ودبلوماسية السفن المسلحة، ولذلك لجأت بريطانيا لحيلة، للسيطرة التجارية علي الصين، ووقف نزيف خسائرها، بسبب استيرادها الشاي والحرير والبورسلين نقداً، من الصين، في حين أن الصين كانت لا تستورد شيء من إنجلترا.

‏دفعت بريطانيا بإحدي شركاتها التجارية، شركة الهند الشرقية البريطانية، لزراعة الأفيون في سهول الصين، وتصديره لداخل الإمبراطورية الصينية، لتعويض خسائرها التجارية، ودفع ثمن واردتها.

ونجحت الخطة البريطانية، فتم تصدير أول شحنة أفيون للصين عام 1781، ولاقت رواجات كبيرا لدي الشعب الصيني، الذي أدمن الأفيون، حتي أن الرجل كان يرتكب الجرائم ويبيع أثاث منزله لشراء الأفيون، فمتلأت خزائن بريطانيا من الفضة عائدات تجارتها الحرام.

دفع هذا الوضع الغريب، إلي إصدار الإمبراطور "يونج تشينج"، في عام 1829 مرسوما بتحريم استيرا المخدارت، ولكن تجار الأفيون لم يلتفتوا لذلك واستمروا في تجارتهم وجني الأرباح، علي حساب الشعب الصيني.

فشنت السلطات الصينة، حرب حرق الأفيون المضادة، ولكن هذه الحرب لم تؤتي ثمارها، بعد تحول معظم الشعب الصيني لمدمنين، يفعلون أي شيء وكل شيء للحصول علي الأفيون، فقرر الإمبراطور الصيني الذهاب لمركز تجارة الأفيون للصين، وأجبار التجار البريطانيين والأمريكيين، علي تسلم المخدرات، وأحرق ألف طن أفيون في احتفالية ضخمة.

حرب الأفيون الأولي

أمام رد فعل الصين لحماية شعبها، وجدت بريطانيا التي في قمتة قوتها العسكرية، الفرص سانحة لفرض سيطرتها علي الأمبراطورية الصينية، مستخدمين مبدأ حرية التجارة، وأعلنت الحرب علي الصين.

وفي عام 1840 أطلقت السفن البريطانيا قذائفها، علي شواطيء ومدن الصين، وتمكنت هذه القوات البريطانية، من احتلال مدينة "دينغ هاي"، في مقاطعة شين جيانج، ليقف الأسطول البريطاني علي أبواب بكين من جهة البحر، وهو ما أضطر الأمبراطور الصيني للتفاوض، وتوقيع اتفاقية "نان جنج" عام 1842.

حرب الأفيون الثانية

لم تفلح الاتفاقية في فتح أسواق الصين، بشكل مباشر أمام تجارة الأفيون الحرام، فلجأت بريطانيا وفرنسا، لاستخدام القوية من جديد، بحجة تفتيش السلطات الصينية، لسفينة تحمل العلم البريطاني واعتقال بحريها، وقتل مبشر فرنسي.

استغلت القوتين العظمتين وقتها ما حدث، وتمكنت قوتهما من دخول ميناء"جوانج شو‏"، والاتجاه نحو ميناء "تيان" القريب من بكين‏، مما جعل الامبراطور يقبل مراجعة الاتفاقات وتوقيع اتفاقية "تيان جين" في عام ‏1858 بين الصين وكل من بريطانيا وفرنسا‏ والولايات المتحدة وروسيا.

لم تمنح الاتفاقية، بالرغم من الامتيازات التي حصلت عليها الدول المنتصرة، حرية تجارة الأفيون بالكامل، فمازالت السلطات الصينة تتصدي لمحاولات التهريب، وتماطل في التصديق النهائي علي الاتفاقية.

استخدمت بريطانيا وفرنسا القوة العسكرية، وتقدمت نحو بكين في عام 1890، ووصلت إلي القصر الإمبراطوري في العاصمة، وقامت بنهبه وسلبه وحرق محتوياته.

وأضطر الإمبراطور للرضوخ لمطالبهم، والتوقيع النهائي علي اتفاقية "تيان جي"، مع فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة، ومنحت هذه الدول امتيازات، فتح الموانئ الصينية أمام تجارتهم، وحرية تجول المبشرين في الصين.

وكان من نتيجة ذلك ارتفاع عدد المدمنين في الصين، ووصلوا لأكثر من 120 مليون مدمن في سنة 1878، وانتهت حرب الأفيون بتوقيع اتفاقية بين الصين وهذه الدول، عام 1911، وتمكن الزعيم الصيني الشيوعي،  "ماو تسي تونع" من القضاء علي هذه التجارة تماما،  قبل أن تبدأ الصين نهضتها الاقتصادية وتتحول لقوي عظمي.

وبعد مرور قرنين، وتغير الوضع العالمي، يعيد التاريخ نفسه، وتهدد الصين بحماية مصالحها، لمواجهة قرارات الرئيس الأمريكي ترامب، بغلق الأسواق أمام منتاجاتها من المعادن.  

التعليقات