قال توم فليتشر السفير السابق للمملكة المتحدة في لبنان ومستشار تحالف الأعمال العالمي للتعليم ومستشار السياسات الخارجية لمكتب رئيس الوزراء البريطاني السابق إن دولة الإمارات العربية المتحدة عموماً ودبي خاصة تعتبر خير مثال للدبلوماسية الناجحة بقيادة تؤمن بأهمية التنوع وتعمل على تعزيز أواصر التعاون مع مختلف الدول بفكر واع وانفتاح على العالم وباتصال حكومي فعال في حين يبقى المجتمع في الإمارات خير نموذج على التعايش الإيجابي والتسامح لكونه يضم جاليات أكثر من 200 جنسية مختلفة تعيش في سلام وتناغم مثاليين. واستعرض فليتشر تجربته في إدارة الحملات وأدوات التعامل معها وفق معطيات وأحداث عالمية حديثة كان لها تداعيات محلية وعالمية. وأشار - خلال منتدى الدبلوماسية العامة والاتصال الذي عقد في دبي - إلى أن بعض المظاهر العالمية مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على عكس التوقعات ووصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية على عكس المؤشرات التي كانت ترد من مراكز البحوث واستطلاعات الرأي خلق نوع من أزمة ثقة بين الشعوب والحكومات وامتد الأمر لنوع من انعدام الثقة بالمؤسسات الحكومية. وحول سبل استعادة هذه الثقة قال فليتشر خلال جلسة عقدت تحت عنون " الدبلوماسية العامة وإدارة السمعة" إن التوقع الأبرز خلال القرن الحالي هو أن قياس عمل الحكومات ومدى تطورها سيقاس بكم التطورات التكنولوجية الصحيحة التي تتيحها أمام شعوبها لذا يجب على الاتصال الحكومي أن يبنى على قاعدة مشتركة جديدة تبنيها الحكومات من خلال وعيها وإدراكها لمتطلبات شعوبها وهواجسهم وتطلعاتهم فكلما أتيح للناس التعبير عن أفكارهم وآرائهم كانت مهمة الحكومات أسهل إذ يبقى على الحكومات الاقتراب أكثر من الناس وتتبنى النقاش المفتوح لبناء جسر من التواصل على قاعدة الثقة والحرص المتبادل على المصالح المشتركة. وأضاف الدبلوماسي البريطاني أن الاتصال الحكومي يعيش اليوم تشتت غير مسبوق بسبب ظهور صراعات فكرية جديدة في العالم ومن أهمها التنافس بين مفهومي "الأمن" و "الحرية" حتى أصبح العالم منقسماً إلى فريقين إذ بات هناك دول تدعم سياسة الانفتاح الإيجابي على العالم والتعاون والاتصال الدبلوماسي الحر وهو الفريق الذي يرى فيه دولة الإمارات وبريطانيا ومعهما دول أخرى وفريق آخر يطالب ببناء جدران وإغلاق الأبواب أمام الفكر الحر معرباً عن قناعته أن القرن المقبل ربما سيشهد بناء الكثير من الحواجز والجدران. وحول الاستجابة للتطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم حالياً، أضاف فليتشر " علينا أن نتمتع برؤية أكثر انفتاحاً حول المتغيرات الجديدة لنفترض أن أحداً طرح سؤال على محرك البحث " جوجل " أي الدول أكثر نفوذاً فمهما كانت الإجابة يجب أن نكون منفتحين بأن " جوجل " هو صاحب النفوذ الحقيقي بقوة البيانات والمعلومات الرقمية التي يملك تحليلها في ثواني ". وأكد أن دور الاتصال الحكومي هو تكييف الجمهور مع المتغيرات الجديدة وفهم جوهر الدبلوماسية القائمة على التعايش والانفتاح لا التقوقع والانغلاق كونه المبدأ القائم منذ عهد الإنسان الأول الذي بدأ في التواصل والانفتاح مع محيطة عبر رسم النقوش على جدران الكهوف الحجرية. وتحدث توم فليتشر حول أهم القواعد التي تكفل النجاح للحملات وقال إن النجاح في إدارة الحملات قائم على ركائز عديدة من أهمها تحفيز فكرة " الفضول " الذي يشجع على طرح المزيد من الأسئلة والبحث عن المزيد من المعلومات كسبيل لمواجهة التشويش المتعمد من قبل بعض الجهات على الدبلوماسية العامة وهو ذات التشويش الذي يمارسه المتطرفون على الحوار والتعايش الذي يتحلى به الآخرين. وشدد المتحدث على أهمية الانحياز للحقيقة واعتماد الدقة وأن نلتزم أكثر بالشفافية والمصداقية قائلا " نظل نجد بعض الحكومات تعتمد لغة موحدة ومحايدة عند تواصلها مع الناس على اختلاف أهوائهم وتطلعاتهم والهواجس التي تعتريهم في حين يتعين علي الحكومات اليوم مع كل أدوات الاتصال المتاحة أن توجه رسائل محددة وبلغة واضحة للتواصل مع كل شريحة من المجتمع بما يناسبها ". وأضاف توم فليتشر إن مستقبل الاتصال الحكومي ونجاح الدبلوماسية العامة يقوم بالدرجة الأولى على مدى إرادة الحكومات في اعتماد الحوار المتبادل مع الناس وانفتاحها على الاتصال الرقمي والتطور التكنولوجي وضرب مثال بالولايات المتحدة الأمريكية. وقال إن عليها التعايش مع حقيقة أنها ستفقد 45 في المائة من الوظائف بسبب التقدم الرقمي والروبوتات والذكاء الاصطناعي لذا على الحكومات أن تصغي أكثر وتتحقق من المعلومات المتداولة قبل صياغة رسائلها إلى الجمهور وذلك من أجل أن تحتفظ بثقة الناس وبمصداقيتها أمامهم كما أنه على الحكومات حول العالم أن تعبر عن مصداقيتها من خلال الانفتاح على الدبلوماسية وأدوات الاتصال المختلفة. يشار إلى أن توم فليتشر شغل منصب سفير المملكة المتحدة لدى لبنان (2011-2015)، ومستشار السياسات الخارجية لمكتب رئيس الوزراء البريطاني (2007 -2011) وهو صاحب أكثر الكتب مبيعاً وهو كتاب "الدبلوماسية المجردة: السلطة والحنكة السياسية في عصر الرقمية" والمنشور في يونيو 2016.
التعليقات