من "ساركوزى" إلى "ماكرون" ..كيف أصبح معرض باريس الزراعى فرصة سنويّة لـ"إهانة" الرئيس من المزارعين؟

اكتسب معرض باريس الزراعي الدولي في السنوات الأخيرة أهمية خاصة يمكن وصفها بـ "السياسية"، وذلك في ظل المشكلات الهيكلية التي تواجه الزراعة الفرنسية والأضرار الكبيرة التي تلحق بالمزارعين في ظل أزمة اقتصادية أوروبية خانقة.

ولا تخلو نسخة حديثة من المعرض من انتقادات حادة للسياسات الحكومية ومن مشاحنات مباشرة، وجهاً لوجه في أحيان كثيرة، مع رؤساء الجمهورية الذين يقومون بزيارة تقليدية للمعرض السنوي شأنهم في ذلك شأن غالبية سياسيي فرنسا الذين ترسخت عندهم قناعة مفادها أن زيارة هذا المعرض أمر لا مفر منه، وفقا لمونت كارلو. 

بالإضافة إلى الصورة المعتادة مع البقرة وشطيرة اللحم والجبن وكأس النبيذ، يضاف إلى طقوس المعرض الدولي واحد بات يتكرر سنوياً خلال زيارة الرئيس عبر مواجهة المزارعين الغاضبين الذين يلتقون مباشرة وأمام كاميرات التلفزيون مع من يعتبرونه مسؤولاً عن أوضاعهم المزرية.

وحده فرانسوا ميتران لم يتعرض لحفلات غضب مشابهة لأنه رفض طوال فترتيه الرئاسيتين المشاركة في هذه الاحتفالية.

أما جاك شيراك الرئيس الأسبق فقد استطاع أن يحظى بشعبية لا نظير لها بين رؤساء الدولة الحريصين على زيارة المعرض الزراعي الدولي الباريسي.

وكان يشعر فعلا بالطمأنينة وهو يتحدث إليهم في أروقة المعرض ويشرب البيرة معهم ويأكل كل ما كان يقدمونه إليه، بل إن البرامج الإذاعية والتلفزيونية الساخرة من السياسيين كانت ولا تزال تقدمه إلى المستمعين والمشاهدين وهو يصافح البقر والغنم والحمير.

ساركوزي

العبارة الأكثر قسوة التي وجهها رئيس جمهورية إلى المزارعين المنتفضين كانت خلال زيارة نيكولا ساركوزي لمعرض عام 2008. قيل وقتها إن الرئيس تعمّد الوصول قبل ساعة من موعده المحدد مسبقاً وذلك لتجنب ثورة المنتجين الساخطين على السياسات الزراعية الحكومية. لم تنجح تلك الاستراتيجية، وتحولت الأماكن التي كان ساركوزي يتنقل بينها إلى ما يشبه ساحات معارك مع قوات الأمن، وانتهى به الأمر إلى أن "أهان" بعبارة، دخلت اليوم إلى ذاكرة المعرض، أحد المزارعين بالقول: "اغرب عن وجهي أيها الغبي الصغير!"، الأمر الذي أثار ردود أفعال متناقضة بين من جرّم مهاجمي الرئيس ومن دافع عن حقهم في التعبير عن غضبهم. الملاحظ أن ساركوزي كان تفوه بهذه العبارة بعد أن مد يده لمصافحة المزارع فسحب هذا الأخير يده قائلا لرئيس الدولة الأسبق: "لا تمس يدي أنت توسخها".

أولاند

كانت المعارض التي يفتتحها فرانسوا أولاند تمر بسلام عموماً، وذلك، كما تقول الصحافة الفرنسية، على الرغم من العلاقة "غير الطيبة" التي تربط الرؤساء الاشتراكيين بالحدث الزراعي الأبرز. ويعود الأمر في جزء منه إلى الأمل الذي كان يحيط بتجربة هولاند الرئاسية في البداية وإلى خفة دم الرئيس وحس الفكاهة الذي يتمتع به. انتهى كل ذلك عام 2016. وقتها زار أولاند المعرض وسط حراسة أمنية مشددة وتعرض إلى التصفير والصراخ في أكثر من مكان بينما كان الغاضبون يطالبونه علناً بالاستقالة. وحاول هولاند احتواء المزارعين والنقاش معهم غير أن أصواتهم كانت تعلو صوته في وقت كان من الواضح أنه لا يملك إجابات شافية عن المعضلات التي تحيق بأشغالهم. بعد ساعة من وصوله، كسر الغاضبون أحد فضاءات العرض التابعة لوزارة الزراعة.

ماكرون

يتعامل الرئيس "الشاب" بأسلوب أكثر حذراً مع المسألة الزراعية في بلاده دون أن يكون واضحاً في ما إذا كان بدوره يملك حلولاً لمشكلاتها. ورغم أنه وصل إلى معرض 2018 في وقت مبكر جداً من يوم الافتتاح، إلا أنه ووجه فوراً من قبل مجموعة من المزارعين الشباب الذين ارتدوا قمصان كتب عليها "حذار! هنا يقف المزارعون الغاضبون" كما تعالت الصيحات والصفير. وما كان من ماكرون الذي يقدم نفسه دائماً بوصفه رئيساً نشطاً ومتفهماً، إلا أن توجه إلى المصفرين والصارخين الذي كانوا يحتجون على قرار يتعلق بوقف استخدام مبيد "غليفوسات" على المدى المتوسط والذي يُستخدم للتخلص من الأعشاب الطفيلية والجدل الحالي حول اللحوم المعالجة بالهرمونات التي يجيزها اتفاق التجارة الحرة الذي بدأ التفاوض بشأنه حاليا بين الاتحاد الأوروبي ودول أمريكا الجنوبية. قال الرئيس لأحد الغاضبين: "أنا أعاتبك لأنني لا أحب أن يصفر الناس وراء ظهري. والآن جئتلرؤيتكم وتوضيح الأمور" ووعد بأن مشاكل الجميع ستحل.

التعليقات