يهود ضد إسرائيل.. 83 عامًا وصداع حركة "ناطوري كارتا" ضد الصهونية لا يزال قائمًا

رغم انخراط عدد من الحركات والجماعات اليهودية الأكثر تشددًا في تأييد الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، لعقود طويلة، إلا أن بعضًا آخر منها أبقت على عدائها لإسرائيل منذ الهجرة لأرض المقدسات قبل قرن من الزمان.

ولا يزال قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإعلانه القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، يواجه تنديدات دولية وعاصفة كبيرة من الانتقادات، ولعل مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس الذي ضم بين جناحيه 86 دولة اجتمعت اليوم الأربعاء، برعاية قبلة المسلمين الأزهر الشريف، واحتضنته القاهرة، خير شاهد على أن نار الغضب لا تزال مشتعلة؟

دحض مزاعم "ترامب" بُعيد إعلانه الذي لا يقل شؤمًا عن وعد بلفور، تطلب اصطفافًا دوليًا، فيما نجح الأزهر الشريف والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في تحقيق هذا المآل بأن دفع بالعالم مسلمين ومسيحيين ويهود، ليصطفوا من جديد ويرفعوا راية العصيان في وجه محتل غاصب، جثم على صدورنا لأعوام وعقود، يقتل الأطفال ويُشرٍد الشباب ويسجن النساء ولا يرأف بالشيوخ.

خلال هذه الأجواء المشحونة ودعوات الاصطفاف الدولي، وفي أثناء النقاشات الدائرة بمؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، جاءت كلمة الحاخام اليهودى مير هيرش زعيم حركة ناطورى كارتا اليهودية لتكسر عظام العرب والأمم المتحدة والداعمين لإسرائيل، على حد سواء.

فالحاخام اليهودي أفرد مساحة واسعة من حديثه، لتسليط الضوء على زيف شرعية الوجود الصهيوني على أرض فلسطين مذ قبيل الهجرة الصهيونية المكثفة قبل عشرينيات القرن الماضي، والتي رأى أنها هدفت إلى سلب الحكم من الفلسطينيين.

وعلق على الصمت العربي بدبلوماسية معهودة عنه، بالقول: " وحتى حينها لم يجد العرب ضرورة لتنظيم حركات قومية عسكرية ضد اليهود، الذين لم يجدوا كذلك في اليهود الذين قدموا في الهجرات السابقة خطرًا أو متسلطين، وإنما يهود قدموا ليعيشوا معهم في سلام وأمان تحت السلطان الإسلامي".

بينما أطاح زعيم حركة ناطوري كارتا اليهودية، بمزاعم الأمم المتحدة المساندة للتواجد الصهيوني على أرض فلسطين، وقال إن الدين اليهودي حرم أن يكون لنا حكم في الأرض قائلًا: قسماً بالله قد حُرِم بصورة كبيرة على اليهود إقامة أي حكم سواء في فلسطين أو في أي مكان آخر بالعالم، حتى لو منحتهم الأمم المتحدة تفويضًا بذلك.

وتعد حركة ناطوري كارتا هي أكبر الجماعات اليهودية التي تبقى على عداوتها للكيان الصهيوني منذ نشأتها قبل نحو  83 عامًا، منذا العام 1935، وبالرغم من أنه قبيل هذا التاريخ كان هنالك يهود أشد ضراوة في عداوتها لإسرائيل من العرب أنفسهم، لكن الحركة ظهرت بشكل مؤسس وتنظيمي منذ ذلك التاريخ.

هذا التاريخ 1935 يراه الإسرائيليون مشؤمًا لأنه أظهر فئة يرونها أشد خطرًا عليهم من أصحاب القضية الأصليين، لا سيما وأن هذه الجماعة تحاول بين الفينة والأخرى أن تستقطب عددًا من اليهود المؤيدين لوجهات النظر التي تطرحها الجماعة اليهودية .

تنظر "ناطوري كارتا" لإسرائيل باعتبارها مشروعًا صهيونيًا بعيدًا عن تعاليم الديانة اليهودية، ودولة غير مشروعة، لأنها جاءت بمشروع استيطاني محتل استخدم شعارات دينية زائفة لإقناع الفئات الدنيا لتدعيمهم منذ الهجرات المكثفة بعد وعد بلفور 1917.

في أعراف "ناطوري كارتا" التي تعني بالعربية "حراس المدينة"، فإن الصهيونية هي رأس الشيطان والمؤامرة الشيطانية الكبرى ضد اليهودية في حد ذاتها، وتنكس الحركة أعلامها سنويًا في ذكرى إقامة دولة إسرائيل.

وفي العام 1948 أرسلت جماعة ناطوري كارتا رسالة احتجاج إلى الأمم المتحدة يرفضون خلالها قيام دولة إسرائيل أو الاعتراف بها، وتتواجد الجماعة اليهودية ببروكلين في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، وهو المقر الرسمي لها، كما توجد لديهم تجمعات رئيسية أخرى داعمة للجماعة في تل أبيب والقدس وبريطانيا وأستراليا وعدة دول أخرى.

تفيد بعض التقديرات إلى أن جماعة ناطوري كارتا يبلغ عددها نحو 5 آلاف عضو منتسب للجماعة، لكن هناك الآلاف من يدعمون فكرها بشكل كبير، ورغم صغر أعدادهم إلا أنها تمثل صداعًا في رأس الصهاينة الإسرائيليين، لا سيما في ظل وجود تجمعات لهم في أوروبا وأمريكا.

مخاوف إسرائيل من تلك الجماعة تحديدًا تتلخص في أن ناطوري كارتا بدأت مؤخرًا تتخذ عدة إجراءات لدعم القضية الفلسطينية لعل أبرزه خروج أعضائها في عدة مسيرات احتجاجية في أمريكا وبعض من دول أوروبا وهو ما يعزز حشد الرأي العام الغربي ضد إسرائيل.

ورغم أن العام 1919 حمل اتفاقين أسهما في التدفقات الصهيونية للأراضي الفلسطينية وعززا من الإسراع بوتيرة إنشاء وطن قومي لهم على أرض فلسطين، أحد تلك الاتفاقات عربية اتفاق "فيصل - وايزمان"، و"مؤتمر باريس" الذي أعاد النظر في طبوغرافيا أرض فلسطين ووضع مفردات جيوسياسية جديدة.

في تلك الفترة شهدت معارضة شرسة تجاه ما يحدث من قبل عدد من اليهود الأصليين بالقدس وقاموا بعدة تظاهرات رفضًا لتلك التحركات والمتغيرات حديثة العهد.    يقول الحاخام ديفيد وايس، الناطق الرسمي باسم حركة ناطورى كارتا، في تصريحات متلفزة: تعلمت في الخليل وكنت أعيش بسلام مع العرب وكان أطفالي يسيرون في الشوارع بكل سلام، ثم جاء الصهيونيون وبدأوا التحريض ضد العرب، ودعوهم لأن يشكلوا دولة خاصة بهم، للأسف أنهم صدقوهم وللأسف العرب لم يميزوا بين اليهود الحقيقيين وبين الصهيونيين، وهكذا حصلت مذبحة الخليل، ولكنها بسبب الصهيونية، هذا الموت والألم كله بسبب الصهيونية، الصهيونية لو توقفت فلن يكون هناك دم، سوف نعيش بسلام

مؤخرًا، كانت هناك واقعة ألهبت الإسرائيليين ولفتت انتباه العديد من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، وذلك بعد قيام نجل رئيس طائفة ناطوري كارتا برفع علم فلسطين في أثناء حفل زفافه، وحاول أحد اليهود المتشددين من فئة "الحريديم"، حاول إنزال علم فلسطين، لكن محاولته باءت بالفشل بعد أن انقض عليه معظم المدعوين وخلصوا العلم من بين يديه، ورفعوه من جديد متراقصين فرحين.

معارضتهم لدولة إسرائيل والصهيونية استمرت تحت قيادة حاخامهم أمرام بلو، وتصل حدة المعارضة إلى درجة رفضهم دفع الضرائب لإسرائيل لأنهم لا يعترفون بها، بل وصل الأمر بهذه الطائفة إلى أنهم لا يقبلون لمس أي عملة ورقية أو نقدية تحمل صور وشعارات للصهيونية، ولا يقترب  من حائط البراق الذي يعتقدوا بأنه تم تدنيسه من قبل الصهاينة ومصالحهم.

واشترك عضوان من هذه الطائفة بالصلاة على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في باريس، كما اشترك الحاخام موشيه هيرش في جنازة الرئيس ياسر عرفات والذي كان يراه الرئيس الشرعي لفلسطين.

وسط هذه الأجواء الملتهبة، وفي ظل هذا التوهج الدولي والتحركات العالمية تجاه القضية الفلسطينية، أضحى على العرب التمسك بحقوقهم وحشد طاقاتهم لأخذ مواقف حاسمة، لوضع حد للانتهاكات الأمريكية الصهيونية بأرض المقدسات التاريخية.

التعليقات