فرقتهم السياسة ووحدهم الاقتصاد.. "الإصلاح الضريبي" يجمع عجوز البيت الأبيض وفتى الإليزيه

في الوقت الذي فشلت فيه السياسية من تقريب وجهات النظر بين عجوز البيت الأبيض وفتى الإليزيه، فإن الاقتصاد أثبت تطابق الفكر المالي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون .

وفيما اختلف الرئيسان طويلا حول قضايا التغير المناخي، والبرنامج النووي الإيراني، وما اختلافها حول قضية "القدس المحتلة" عنا ببعيد، لكن سياستهم الاقتصادية قد التقت أخيرا فيما يخص قانون "الإصلاح الضريبي".

كلا الرئيسان أبحرا طويلا في عالم المال والأعمال، فالأمريكي العجوز صاحب العقارات والمليارات دائما ما يجيد "فن الصفقات" كما هو عنوان كتابه الشهير، أما الفرنسي الشاب بدأ حياته مصرفيًا قبل أن يتنقل بين وزارات الصناعة والاقتصاد الرقمي.

الحياة الباذخة التي يعيشها ترامب في منتجعه وبرجه الذهبي الفخم بالجادة الخامسة بنيويورك طالما جعلت الأمريكيون يشعرون بأن الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة سيكون رئيسا للأغنياء فقط، أما ماكرون الذي احتفى قبل 10 أيام بعيد ميلاده الأربعين بأحد أفخم القصور الملكية بمنطقة اللوار، ما جعله عرضة للانتقاد من مواطنيه ، الذين اعتبروه "رئيسا غنيًا" يدعو الفرنسيين للتضحية والتقشف فيما ينعم هو وزوجته بحياة الثراء، ما دعا المتحدث باسم الإليزيه أن يظهر ليؤكد أن الرئيس قد سدد كافة التكاليف من أمواله الخاصة .

واختار ترامب وماكرون تعديل قوانين "الإصلاح الضريبي" لتشكيل نواة جديدة لإعادة هيكلة اقتصاد البلدين المثقل بالأزمات، ورغم أنهما اعتبرا تلك التعديلات بمثابة "هدايا للفقراء" إلا أن الأغلبية من المجتمع الأمريكي والفرنسي يرى فيهما انحيازا للأغنياء، وشرارة قد تطيح بتوازن نسيج الطبقات الاجتماعية في البلدين .

ففي الولايات المتحدة يرى ترامب الذي حازت تعديلاته على قوانين "الإصلاح الضريبي" ثقة مجلسي الشيوخ والنواب، أنه حقق إنجازاً تاريخياً يحفّز النمو ويخلق فرص عمل، وذلك عن طريق خفض الضرائب الفدرالية على الشركات والدخل اعتبارا من2018 ، ما يكلف المالية العامة1500 مليار دولار في العقد المقبل، ما سيرفع من قيمة النمو بمقدار الضعف إلى أكثر من3  بالمئة، وهو ما سيحقق عائدات ضريبية جديدة، لكن الديمقراطيين يعتبرونه "سطواً" يأخذ من الطبقة الوسطى لمصلحة الأثرياء والشركات الكبرى.

وبهذا النجاح في تمرير التعديلات على القوانين يرى ترامب أنه رد الصفعة التي تلقاها حين فشل في إلغاء نظام الرعاية الصحية الذي وضعها سلفه الديمقراطي باراك أوباما .

وإلى الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي، في فرنسا، وبالرغم من اتهامات الترف التي طالت ماكرون وأفراد حكومته، والاحتجاجات التي خرجت رافضة لتعديل قوانين الإصلاح  العمل والإصلاح الضريبي، فإن الرئيس الفرنسي قال إن القوانين الجديدة ستسهم في إعادة هيكلة اقتصاد البلاد، حيث ألغى قانون الميزانية لعام 2018 ضريبة الثروة، تاركا الضرائب العقارية فقط كما هي، وسيتم تخفيض الضريبة التجارية في السنوات المقبلة، وستخضع أرباح رأس المال لمعدل ضريبي واحد، بدلاً من المعدلات التي ترتفع بناء على مستوى دخل رأس المال.

وتهدف مشاريع القوانين التي مررها البرلمان أخيراً إلى تشجيع الاستثمارات وتحفيز الاقتصاد الفرنسي، إلا أن منتقدين للإجراءات من تيار اليسار هاجموها باعتبارها "هدية للأغنياء" ببساطة بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

ومن المقرر ألا تخرج فرنسا في ميزانية عام 2018 عن حدود نسبة العجز في الاتحاد الأوروبي، وهو ما فعلته في عام 2017 لأول مرة منذ سنوات.

وبهذا يكون الاقتصاد قد نجح فيما فشلت فيه السياسة من أن ترسيه بين رجلين فرقتهم الميول السياسية والقضايا الإقليمية والدولية في هذا العالم الشاسع .

التعليقات