لم تتوقف توابع إعلان رئيس وزراء لبنان سعد الحريري استقالته على المشهد السياسي في بلاد الأرز، لكنها امتدت لتلقي بظلال كثيفة على مشهد الحريات العامة وحرية التعبير في بلد يُعتبر هو الأكثر انفتاحا بين نظرائه العرب، وفي بلد اشتهر تاريخيا بتنوعه السياسي والديني والمذهبي، لكن لبنان يبدو الآن بلدا يضيق صدره بالكلمات التي كانت تعبر وتمر لكنها في ظل الأزمة الحالية أصبحت تقف وتتسمر أمام غُرف التحقيق بالاستدعاء من السلطات أو بالاستعداء من المخالفين في الرأي.
و تشهد الأوساط السياسية والإعلامية داخل لبنان ضجة جديدة عنوانها "حرية الإعلام من التجاذبات السياسية"، في البلد التي لازالت توابع استقالة رئيس حكومته سعد الحريري المفاجئة تتصاعد داخليا وخارجيا، وتهز استقراره وأمنه.
فبعد مرور أكثر من أسبوع على حلقة "كلام الناس" على قناة "إل بي سي" للإعلامي مارسيل غانم، التي تطرقت لاستقالة الحريري، واستضاف خلالها ضيوفا من السعودية وإيران وواشنطن، أعلن "غانم" في رسالة وجهها إلى الرأي العام عبر برنامجه مساء أمس على شاشة القناة أنه طلب إلى التحقيق أمام القضاء.
وقال في رسالته: "أنا لست مطلوبا وتاريخي معروف. كان المطلوب إحضاري وإخضاعي وتوقيعي لعدم التعرّض لرئيس الجمهورية، وأنا لم أفعل قط ولن أفعل".
وجاءت رسالة غانم، بعدما اعتبر المكتب الإعلامي لوزير العدل سليم جريصاتي، في بيان له أن "مقدمة برنامج كلام الناس" أثبتت بصورة قاطعة ما أصبح متداولا ومعروفًا من الناس بأن الهستيريا أصبحت متحكمة بمفاصل بعض البرامج السياسية، وأن لا أحدا في لبنان اليوم فوق القانون ولا حصانة من أي نوع كانت لمن هو مدعو للإفادة أمام المراجع الأمنية والقضائية المختصة".
وقال إن "حلقة مارسيل غانم لأسبوع خلا أصبحت بيد القضاء والقضاء وحده، وفي محرابه وحده، وبإشراف القضاة الشرفاء وأمامهم، تتم المطالعات وتتحدد المسؤوليات".
ولم تتوقف أصداء حلقة مارسيل غانم، حيث تقدم الصحفي السعودي عضوان الأحمري، بالشكر على استضافته في البرنامج، قائلا عبر "تويتر": "شكرا للمذيع مارسيل غانم على دفاعه وكلماته في برنامجه كلام الناس، وتعليقه على الدعوى المضحكة التي رفعها وزير العدل اللبناني ضدي وضد الزميل إبراهيم آل مرعي".
وقال إبراهيم آل مرعي :"أضم صوتي إلى صوتك أخي عضوان وأقدم الشكر للإعلامي الكبير الذي أدار اللقاء باحترافية عالية، واحترم الرأي والرأي الآخر".
وكان آل مرعي قد أعتبر خلال الحلقة أن "لبنان أعلن الحرب على المملكة بتواطئه مع حزب الله، وأن المسؤولين اللبنانيين لم يتحملوا مسؤولياتهم وانجروا إلى الوحل الذي أراده حزب الله".
تداعيات إحالة الإعلامي اللبناني للتحقيق أمام القضاء، دفعت وزراء في الحكومة الحالية وأخرى سياسية ونيابية إلى إعلان تضامنها الواسع معه، بحسب ما رصده "بيزنس".
وغرد نهاد المشنوق وزير الداخلية اللبناني منذ قليل: "يبقى مارسيل غانم من أعمدة الحرية والإعلام في لبنان"، داعيا :" الصديق وزير العدل أن يتعالى عن الجانب الشخصيّ وأن يبقى حيثُ هو دائما مع الحرية".
ومن جهته، قال وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة، في بيان وزعه مكتبه الاعلامي عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك" :"لا ينفي واقع تقديري للزملاء الوزراء وللقضاة المعنيين، تضامني الكامل، وزيرا ونائبا وصحافيا، مع الزميل مرسيل غانم في سياق معركة الحريات التي آلينا منذ عقود على أنفسنا وعلى ضمائرنا ووجداننا، خوضها وحفظ موجباتها".
وتساءل باستنكار النائب والوزير السابق بطرس حرب: "هل عدنا إلى أنظمة قمع الحريات الشخصية والإعلامية؟ لماذا يلاحق صحافي بمستوى مرسيل غانم بسبب قول لضيف برنامجه على الهواء؟"
وأكد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق نجيب ميقاتي أن "حرية الإعلام ركيزة أساسية من ركائز هذا الوطن يجب الحفاظ عليها ومنع العودة الى تجارب سابقة خلقت توترات أثبتت عدم جدواها"، مضيفا "فلنترك للناس حرية التعبير عما تريد باحترام ولا نأخذ الصحفيين والإعلاميين بجريرة التجاذبات السياسية، ولتكن الحرية المسؤولة شعار المرحلة لحماية لبنان"
من جهته، كتب رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط عبر "تويتر" : إن "حرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام فوق كل اعتبار "، معتبرا أن "ما يجري بحق قناة (أل بي سي) والإعلامي الصديق مارسيل غانم مرفوض ومدان"، مشددا على :"لا للقوى الظلامية".
أما رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، فقال "من عمل لحماية حرية رئيس حكومتنا لا ننتظر منه إلا حماية حرية الإعلام".
وبالرغم من تأكيد الرئيس سعد الحريري أنه سيعود إلى لبنان متى إطمأن إلى ترتيبات أمنية تضمن سلامته، لكن المؤكد أن وقتا ليس بقصير سيمر على بلاد الأرز قبل أن يهدأ الاستقطاب السياسي الذي يضرب بجذوره في العموم وفي التفاصيل، والذي أطل من نافذة الحريات غير مكترث بميراث لبنان العريق في احتضان التنوع.
التعليقات