الوفاة الغامضة لياسر عرفات.. الملف المفتوح بعد 13 عامًا من رحيل مُفجر الثورة الفلسطينية

"يريدونني إما قتيلا وإما أسيرا وإما طريدا ولكن أقول لهم شهيدًا، شهيدًا، شهيدًا"... بهذه العبارة سطر الشهيد الزعيم ياسر عرفات "أبو عمّار" منهاجًا للقضية الفلسطينية، ودربًا للمقاومة ضد حصار الاحتلال الإسرائيلي.

"هذا الشعب شعب الجبارين لا يعرف الركوع إلا لله تعالى".. هكذا وصف "أبوعمار" شعب فلسطين ليثير بداخلهم الإحساس بالعزة والكرامة في مواجهة الكيان الإسرائيلي المحتل لأرضهم.

تحل الذكرى الثالثة عشر لاستشهاد الزعيم "عرفات" اليوم الموافق الحادي عشر من شهر نوفمبر للعام 2017 لتذكرنا بالإهانة والخنوع الذي أصاب الشعب الفلسطيني بعد أن اغتالت يد الغدر "أبو عمار" الذي أصبح حادث وفاته لغزًا غامضًا لم تستطع القوى الفلسطينية إيجاد حلاً له حتى وقتنا هذا.

محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني و كنيته "أبو عمار" .. رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب في عام 1996، ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969، ويعد قائد "فتح" أكبر الحركات داخل المنظمة.

كان مبدأه في الحياة شاهدًا على تاريخه وهو "أرض العروبة وحدة لا تتجزأ" حيث حمل هموم الأمة العربية على عاتقه ليدافع عنها في كافة المحافل وجعل من القضية الفلسطينية رمزًا عالميا للنضال وتحقيق العدالة.

اسمه محمد عبد الرحمن، وهو اسم مركب واسم أبيه هو عبد الرؤوف واسم جده عرفات واسم عائلته القدوة من عشيرة الحسيني وهو واحد من سبعة إخوة ولدوا لتاجر فلسطيني من مدينة القدس، حيث ولد عرفات في 4 أغسطس 1929 .

عاش حياته مناضًلا، واختار اسمه نسبة لاسم الصحابي الجليل عمار بن ياسر، واتخذ من كوفيته رمزًا يرتديه المدافعون عن العدالة، حيث تلقى التدريب العسكري في "جيش الجهاد المقدس" بعد التحاقه بقوات الثورة في العام 1948، وأسندت إليه مهمة الإمداد والتزويد بالأسلحة سراً من مصر وتهريبها عبر رفح للثوار في فلسطين.

لم تمنعه مسيرته في الكفاح والدفاع عن أرضه من التعلم حيث تفوق الطالب ياسر عرفات في كلية الهندسة جامعة الملك فؤاد بمصر - جامعة القاهرة الأن، وتخرج منها مهندساً مدنياً، وكطالب، انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين واتحاد الطلاب الفلسطيني، حيث كان رئيساً له من عام 1952 إلى عام 1956.

"لا تنس فلسطين".. رسالة من ثلاث كلمات أرسلها "أبوعمار" للواء محمد نجيب أول رئيس لمصر في عام 1953 عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952 ، حيث كان يؤمن بأن قتال وهزيمة الاستعمار في موقع جغرافي هو إيقاع هزيمة بالاستعمار عامة.

بعد تخرجه من "الهندسة" التحق ياسر عرفات بالكلية الحربية المصرية، وأصبح ضابطاً في "سلاح الهندسة"، وشارك مقاتلًا في رد العدوان الثلاثي (الإنجليزي – الفرنسي – الإسرائيلي ) عام 1956، في بور سعيد.

تعرف على خليل الوزير المعروف بـ "أبو جهاد"، وتم تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في  1957 ، لتكون نواة التنظيم الصلبة في مواجهة الاحتلال.

"فتح"

في عام 1958 بدأ أبوعمار بوضع اللبنات الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، حيث شكل الخلية الأولى التي تبنت الكفاح المسلح طريقا لتحرير فلسطين، ونفذت أولى عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي بنسف محطة مائية.

بدأت العمليات المسلحة في عام 1965 لحركة فتح، حيث تمت محاولة تفجير نفق عيلبون وبعد ذلك سرعان ما اندلعت حرب 1967 التي كان لنتائجها تأثير كبير على الثورة الفلسطينية بعد الهزيمة المُرة التي أدت في المحصلة إلى احتلال إسرائيل لرقعة واسعة من الأراضي العربية.

"لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي" كانت مقولة "أبو عمار" الشهيرة في 13/11/1974م، حين ألقى كلمة هي الأولى من نوعها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنحت وقتها منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأمم المتحدة .

أوسلو

وفي إطار اتفاقيات أوسلو تم إقامة سلطة وطنية فلسطينية، مرحلية مؤقتة، لحين البدء في مفاوضات الحل النهائي، والوصول لحل الدولة الفلسطينية على أراضي عام 1967، وفي 1994 عاد ياسر عرفات، مع أفراد القيادة الفلسطينية إلى الأراضي التي أعلنت عليها السطة، وهي (أجزاء من الضفة وقطاع غزة)، وقد التزم عرفات خلال ذلك، بإيقاف الأعمال المسلحة ضد إسرائيل ونبذ الإرهاب.

فاز "عرفات" واسحق رابين وشمعون بيرس بجائزة نوبل للسلام بعد اتفاقيات أوسلو، والهدوء النسبي الذي ساد، ولم يلبث عرفات، أن انتخب رسميا كرئيس فلسطيني للسلطة الفلسطينية، في انتخابات كانت مراقبة من قبل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر حيث فاز عرفات بنسبة 88% من الأصوات.

خيب ظن الأمريكيين في شهر يوليو من عام 2000 حيث التقى ياسر عرفات، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود براك في كامب ديفد، تحت غطاء وإشراف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وفي ذلك اللقاء، كان لدى الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي طموح يرتقي في سقفه إلى توقيع اتفاقية حل نهائي، ينهي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن عرفات رفض التوقيع على الحل المطروح، الذي اعتبره منقوصا، ولا يلبي من وجهة نظره السقف الذي يطمح له الفلسطينيين وهو أراضي عام 1967 بما فيها، القدس الشرقية.

 شعبية عرفات تدنت أثناء رئاسته للسلطة حيث وجهت للسلطة وبعض أقطابها انتقادات تتعلق بالفساد في إدارة شؤون الفلسطينيين، وفي المقابل حركة حماس التي عارضت اتفاقية أوسلو بدأت شعبيتها في تلك الفترة في الصعود خصوصا في قطاع غزة.

بعد مباحثات كامب ديفيد وطابا بدأت الدوائر الأمريكية وأوساط من الحكومة الإسرائيلية وبعض السياسيين الإسرائيليين بالقول أن ياسر عرفات لم يعد يعتد به بمعنى عدم جدوى التفاوض معه.

في هذه الأجواء قامت إسرائيل بمنعه من مغادرة رام الله لذلك لم يحضر عرفات مؤتمر القمة العربية في بيروت في 26 مارس 2002 خشية ألا يسمح له بالعودة إذا غادر الأراضي الفلسطينية وفي 29 مارس من نفس السنة حاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره في المقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية.

"على طريق النهاية"

ظهرت أولى علامات التدهور الصحي لـ "عرفات" في الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 حيث أصيب كما أعلن أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وفي نهاية أكتوبر 2004، تدهورت صحته سريعًا وقامت على إثر ذلك طائرة مروحية بنقله إلى الأردن ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004.

وظهر الرئيس العليل على شاشة التلفاز مصحوباً بطاقم طبي وقد بدت عليه معالم الوهن مما ألم به، وفي تطور مفاجئ، أخذت وكالات الأنباء الغربية تتداول نبأ موت عرفات في فرنسا.

تم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر 2004، ودفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبه عرفات قبل وفاته.

"اللغز"

تضاربت الأقوال كثيرا في وفاة ياسر عرفات، إذ يعتقد بعض الفلسطينيين والعرب بأن وفاته كانت نتيجة لعملية اغتيال بالتسميم، أو بإدخال مادة مجهولة إلى جسمه، حيث قال طبيبه الخاص الدكتور أشرف الكردي إن وفاة عرفات نتجت عن تسميمه، وطالب بتشريح الجثة.

واعتبر أن الأعراض التي ظهرت على عرفات أثناء مرضه ربما تكون ناتجة عن الإصابة بنوع من السم الطويل الأجل.

وعن حياته الشخصية، تزوج "عرفات" حين ظهرت عليه علامات الكبر في السن حيث أطلق عليه الفلسطينيين لقب "الختيار"، وعلى مدى سنوات طويلة رفض عرفات الزواج بدعوى تكريس وقته للثورة الفلسطينية وهمومها، لدرجة أنه قيل عنه انه كان ينام بجواربه، وعلى الرغم من ذلك، فاجأ عرفات الكثيرين، وتزوج عام 1990 بسكرتيرة مكتبه السيدة سها الطويل، وهي سيدة مسيحية من آل الطويل الثرية. عندما تزوج عرفات، كان يبلغ من العمر61 عاما، بينما كانت سها في 27 من عمرها، وكان ثمرة هذا الزواج، أن ولدت لهما بنت أسماها عرفات "زهوة"، على اسم أمه.

وتجدر الإشارة إلى أن زوجة الرئيس الفلسطيني السيدة سها الطويل هي المخولة الوحيدة بحسب القانون الفرنسي بالإفصاح عن المعلومات الطبية التي وردتها من مستشفى بيرسي والأطباء الفرنسيين، وهي لا زالت ترفض إعطاء أية معلومات لأيَّة جهة حول هذا الموضوع.

التعليقات