تمثل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي المرتقبة غداً الاثنين، لفرنسا دفعة جديدة في العلاقات الثنائية، وتعكس الحرص المشترك على دعم وتعزيز الشراكة بين البلدين والتشاور بشأن أزمات الشرق الأوسط، وخاصة مكافحة الارهاب والأوضاع في ليبيا والعراق وسوريا واليمن وسبل استئناف عملية السلام، خاصة بعد اتمام المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية، بالإضافة إلى الأزمة بين قطر والدول الداعية لمكافحة الارهاب، وعلى رأسها مصر.
و يلتقي الرئيس السيسي، خلال زيارته التي تستغرق ثلاثة أيام وتعد الثالثة له منذ توليه رئاسة البلاد نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون الثلاثاء، على غذاء عمل في أول لقاء بينهما يعقبه مؤتمر صحفي، وذلك بعد أن يتناول الرئسان القضايا ذات الاهتمام المشترك والملفات الثنائية وسبل تعزيز العلاقات في مجالات الثقافة والتعليم.. حسبما أشارت الرئاسة الفرنسية.
وسيجتمع الرئيس السيسي بعدد من كبار المسئولين الفرنسيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء إدوار فيليب، ووزير خارجية فرنسا جون إيف لودريان، حيث ستجرى جلسة مباحثات، يعقبها مأدبة عشاء ستقام على شرف الرئيس والوفد المرافق له.
ويجري الرئيس لقاءات مكثفة مع وزيرة الجيوش (الدفاع) فلورنس بارلي، ورئيس الجمعية الوطنية (مجلس النواب) فرانسوا دو روجي، ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشي، الذي أعيد انتخابه مؤخرا على رأس الغرفة العليا للبرلمان، حيث من المنتظر أن يتم التعاون البرلماني وجهود الدولة المصرية، لاتمام برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتوازي مع مكافحة الارهاب.
وتعكس زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لفرنسا، رغبة مشتركة للقاهرة وباريس في مواصلة التشاور، والتنسيق الوثيق لحل أزمات الشرق الأوسط، التي تغذي التطرف والإرهاب، وتلقي ايضا بظلالها على فرنسا وأوروبا بشكل عام، والتي تعرضت في الفترة الأخيرة للعديد من الهجمات الارهابية، وتواجه تدفقات الألاف من المهاجرين الفارين من النزاعات الدامية في الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب تكثيف اللقاءات على أعلى مستوى أكثر من أي وقت مضى بين مصر، التي تحظى بأهمية جيوستراتيجية، وتعد قوة عربية وإفريقية كبرى لا يمكن تجاوزها، وفرنسا باعتبارها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وإحدى ركائز حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي، فضلا عن علاقاتها الوطيدة ببلدان منطقة المتوسط.
و قد رحبت الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الثالثة إلى فرنسا، التي تعكس قوة ومتانة العلاقات الثنائية، حيث تشهد مصروفرنسا علاقات سياسية على مستوي رفيع منذ عهد بعيد، الا ان هذه العلاقات شهدت دفعة جديدة وتطورا ايجابيا منذ تولي الرئيس السيسي رئاسة البلاد.
وأكد فيليب فوليو، رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية المصرية في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الثالثة إلى فرنسا، تعكس قوة ومتانة العلاقات الثنائية مع فرنسا.
واعتبر فيليب فوليو، إن العلاقات بين البلدين قطعت شوطا طويلا في السنوات الماضية وازدادت قوة في المجالات الأمنية والعسكرية، وكذلك في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يمثل أهمية لكلا البلدين.
وشدد السياسي والبرلماني الفرنسي على أنه لن يكون هناك سلام واستقرار في منطقة الشرق الأوسط دون المشاركة الفاعلة والكاملة والأساسية لمصر على الساحة الدولية لتسوية الأزمات، لاسيما المندلعة على أبوابها.
وقال انه من هذا المنطلق، فإنه من الطبيعي أن تلتقي القوتان مصر وفرنسا، في إشارة إلى اللقاء المرتقب بين السيسي ونظيره الفرنسي إمانويل ماكرون، للتشاور والتعاون سويا لمجابهة التحديات المشتركة، لا سيما خاصة مكافحة الإرهاب.
ودعا النائب الفرنسي إلى ضرورة تعزير العلاقات الاقتصادية بين باريس والقاهرة، ودعم المشروعات القومية الكبرى في مصرخاصة في منطقة قناة السويس، مشيرا إلى التواجد الفعلي للعديد من الشركات الفرنسية في السوق المصري.
وقال الدكتور شارل سان- برو، مدير مرصد الدراسات الجيوسياسية بباريس، أن وجهات النظر الاستراتيجية بين باريس والقاهرة متطابقة حيال الأزمات الاقليمية الراهنة وخطر التعصب والإرهاب وضرورة تعزيز التعاون في هذا الشأن بين ضفتي المتوسط.
وشدد سان برو على ضرورة، أن تحظى مصر بدعم أصدقائها وحلفائها في حربها الضارية ضد الارهاب، الذي يحتاج الى رد شامل عبر التنسيق الوثيق بين الأجهزة المتخصصة للدول المعنية، مشيرا الى أن مصر تواجه في آن واحد خطر الإخوان والعناصر الارهابية في شمال سيناء والقادمة من ليبيا.
وذكر أن مصر إحدى أهم ركائز السياسة العربية لفرنسا التي اتبعتها كل الحكومات المتعاقبة، وتعد شريكا مهما في ضوء التحولات التي يشهدها العالم العربي، مشيدا بالعلاقات التاريخية بين البلدين وما تكتسبه من بعد حضاري.
ومن جهتها، رحبت الجبهة الوطنية للمصريين في الخارج بالزيارة الرسمية للرئيس عبدالفتاح السيسي لفرنسا، معربة عن تأييدها لنهج القيادة السياسية في تعاملها مع الملف الخارجى من خلال التعاون و التنسيق في كافة الأمور المشتركة.
و أكدت الجبهة، التي تتخذ من باريس مقرا لها- اتخاذها الترتيبات اللازمة مع الجاليات المصرية بدول أوروبا، للاحتفاء بزيارة الرئيس السيسي للعاصمة الفرنسية "باريس"، والإعراب عن تأييدها لسياسات الدولة لمصرية في الداخل والخارج، ودعمها لها في حربها ضد الإرهاب و استكمال مسيرة التنمية.
وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري، تشير البيانات الرسمية الى ارتفاع المبادلات بين البلدين خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2017، حيث زادت الصادرات 9.2 في المئة لتبلغ 1.1 مليار يورو وزادت الواردات 21٪ لتبلغ 401.4 مليون يورو، ومصر اليوم في الترتيب العاشر بالنسبة إلى فائض الميزان التجاري العالمي لفرنسا.
وكانت فرنسا سادس مستثمر في مصر في عام 2016، وبلغت مخزون الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخاصة بها 3.5 مليار يورو، وتحتل المرتبة السابعة من بين مورّدي مصر والمرتبة الثالثة عشرة من بين عملائها وتتلقى فرنسا 2.1 في المئة من الصادرات المصرية.
وهناك أكثر من 160 منشأة فرنسية، تعمل في مصر، وتشغّل قرابة 30 ألف شخص في قطاعات متنوعة، مثل الصناعة والصناعة الزراعية والمعدات الكهربائية والصيدلة والتوزيع والمحروقات والسياحة.
اما على المستوى العسكري، فقد شهد التعاون بين باريس والقاهرة طفرة خلال السنوات الماضية، حيث تعاقدت مصر لشراء 24 طائرة رافال وحاملتي مروحيات من طراز "ميسترال" وقمر عسكري للاتصالات وفرقاطة متعددة المهام من طراز "فريم"، وأربع فرقاطات من طراز "جويند"، واحدة مصنعة في فرنسا و تسلمتها مصر الشهر الماضي في مدينة لوريان فيما يتم تصنيع الثلاث الأخريات بشركة ترسانة الاسكندرية في اطار نقل التكنولوجيا.
وترتبط مصر وفرنسا أيضا بعلاقات ثقافية قديمة فمصر عضو في منظمة الفرنكوفونية، فضلاً عن أن 000 45 تلميذ مصري يتابعون تعليمهم باللغة الفرنسية.. ويتولى المعهد الفرنسي في مصر بالأساس تنشيط التعاون الثقافي بين البلدين، ويملك المعهد ثلاثة فروع (في القاهرة واسكندرية ومصر الجديدة).
ويتمثل الحضور الفرنسي في مجال البحوث بوجه خاص في معهد البحوث من أجل التنمية ومركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، اللذين يختصان بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، ويجريان البحوث في مجالات مواضيعية ثلاثة (الحكم الرشيد والسياسات العامة، والتنمية-الميدنة- السير، والعلوم الإنسانية الرقمية).
أما في مجال علم الآثار فتتبوأ فرنسا الصدارة في هذا المجال في مصر عبر المعهد الفرنسي لعلم الآثار الشرقية (IFAO)، والمركز الفرنسي المصري لدراسات معابد الكرنك، ومركز الدراسات الاسكندرانية، والبعثات الأثرية الفرنسية في مصر.
وتنتهج فرنسا سياسة تعاون مهمة في مصر في المجال التقني في العديد من القطاعات، ولا سيّما في مجالي الإدارة العامّة والعدالة، وتسهم فرنسا في برنامج سنوي يتيح لكبار الموظفين والقضاة المصريين متابعة برامج تدريب في المعهد الوطني للإدارة والمعهد الوطني للقضاة في فرنسا.
التعليقات